تجمعت عائلة المواطن أبو حسن صلاح القاطنة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة بعد أداء صلاة الفجر في جلسة عائلية احتست خلالها الشاي منشغلة بأحاديث عن قصف البيوت على رؤوس ساكنيها دون علمهم أن 3 صواريخ f16 ستقصف منزلهم بعد دقائق معدودة.
الستيني أبو حسن ذهب إلى غرفة المقابلة ومعه كوب الشاي ليتابع آخر مجريات الأوضاع في غزة عبر شاشة التلفاز, ولاسيما بعد ما دخلت الحرب التي سماها الاحتلال "عمود السحاب" يومها الرابع.
فجأة حدث انفجار ضخم هز الطابق السفلي لمنزل أبو حسن شعر به ساكنوه، وأعقبه دخان كثيف وانقطاع في التيار الكهربائي ليعم الخوف والصمت قلوب أفراد البيت ويبدأ صراع العائلة من أجل البقاء.
وكان الأفراد الموجودون في المنزل: أبو حسن وزوجته الخمسينية, وأبناؤهم: زكريا "18" عاما, والصغير محمد "13", وصفاء "24" وطفلاها شذا وعمرو "3", وفاطمة "22" وطفلاها لينا "2" ومحمد الذي لم يبلغ عامه الأول.
الشاب زكريا استدرك الأمر وأشعل مصباح هاتفه وسلطه على الطابق السفلي ليشاهد دخانا يتصاعد منه, فبدأ الصراخ على ذويه: "انقصفنا انقصفنا.. اطلعو من البيت اليهود قصفونا".
بعد لحظات كانت الأسرة على موعد مع صاروخ ثان من الطائرات الحربية (الإسرائيلية) أغرق من كان في المنزل من أطفال ونساء بالركام والحجارة بعدما أنزل سقف البيت على رؤوسهم.
"شعرنا بالضغط وانخنقنا, واتفرقنا تحت ركام البيت وكنت أسمع عويل أخواتي وبكاء أطفالهم ولكن لا أشاهد شيئا سبب الغبار الذي عج المكان"، هذا ما قاله زكريا لـ"الرسالة نت".
انقطع بكاء شذا وأختها وخف عويل أم حسن وبنتها فاطمة بعد قصف الطائرات الحربية (الإسرائيلية) صاروخها الثالث الذي سوّى المنزل بالأرض.
زكريا فقد الوعي للحظات مع شدة الضربة, وما لبث إلا أن أفاق وبدأ ينادي على أهله: "يابا يا امي, وينكم انتو عايشيين", وللأسف لم يستجب أحد له ليعتقد أن الموت نال من جميع أفراد عائلته.
"الرسالة نت" وصلت المكان في ذلك اليوم بعد عدة دقائق، وشاهدت الطواقم الطبية تنتشل جسد "أبو حسن" الذي كان نصفه السفلي تحت الأنقاض, ورأت جسد الطفل محمد صاحب 3 أعوام ملقى على بعد أمتار من المنزل وملابسه ممزقه والدماء ملأت وجهه بفعل قوة القصف (الإسرائيلي).
استمر البحث تحت الأنقاض عن باقي العائلة دون العثور على أحد منهم، فكلما تعمقت الحفريات وأعمال إزالة الركام تعقدت مهمة البحث عن المفقودين.
ولكن أحد أهالي الحي شاهد أصابع يد شخص تخرج من بين الأنقاض فبدأ التهليل والتكبير لتهلع الطواقم الطبية إلى مكان الحفرة وتبدأ الحفر وتنتشل من بقي تحت الأنقاض.
ويروي زكريا لـ"الرسالة نت": "سمعت صوت ناس اجت تسعفنا ولكن لم يكن باستطاعتي أن أنادي عليهم, لشدة التعب, فاكتفيت أن أمد أطراف من يدي بفتحة كان يدخل منها النور".
بدأت الطواقم الطبية انتشال أجساد العائلة التي كان أولها أم حسن وآخرها زكريا، فظن الجميع أن أرواحهم صعدت إلى السماء ليبدأ مراسلو الإذاعات المحلية والمواقع الإلكترونية تناقل أخبار مفادها أن هناك عشرات الشهداء انتشلوا من تحت الأنقاض في جباليا.
وصل أفراد العائلة المنتشلين إلى مستشفى كمال عدوان, وهنا تدخلت عناية الله حتى أعلنت الطواقم الطبية في المستشفى أن جميع أفراد العائلة بخير, وأن جروحا طفيفة ومتوسطة توزعت على أجسادهم بفعل القصف عدا الحاج أبو حسن الذي كان عنده كسر في الحوض.
أم حسن تقول لـ"الرسالة نت" إنها لم تتوقع نجاتها من هذا القصف العنيف، "لكن عناية الله كانت في المكان".
وأضافت الخمسينية: "رددت تحت الأنقاض عبارة (ربي استرنا في الدنيا والأخرة) وارحم زوجي وعائلتي".
اما ابنتها فاطمة فتقول: "في الضربة الثانية فقدت الوعي, وعندما استيقظت وجدت نفسي مستلقية على السرير والآلام تجتاح جسدي".
دخل الموت منزل عائلة "أبو حسن" لكنه لم يخطف أي روح منها، وهذه تفاصيل تروى لأول مرة عما حدث قبل عام مع عائلة صلاح بتاريخ 17-11-2012 في اليوم الرابع للعدوان الذي شنه الاحتلال (الإسرائيلي) على غزة.
اليوم ينعم أفراد الأسرة بصحة جيدة، كما أعيد بناء البيت من جديد, وأتم زكريا امتحانات الثانوية العامة, وعاد "أبو حسن" إلى السير على قدميه بعدما شفي تماما.