استأذنت "هداية" وخرجت من عملها متوجهة إلى بيتها، وكل ما يشغل فؤادها مصير ابنها "زين الدين" الذي يتوقف على إجراء ثلاث عمليات في القلب.
فور وصول المنزل تفاجأت "هداية سمور" بهاتفها الذي دق جرسه، وكان على الطرف الآخر امرأة تدّعي أن اسمها حلا وتعيش في مدينة القدس وتعمل في معبر بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة.
أخذت السيدة على الطرف الآخر التعريف عن نفسها، وقالت إنها تعلم حالة زين ومدى حاجته للعلاج، وادعت أنها جاءت لتساعد هداية التي أنهكها مرض ابنها صاحب الأشهر الثمانية.
علامات الشك والريبة تقسّمت على ملامح أم زين التي لم تكن تفكر آنذاك في عروض تلك السيدة التي بدت مغرية للوهلة الأولى، بقدر ما كانت مهتمة بمعرفة المقابل، وما الثمن الذي ستدفعه.
"ساعِدينا بنساعدك" كلمتان كانتا كفيلتين بصدمة هداية التي كانت متوقعة ذلك العرض، فقد تبين لها بعد حين أن تلك السيدة تعمل لصالح جهاز المخابرات (الاسرائيلي)، وتسعى بذلك إلى جرّ الأم للتعاون الأمني.
مكالمة فتاة المخابرات كانت وليدة معاناة عاشتها أم زين على مدار أشهر طويلة، بدأت بمستشفى الرنتيسي للأطفال في غزة، ومرّت بمستشفى "فيلكسون" ولم تنتهِ بـ "تل هاشومير" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتقول هداية لـ "الرسالة نت" إن الأطباء في غزة اكتشفوا أن ابنها يعاني مشاكل صحيةً بعد أربعةٍ وثلاثين يوماً على ولادته، وكان آنذاك معرّضاً لـ "موت حقيقي في أي لحظة حال توقف قلبه عن النبض".
مطلع يناير/كانون الثاني من العام الجاري سافرت هداية لعلاج ابنها في مستشفى "تل هاشومير" في (تل أبيب) بعد أن أجرت له فحوصات طبية في غزة تطلبت نقله بشكل عاجل إلى (إسرائيل) للعلاج هناك.
ويضطر المرضى الفلسطينيون في غزة للسفر إلى مصر أو الأراضي المحتلة لغرض العلاج، نتيجة الحصار (الاسرائيلي) المفروض على غزة الذي أثر على القطاع الصحي، وذلك ليس أمرًا هيّنًا.
حصلت عائلة زين على طلب العلاج العاجل من الجهات الصحية المتخصصة في غزة، وتوجهت بعدها إلى معبر "ايرز" لبدء رحلة كانت مليئة بالمعاناة في أروقة المستشفيات (الإسرائيلية).
كان زين بداية الأمر يحتاج إلى أكثر من عملية، نتيجة المشاكل التي أصابت قلبه، ووصفها الأطباء آنذاك بالمعقّدة، فقلبه يبدو شبه مُعطل منذ أن خرج من رحم أمه.
وأُجريت للطفل خلال رحلة علاجه في "تل هاشومير" أولى العمليات الجراحية (القسطرة)، ذاقت خلالها الأم المرارة في المستشفى (الإسرائيلي)، رغم الكفاءة الطبية التي تتمتع بها.
وتضيف الأم: "كانت المعاملة سيئة جداً خلال انتظار إجراء العملية(..) طفلي امتنع عن الطعام ليلة كاملة حتى ظهر اليوم التالي، واستيقظ يتوجع ويبكي من الجوع، وحينها لم تهتم إدارة المستشفى لحالتنا".
وبعد الانتظار الطويل طلب الأطباء (الاسرائيليون) من الأم أن تغادر المستشفى وتعود إلى غزة بصحبه ابنها، دون أي نتيجة مرجوة لشفاء زين الدين.
بعد عودتها إلى غزة واتصال "فتاة المخابرات"، تكرر الاتصال مجددًا لكن أم زين قابلت ذلك بالرفض، وهو دفعها إلى التواصل مع جهاز الأمن الداخلي في الحكومة بغزة الذي استقبل حالات كثيرة خضعت لابتزاز (إسرائيلي).
وكان من المفترض أن تعود الأم وابنها إلى مستشفى "تل هاشومير" مرة أخرى بهدف إجراء العملية الجراحية الثانية في العاشر من يناير/كانون الثاني، لكن الابتزاز الذي تعرضت له أوقف رحلتها.
لجوء هداية إلى "جهاز الأمن الداخلي" في غزة كان مفتاحًا مزدوجًا، أغلق باب معبر "ايرز" وفتح بوابة معبر رفح على الحدود الفلسطينية-المصرية، لإكمال العلاج في تركيا، وضمان عدم اعتقالها وابنها.