قائمة الموقع

مقال: في ذكرى حجارة السجيل.. لماذا يحاصرون غزة؟

2013-11-21T08:27:09+02:00
ابراهيم المدهون
بقلم / إبراهيم المدهون

لماذا تُحارب غزة ويُقطع عنها التيار الكهربائي وتُحاصر حصارا شديدا وتشن عليها الحرب تلو الحرب؟ لماذا تجتمع الأنظمة والبلاد والراجمات والبوارج ولا تغادر الطائرات سماءها مستطلعة ومتربصة؟

ماذا قدمت لتصبح حديث العالم ومحط أنظاره؟ هل تمتلك ثروات ومعادن نفسية أم لها موقع استراتيجي؟ أعتقد أن الأمر غير ذلك.

إنها تمتلك رجالاً أشداء قرروا إكمال الطريق وحدهم، وتحدي الهيمنة الصهيونية دون غيرهم، فقدموا نموذجاً فريداً غريباً وأعطوا صورةً مختلفة وكسروا السائد في أعين الناس، فلم يخنعوا كما خنع غيرهم، ولم يستسلموا ويرضوا بذُل التبعية أو الاحتلال، فلم يعترفوا بـ(إسرائيل) وأصروا على القتال وامتلكوا إرادة الحياة، وأضافوا للكرامة شيئاً كثيراً؛ فتحولت غزة الفقيرة المُعدمة المحاصرة المزدحمة بالسكان، إلى بقعة مباركة يحج إليها الناس، وتهفو لعظمتها القلوب وتشتاق إليها الأرواح، وتعظمها الأفئدة وتباركها الدعوات والصلوات.

وترى رجالها أبطالاً عظماء يهاب العدو المس بهم رغم جبروته وغطرسته، فهي الوحيدة التي إن تعرضت لنار ردت بنار، وإن قتلوا منها قَتلت منهم، وإن اغتيل أحد أبنائها أشعلت الحروب والمعارك، فمن يجرؤ على ضرب (تل أبيب) بالصواريخ؟ ومن يستطيع إمطار المدن والبلدات المحتلة بآلاف الصواريخ؟!

ما يميز شعب الفلسطيني في غزة أنه تمرَّس العمل وتشرب التجربة وأعلى من قيم الحرية والكرامة، فأصبحت قدرته على الاحتمال أعظم ورؤيته للتفاصيل أوضح، ولم تعد أولوياته مجرد أن يعيش قليلاً من العيش الرغيد، بل يطمح لحرية كاملة وكرامة غير منقوصة ومستعد لتقديم كل ما يملك ويستطيع من تضحية وفداء، فهناك إدراك باطني لدى الشباب أن مهمتهم الآن كبيرة وموقعهم متقدم مما يزيد الحرص والتماسك لديهم.

هناك خوف جدي من نجاح غزة ومقاومتها في فرض نموذجها الذي يقوم على الثقة بالنفس والقدرة على التحدي وإمكانية الصمود والتحضير للانتصار، لا يريدون لغزة أن تقدم لهم صورةً عنوانها أننا يمكن أن نقول لأمريكا و(إسرائيل) لا، ويمكننا أن نصمد ونصبر ونثبت وننتصر، لهذا هناك حرص شديد ومحاولات متكررة لكسر هذا النموذج ووأده.

ولهذا فالمطلوب من مقاومة غزة أن تستمر ولا تهاب العواقب، والمطلوب من الحكومة الفلسطينية أن تتمسك بمنهجية إصلاحٍ حقيقيةٍ لبعض التفاصيل، وأن تزيد إنجاح تجربتها في الحكم الرشيد وتركز على إعلاء قيمتي العدالة والحرية، ولا ضير أن يقسوا على أنفسهم وألا يغرقوا بالأمور التافهة، وأن يحاربوا الترف والفساد وأن يأخذوا على يد الظالم مهما كان، فالمأمول كبير والدور خطير ولقد تحققت الكثير من الخطوات وننتظر المزيد.

ما يميز غزة دائما منعتها الداخلية ونقاء عناصرها، فجسمها حتى اللحظة سليم وقادر على المقاومة والمدافعة، ولقد واجهت الكثير من التحديات وانتصرت عليها فولى زمن الخوف والهزائم، وجاء زمن التحدي والانتصار.

فمعركة حجارة السجيل التي نعيش ذكراها اليوم علامةٌ فارقةٌ بين زمنين، فقد أغلقت زمن اندثار المشروع المقاوم، واليوم المراهنة على إنهاكه وإضعافه وإدخاله في معارك جانبية ومحاصرته وتشويه صورته، وكما فشلوا في الأولى سيفشلون مرة ثانية.

اخبار ذات صلة