الساعة "البيولوجية" لقادة جيش الاحتلال هذه الأيام مضطربة للغاية، وقهوة الصباح لم يعد لها مذاق بعد المشكلات على حدود غزة التي ليس لها حل رغم وفرة الإمكانات العسكرية والتكنولوجية لديهم.
يريدون حربا نظيفة دون التحام مباشر أو اشتباك يعرّض جنودهم لخطر الاختطاف أو التصادم مع مقاومين فلسطينيين ينبتون من بطن الأرض.
وتخوض (إسرائيل) الآن جولة تصعيد على غزة يترجمها المراقبون في المشهد الأمني والسياسي على أنها محاولة لاستكشاف قدرات المقاومة خصوصا من ناحية الأنفاق التي أصبحت تشكل هاجس قلق لما لها من ارتباط باحتمال تنفيذ عمليات اختطاف ومفاجأة العدو.
وقالت صحيفة "سوف هشبوع" العبرية إن حماس لا تزال تبني عشرات الأنفاق الممتدة من القطاع إلى ما وراء الحدود، "وبالإمكان القول إن الجيش الصهيوني يتخبط في العتمة في كل ما يخص الأنفاق".
ونقلت الصحيفة عن الضابط في الاستخبارات الصهيونية والجيولوجي السابق "يوسي لنجوتسكي" قوله إن للنفق طبيعة مفاجئة ودراماتيكية وتهديد إستراتيجي على الأمن.
وأضاف يوسي الذي هو من أشد المنتقدين لسياسة الاحتلال الحالية اتجاه الأنفاق: "يجب الأخذ بالحسبان السيناريو الأسوأ كدخول عناصر من حماس إلى البلدات المحاذية للحدود واختطاف العشرات من الصهاينة وحبسهم في مخابئ سرية"، متسائلا: "ما الذي ستفعله قواتنا حينئذ؟".
تصعيد بنكهة الخوف
المقاتلات الحربية (الإسرائيلية) التي توزع القنابل بين ليلة وأخرى بذريعة الرد على سقوط قذائف المقاومة على البلدات (الإسرائيلية) تحاول تزويد الجنود (الإسرائيليين) بوجبة معنويات لا تكفي ليلة مناوبة على الحدود!.
ويرى الباحث في الشؤون (الإسرائيلية) محمد مصلح أن عدوان (إسرائيل) المتواصل على غزة له علاقة بالنظرية الأمنية (الإسرائيلية)، "فهي تفضّل عادة امتلاك عنصر المبادرة وتحديد الزمان والمكان قبل بدء أي معركة ضد عدوها".
ويضيف: "لديهم تقديرات تفيد بأن المقاومة امتلكت عنصر المبادرة والزمان والمكان، وهذا خطر كبير عليهم، فمسألة الثقة بالنفس مهمة للمجتمع (الإسرائيلي) الذي لا يعيش مواطنه في قلق بل يفضل الأمان".
ويشير مصلح إلى أن الهاجس (الإسرائيلي) يخشى تكرار نموذج اختطاف "شاليط"، "فهو عبء ثقيل، كما لا يريدون إشعال حرب تحرف الأنظار عن اهتمام المجتمع الدولي بالملف النووي الإيراني لتتحول إلى غزة".
نظرة أخرى إلى التصعيد الأخير على غزة يحملها المحلل السياسي توفيق أبو شومر حين يقول إن التصعيد جزء من سياسة دائمة في حين أن الهدوء استثنائي، مضيفا أن (إسرائيل) الآن تمهّد لعدوان جديد باستفادتها من انشغال الساحة العربية والدولية بشؤون أخرى.
الأنفاق العسكرية
أصوات المعاول والفؤوس تحت الأرض تلتهم مع كل متر يقترب من الحدود نظرية الأمن الصهيونية القائمة على مبدأ التأكد من أرض الخصم وتفضيل البدء بالزمان والمكان اللذان يحددهما القادة.
هذه الثقوب الممتدة تحت الأرض ليس لها حل، فالمعركة القادمة ستكون تحت الأرض كما يقولون، ولن ينتصر فيها إلا من أحكم الاختفاء عن منظور الآخر وعمل بصمت.
وكان الضابط الصهيوني لنجوتسكي قد علّق على مشكلة الأنفاق بالقول: "بالإمكان تخمين أن جزءا من الأنفاق المحفورة أُعدت لاستخدامات عدا الخطف، وفي هذا السياق يسعى التنظيم إلى نقل الحرب القادمة إلى باطن الأراضي المحتلة، إضافة إلى أن حماس تستخدم هذه الأنفاق في إطلاق الصواريخ وبناء التحصينات".
المحلل العسكري العميد يوسف شرقاوي يؤكد من جانبه أن الأنفاق عنصر أساسي في حرب العصابات، "ويستخدمها كل شعب محتل في أي مواجهة لأنها ترفع خسائر العدو وتقلل خسائر المقاومين".
ويضيف: "تمنح الأنفاق عوامل التقرّب المستورة والمحمية والمفاجأة، وتضمن سلامة العودة بعد تنفيذ المهمة، وهي طريقة لنقل وتزويد المقاومة بالمعدات الحربية (...) حزب الله استخدمها في جنوب لبنان لبناء ورش التصنيع العسكري ومرابض الصواريخ، وغزة استفادت من النموذج".
ويرى شرقاوي أن تصعيد الاحتلال الأخير يسعى إلى اكتشاف وسائل التمويه لدى المقاومة، "لأن القوة النارية (القذائف) هي الأساس في عمل المقاومة إضافة إلى معرفة إمكاناتها في التعامل مع قوة تقدم جيش الاحتلال وكيفية مواجهة عمليات التوغل".
أما المحلل مصلح فيقول: "مقولة إن الجيش لا يستطيع العمل في العتمة تؤكد أن أسلوب الأنفاق أصبح لمصلحة المقاومة (...) إسرائيل تحاول الآن بتصعيدها فرض صورة أخرى لكن المقاومة تستفيد من الوقت وهو عامل خطير".
كلما مضى الوقت استفادت المقاومة أكثر في تجهيز الأنفاق، فقد أصبح "العمل تحت الأرض وهاجس خطف الجنود" مشكلة الأمن والعسكر في (إسرائيل)، وهي مسألة كما يرى المحلل مصلح ضربت نظرية الأمن (الإسرائيلية).
ولم تصل (إسرائيل) بعد إلى حل جذري لمشكلة الأنفاق، وهي في الآونة الأخيرة تحاول الاعتماد على منظومة إلكترونية وتكنولوجية مثل "العصا السحرية"، واستبدال الحراسة التقليدية على الحدود مع غزة وجنوب لبنان لتلافي مشكلة الاختطاف.
المحلل أبو شومر يؤكد بدوره أن (إسرائيل) تحاول توظيف مشكلة الأنفاق لمصلحتها من أجل تبرير أي عدوان على غزة أمام العالم مستقبلا "مع تواصل الإعداد في منظومة متطورة تكنولوجيا لمكافحة الأنفاق".
ويضيف: "تجري (إسرائيل) مؤخرا مناورات في سلاح الجو مع إيطاليا وفرنسا وتدريبات على حرب إلكترونية، وهي حتى الآن تركز على استخدام الطيران، وبدأت مؤخرا تقليص الاعتماد على المشاة والمدفعية حتى لا يتعرض جنودها لخطر المقاومة القادمة من الأنفاق".
ويدعو أبو شومر إلى فهم تكتيكات العدو العسكرية في مسألة التصعيد الأخير التي تهدف كما يقول إلى جرّ المقاومة كي ترد وتكشف قدراتها القتالية ما قد يكشف قدرات الأنفاق.