تضغط هناء على زر التقاط الصور في كاميرتها لتبعث الحياة عبر شرايين عدستها إلى أجسام جامدة تحيا على يدها من جديد، فترسم خلالها البسمة وتنثر الحب على تفاصيل حياة صامتة.
"الحياة الصامتة" أو كما تدعى بالانجليزية "Still Life".. فن أبدعت فيه المصورة هناء عوض صاحبة الـ (27 عامًا)، والذي يعد حديث الانتشار في قطاع غزة.
انجذب انتباه هناء إلى صور انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم تعهدها من قبل بين المصورين في غزة سواء الهواة أو المحترفين، لكن فرادة الصورة وجمال تفاصيلها دفعت هناء إلى التعمق أكثر.
تعلقت هناء بالحياة الصامتة أكثر فأكثر، وأخذت تبحث عن مقاطع فيديو عبر موقع "يوتيوب" الشهير، وجمعت أيضًا المعدات اللازمة لتطوير موهبتها، ناهيكم عن الكتب المتخصصة في هذا الفن.
هناء المحبة لتفاصيل الحياة الصامتة تقول لـ "الرسالة نت" إن صديقتها أهدتها كاميرا حديثة لتطوير موهبتها، وأخذت بدورها إعداد استوديو صغير في منزلها لا يرتقي لمستوى فنِّها.
حاولت بعد فترة من الزمن تطوير موهبتها فاحتاجت إلى كاميرا متطورة أكثر، لكن ذلك لم يقف عارضًا أمام ذلك، فتمكنت ببساطة الأدوات ورقّي الفكرة أن تصنع صورة تجسد الحياة.
وتستوحي أفكارها من الوسط المحيط بها، فتارة يلهمها الحزن إلى خلق صورة مليئة بالفرح، وتارة أخرى يجبرها الفرح على صنع صورة تنعكس من خلالها الابتسامة وتمتلئ بصمت الحياة.
الكتب وقراءة الكتب أيضًا يمثلان بالنسبة لهناء جوًا صافيًا لخلق الأفكار التي ما تلبث أن تترجمها داخل الاستوديو الخاص بها، وتحولها فيما بعد إلى واقع مصوّر بتفاصيل صامتة.
وتتناول هناء في لوحاتها المصوّرة موضوعات مختلفة منها السياسية مثلًا، فقد دعت من خلال إحدى الصور إلى تحقيق الوحدة الوطنية، من خلال أكواب امتلأت بسائل ملون يمثل الفصائل.
وتشغل الألوان مساحة كبيرة من الصورة التي تنتجها؛ فهي ترى أنها تبعث الحياة من خلالها بالجمادات.
وتقول هناء إنها تحتاج ما بين ساعتين إلى عشر ساعات تتخللها محاولات تفوق المئة للوصول إلى الصورة المناسبة التي ترى فيها جمالًا يمكن أن يجذب الناس ليتعرفوا إلى فنِّها الحديث.
وترى أن تصوير الحياة الصامتة يتطلب إحساسًا قويًا بالواقع والوسط المحلي، لأنه لا يمكن التعبير عنه في كثير من الأحيان بالكلام أو بصور أخرى، وتلجأ إلى الصورة كونها الوسيلة الأفضل.
وتسعى مصورة الحياة الصامتة إلى "غسل عيون الناس في غزة التي اعتادت على صور القتل والدمار كما عهدها العالم"، فهي بذلك تحاول تغيير صورة غزة وبث الحياة فيها من جديد.
ولا تلجأ إلى الاستعانة ببرامج لمعالجة الصور المنتشرة بين المصورين والهواة، وتقول بنبرة الواثقة بفنّها: "صوري طبيعية خالصة مية بالمية ولا أخضعها لأي نوع من المعالجة أو الإضافات".
ولم تجد من يشجعها على مواصلة تصوير الجمادات نظرا لأن ثقافة هذا الفن لم تنتشر بعد بالصورة المطلوبة على الصعيد المحلي، ومع ذلك تسعى إلى أن تصوّر حقوق الإنسان عبر موهبتها.
وكانت من المفروض أن تشارك هناء في نشاط يجمع المهتمين بهذا الفن في العاصمة الأردنية، لكن استمرار إغلاق معابر غزة وانقطاعها عن العالم بفعل الحصار (الإسرائيلي) حال دون سفرها.
وتضيف هناء أن تصوير الحياة الصامتة لا يعد أمرًا سهلًا فهو يحتاج إلى أساليب تنسيق معينة للمواد وللجمادات المستخدمة في عملية التصوير، وذلك يأخذ منها وقتًا وجهدًا كبيرين.
وتأمل أن تصل رسائل صورها إلى المجتمع المحلي والعربي والمشاركة في معارض دولية، كما تسعى للوصول إلى العالم من خلال فنّها بهدف تغيير صورة غزة المشهورة بالدم والدمار.