قائد الطوفان قائد الطوفان

التوظيف الدبلوماسي للتكنولوجيا (الإسرائيلية)

بوتين ونتنياهو
بوتين ونتنياهو

د. صالح النعامي

بخلاف الانطباع السائد، فإن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي في الكرملين قضوا مدة اللقاء الذي جمع بينهما في قضايا ثنائية، وعلى رأسها التعاون البحثي والاقتصادي، وليس الملف الإيراني.

إن وتيرة الزيارات التي يقوم بها مسؤولون صهاينة لموسكو قد زادت وتيرتها خلال السنة الماضية بشكل واضح. لكن الأمر لا يتوقف على موسكو، فالمبعوثون (الإسرائيليون) لا يتوقفون عن الوصول إلى العاصمة الصينية بكين، والوفود الرسمية والأكاديمية الصينية تصل بدورها إلى (تل أبيب)، وتوقع على اتفاقات ومعاهدات في مجال التعاون الثنائي.

وإن كان هذا لا يكفي، فإن وزارة الخارجية (الإسرائيلية) قررت تنظيم زيارات دورية للجمهوريات الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي: كازخستان، أذربيجان تركستان تركمانستان. إن ما يحدث في الوقت، يدلل على تحول واضح في السياسة الخارجية الصهيونية، يأخذ بعين الاعتبار تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية (الإسرائيلي) الجديد القديم أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن أن حكومته بصدد البحث عن حلفاء جدد، في ظل تراجع مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

توظيف المصالح المشتركة

ولم يفت ليبرمان إلى أن يشير إلى حقيقة إدخال تعديلات جوهرية على السياسة الخارجية (الإسرائيلية)، تأخذ بعين الاعتبار توظيف المصالح المشتركة بين (إسرائيل) ودول العالم. وقد برر ليبرمان التوجه الجديد، بالقول أن حقيقة مواجهة الولايات المتحدة الكثير من بؤر التوتر في العالم بات يقلص من التقاء المصالح بينها وبين (إسرائيل).

لكن (إسرائيل)، ليست قلقة فقط من تراجع مكانة الولايات المتحدة ودورها، بل أيضاً قلقة من سلوك الدول الإسلامية، التي تقلص هامش المناورة أمام (إسرائيل) في الحلبة الدولية، لا سيما تركيا. ويجاهر ليبرمان بالكشف عن آلية العمل (الإسرائيلية) على صعيد السياسة الخارجية في المرحلة القادمة، حيث يقول إنه يتوجب على (إسرائيل) عدم البحث عن تحالفات مع دول تحتاج مساعدات مالية، على اعتبار أن (إسرائيل) لا يمكنها أن تنافس العالم الإسلامي في كل ما يتعلق بالقدرة على تقديم المساعدات المالية؛ بل البحث عن دول معنية بالاستفادة من الخبرة (الإسرائيلية) في مجال التقنيات المتقدمة.

كلمة السر: تقنيات متقدمة

تستغل (إسرائيل) جيداً وبشكل حاذق كل الفرص التي يمنحها إياها تفوقها الكبير في مجال التقنيات المتقدمة، لا سيما ذات التوظيف العسكري العسكرية، وهو التفوق الذي جعل الكثير من الدول ترغب في تكريس أواصر التعاون معها، بحيث تقوم العلاقة على أساس حصول هذه الدول على التقنيات (الإسرائيلية)، مقابل جملة من الالتزامات، وذلك حسب إمكانيات هذه الدولة. فهذه الدول مطالبة بتقديم دعم لـ(تل أبيب) في المحافل الدولية، وعليها الالتزام بالتعاون الأمني والاستخباري مع الجيش والمخابرات (الإسرائيلية).

ويكفي هنا أن نشير إلى الصين كحالة، تعكس نجاح التكتيك (الإسرائيلي)، فرئيس أركان الجيش الصيني قدم لـ(إسرائيل) طلب الموافقة على تركيب تقنيات قاذفة للصواريخ على متن حاملة الطائرات الصينية الجديدة التي طورتها بكين مؤخرا بعد شرائها من أوكرانيا، حتى تكتمل منظومة الصين الدفاعية.

في نفس الوقت، فقد قامت (إسرائيل) بتزويد الصين بمنظومات متعددة من طائرات الاستطلاع بدون طيار.

وعلى الرغم من أن (إسرائيل) ملتزمة بعدم تزويد أي دولة أخرى بتقنيات استوردتها من الولايات المتحدة قبل الرجوع للإدارة الأمريكية، إلا أن (تل أبيب) خاطرت عام 2002 بتأزيم العلاقات مع واشنطن، وزودت الصين بطائرات " فالتون " التي قامت على تقنيات عسكرية أمريكية.

وقد غضبت واشنطن غضباً شديداً في ذلك الوقت، كون الإدارات الأمريكية فرضت قيوداً على تزويد بكين بالتقنيات العسكرية، بسبب تهديدها المتكرر لدولة تايوان، التي تعتبر أحد أوثق حلفاء واشنطن في جنوب شرق آسيا.

وعلى الرغم من عمق العلاقات بين واشنطن و(تل أبيب)، إلا أن الغضب الأمريكي لم يهدأ، إلا بعد أن تمت التضحية بعدد من كبار الموظفين في وزارة الدفاع (الإسرائيلية). وقدمت (إسرائيل) عرضاً لمناقصة لبناء مصنع في الصين لتصنيع الطائرات النفاثة بالتعاون مع شركة تصنيع الطائرات في الصين، وفى حال فازت (إسرائيل) بالمناقصة فستكون صفقة القرن، وستوصف بأنها أكبر صفقة لتصنيع الطائرات الإسرائيلية في الصين.

وتأمل (إسرائيل) أن تؤدي علاقاتها المتعمقة مع الصين إلى تحسين مكانتها الدولية بعدما تضررت كثيراً، وتعي (تل أبيب) أن هناك طاقة كامنة وهائلة في العلاقة مع الصين، كونها، إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبسبب نفوذها المتعاظم في معظم قارات العالم، إلى جانب الطاقة الكامنة في التبادل التجاري معها بسبب ازدهارها الهائل في المجال الاقتصادي.

وتأمل (إسرائيل) أن تلعب الصين دوراً " إيجابياً " في صد أي محاولة لتمرير قرارات في المنظومات الدولية لا يراعي المصالح الصهيونية. وتأمل (تل أبيب) تحقيق عوائد استراتيجية لا تقل أهمية، لا سيما وقف تزويد الصين لإيران بتقنيات لإنتاج الصواريخ، وتزويد (تل أبيب) بمعلومات استخبارية عن منظومات الصواريخ في إيران، بسبب العلاقة القوية التي تربط الصين بإيران.

وتكتسب المعلومات الاستخبارية التي يمكن أن تقدمها الصين لـ(إسرائيل) أهمية قصوى، فعلى أساس هذه المعلومات تبني (إسرائيل) صورة أكثر دقة حول إمكانيات إيران العسكرية، وذلك قبل أن تقرر (تل أبيب) طبيعة السلوك الذي تنتهجه للقضاء على البرنامج النووي الإيراني.

قصارى القول، (إسرائيل) تتجه لتوظيف مواردها الذاتية في بناء تحالفات جديدة، ضمن عملية إعادة التقييم لواقع موازين القوى في الساحة الدولية.

البث المباشر