قائمة الموقع

في شارع النفق.. توابع للنكبة الفلسطينية!

2013-12-23T18:18:35+02:00
عمليات اجلاء المواطنين في شارع النفق (الأرشيف)
الرسالة نت - أمل حبيب

كجزء من فيلم رعب اجتاحت مياه المجاري حيا سكنيا بأكمله لتبتلعه وتترك الأرواح فيه لتصارع قدراً حمل من ملامح النكبة الفلسطينية الكثير !

وجوه شاحبة يميل لونها إلى بقايا المياه الراكدة بين جدران منازلهم ترتعش أناملها خوفاً كلما اقترب مفتاح الدار من تلك الأبواب الخشبية المتآكلة برداً.

عاد القانطون لتفقد منازلهم بعد سحب جزء من كميات المياه التي غمرتها طيلة ثمانية أيام ولسان حالهم يردد: "ما فعلت بك الايام يا دار؟ فلم يبق لهم سوى الوحشة وفوضى الحطام.   

مشاهد من عودة أهالي شارع النفق في حي الشيخ رضوان إلى بيوتهم عايشتها "الرسالة" وغصة في القلب.

نكبة برائحة!

لم يكن حطام الدار هو السبب الرئيس في ضيق الصدر الذي انتاب سكان الحي أو المارين من هناك بل لعبت رائحة المجاري في الزقاق وبين ثنايا الجدران دوراً كبيراً في ذاك الضيق!

الساعات الأولى لعودة المنكوبين الى ديارهم كانت الأقسى لما حملت ملامحهم الكثير من الخوف والضياع.

المواطن أكرم البراوي خضر ابتلع وجع الكون وهو يردد من أمام محله لبيع وتصليح السخانات في شارع النفق: "لقيت محلي ملحمة.. يا ريت ما فتحت الباب وشفت اللي صار", وكأن رحى معركة دارت في المحال التجارية بعد أن سحبت المياه منها !

في حين كانت عينا ابراهيم الجمل تلاحقنا وبقايا المياه العادمة أخفت لون قميصه الأبيض كما شوه الفيضان معالم محل التبريد والتكييف الذي يعمل فيه, وعن ساعات العودة الأولى له بعد ثمانية أيام تشبعت بها المنازل والمحال التجارية بالمياه, قال الجمل بعد أن زفر الآه ألماً: "لم أتوقع أن المياه فعلت كل هذا.. خسائر كبيرة لحقت بمصدر رزقي ولا بوادر لحلول أو محاولات لتعويضنا".

وكان جل المواطنين المنكوبين في النفق يبحثون عن معيل لهم, ليحصي حجم الاضرار التي لحقت بمنازلهم ومحالهم التجارية, حيث تعرضنا لذات السؤال أكثر من مرة: "بتسجلوا أضرار؟"

جرفت المياه كل شيء حتى الأحلام هنا رحلت ولم يبق سوى أنات المتضررين وجعاً.

تنقلنا بين المنازل والمحال المتضررة لم يكن بتلك السهولة التي تخيلناها، فبالرغم من سحب كميات المياه من شارع النفق الرئيسي الا أن آثار مياه المجاري وما تخلفه من لزوجة في الأرض كان يهددنا بأن تلف ضلوعنا مادة الجبس في كل لحظة!

على الجهة المقابلة لمحل الجمل وقف أبو علاء السويركي وقدماه مغموستان بالطين وبقايا المجاري , هو الآخر قدر الخسائر التي لحقت بمحل الأدوات الكهربائية الذي يعمل فيه ويقول بعد أن فتح دكانه لالتقاط عدد من الصور: "المحل تشبع مجاري طوال الثمانية أيام على ارتفاع متر ونص وكل اشي راح".

الجدير ذكره أن بركة الشيخ رضوان فاضت مياه المجاري منها بعد منخفض اليكسا قبل أسبوعين مما أدى الى غرق شارع النفق وتجمع المياه فيه.

خوف من العودة !

"هنا كانوا.. هنا رسموا مشاريع الغد الآتي فأين الحلم والآتي؟" مقطع شعري لفدوى طوقان كان حاضراً حينما توقفنا أمام منزل الحاج أبو يحيى اليازجي الذي لم تقو أقدامه على حمله ليفتح باب منزله أو حتى السوبرماركت الخاص به واكتفى بسماع مواساة الجيران والمارين من أمامه وهم يرددون: "الله يعوضك خير يا أبو يحيى".

وبعد سحب المياه من الجزء الشمالي لشارع النفق عاد السكان لتفقد بيوتهم و في حين شعر اليازجي بالخوف من دخول منزله.

شعور بالوحشة هو كل ما تولد لأبو يحيى وهو يتفقد زوايا منزله, بعد أن تبدلت ملامحها وتشبعت جدرانها برائحة المرض, حديث أبو يحيى كانت تقطعه نافذة ترحل ذهابا وايابا على سيمفونة صفير رياح كانون.

الرائحة رافقتنا طوال الجولة في شارع النفق كما أناتهم الباحثة عن بصيص أمل , كما الحاجة السيتينة أميرة المغربي التي جاءت لتفقد بيتها.

وقريباً من وطنها ومأوى صغارها تراقب المغربي تحركات الجرافات في تجميع أكوام من الرمل أمام المنطقة التي لاتزال تغرقها مياه الفيضان , وتقول: "كل يوم باجي بتفقد الدار من بعيد, ومنسوب المياه في المنطقة حتى الآن مش قادرة أشوف بيتي بالعين" !

هدير الجرافات لم يحل دون سماعنا لأمنيتها بالعودة لبيتها وعائلتها لأنها تشعر بالضياع بسبب معيشها على الصدقات وعطف الجيران والأهل.

مفتاح الدار كان حاضراً وذات الكلمات التي حفظها الصغار من الجيل النكبة كانت أبرز ما روت بها الستينية مأساة عائلتها مبينة أنها ظنت بأن الأمر لن يطول وهي مجرد ساعات وستعود الى البيت.

 ** داء في صيدلية!

كثبان رملية كانت بمثابة الطريق على الضفاف, وبقايا بؤس مر من هنا كما مرت المواطنة أم علي جوجو وعائلتها الى بيتها بعد ان غابت معالمه الأصلية.

وبعد لجوئها وعائلتها الى مدارس الايواء عادت الى شارع النفق , وتعود بذاكرتها الى يوم الفيضان , حيث خرجت وأحفادها عبر "الحسكات" الى ان وصلوا الى الضفة الأخرى.

على وجوههم رسمت البثور الحمراء لوناً للوجع ومستقبلاً لكوارث صحية تهدد الصغار ويقول ابنها علي: "أشعر بالخوف على صغاري من الأمراض التي قد تلحق بهم من رائحة المجاري التي تشبعت بها منازلنا لفترة طويلة , ويضيف بعد أن أزاح أريكة نجت من الغرق: "عدنا الخميس الماضي ولا يوجد في البيوت مياه ولا كهرباء".

ووجه جوجو الاتهام الى الجهات الرسمية والأجنبية بتقصيرها في اغاثتهم, وأشار بيديه الملوثتين من مخلفات الفيضان: "أمر مرعب أن نعيش في بيوت آيلة للسقوط بعد ان تشبعت أساساتها بالمياه لفترة طويلة".

وفي سياق وجع متصل التقطت عدسة "الرسالة" حجم الضرر الذي لحق بصيدلية النور في شارع النفق, فبعد أن كانت مصدرا للدواء تشبعت اليوم بالداء!

الصيدلاني مدحت حمد لم يكن يعلم بأن صباح الخميس الماضي سيكون الأقسى عليه طيلة عقد من العمل, حيث عاد اليها يوم الخميس بعد علمه بسحب المياه من الشارع, ويقول بذات الحسرة المشتركة بين المنكوبين في الشارع: "مشروع حياتي لسنوات طويلة وأنا ابني فيه وبيوم انهد وضاعت الأحلام".

وبين أكوام الزجاجات الطبية والعقاقير يقلب حمد كفيه ألماً وقلبه المؤمن بقضاء الله وقدره يردد: "إنا لله وإنا إليه راجعون".

بقايا فرح !

رعشة يده حين حاول فتح باب شقته عايشناها بتفاصيلها وحيث تزامن وصولنا الى بيت  العشريني سائد أبو دان وهو يحاول فتح باب شقته عائداً بعد النكبة!

الخوف من المشهد المنتظر وتلك الأحلام التي بناها في عش الزوجية كانت حاضرة أثناء فتح الباب بعد أن أكل الصدأ جزءاً منه بفعل المياه.

حجم الكارثة داخل أروقة المنزل انعكست على وجه الشاب أبو دان حيث التزم الصمت خلال جولتنا في بيته, في حين علمت "الرسالة" بأن الفرح مر من هنا, فلازالت أحبال الزينة بهيجة اللون معلقة في أعلى سقفه ولم تقطعها تلك السيول بقسوتها.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00