دبي- الرسالة نت – وكالات
قال الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى ، عبد الناصر فروانة إن فلسطين باختلاف مكوناتها ، وشعبها بتعدد شرائحه الاجتماعية وفئاته الطبقية واختلاف فصائله وأطيافه السياسية تفخر اليوم بالأسير الفتحاوي " ثائر حماد " أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية الباسلة ، وأمهر قناصي العالم وبطل عملية " وادي الحرامية " الشهيرة .
وأضاف في بيان صحافي "كيف لا تفخر فلسطين بهذا الثائر وهي التي أنجبته ليثأر لكل فلسطيني ذاق مرارة الاحتلال، ( لا ) بل ليس هنالك من مسلم أو مسيحي أو حتى ثائر أممي واحد على وجه الأرض مخلص للقضية الفلسطينية ويحلم بتحرير مقدساتها من دنس الاحتلال ويعشق المقاومة المسلحة والعمل الفدائي النوعي ، إلا وأحب الثائر فلسطيني الهوية وشمخ به وببراعته وبسالته .
وقال فروانة إن " الثائر " نفذ عملية نادرة هي الأولى من نوعها منذ عقود ، وربما كانت الأخطر خلال انتفاضة الأقصى ، وأنه فيما لو نُظمت مسابقة عالمية " للقنص " واستخدمت فيها بنادق قديمة مشابهة لتلك التي استخدمها " ثائر " ، لحصل فيها على المرتبة الأولى عالمياً ، باعتباره أمهر القناصة وأكثرهم جرأة ، فهو من أصاب برصاصاته ال 26 فقط ، ( 19 ) جندياً ومستعمرا يهوديا منهم ( 11 ) أصيبوا في أماكن قاتلة أدت لوفاتهم ، ولو لم تنفجر البندقية بين يديه لواصل قنصه .
جاءت تصريحات فروانة هذه في الذكرى الثامنة لعملية القناص الأسير " ثائر حماد " في وادي الحرامية في الضفة الغربية والتي قتل فيها ( 11 جندياً ومستوطناً ) وأصاب ( 8 ) آخرين ، بمفرده ومن بندقيته الخاصة قديمة الصنع وذلك بتاريخ 3-3-2002.
وأكد فروانة أن الثالث من آذار ، ربما مر وسيمرّ كيوم عادي في حياة الشعوب عامة ، لكنه ليس عادياً بالنسبة للشعب الفلسطيني عامة ولمن يعشق المقاومة ويناضل ضد الاحتلال والظلم والاضطهاد في بقاع الأرض عامة ، وهو يوم مميز ، أضحى رمزاً للمقاومة الباسلة .
وذكر فروانة بأن الأسير القناص الفتحاوي" ثائر كايد قدورة حماد " ( 30 عاماً ) ومن مواليد 25-7-1980 ، أعزب ويسكن بلدة سلواد قضاء رام الله (مسقط رأس خالد مشعل زعيم حركة "حماس")، شامخ بماضيه وحاضره ، أراد الانتقام من الاحتلال وجرائمه ، فاختط الثورة طريقاً والبندقية وسيلة ، وجرأته وحنكته العسكرية وهدوءه عوامل مساعدة لنجاحه ، واستطاع بمفرده وبهدوء المقاتل الواثق بحتمية الانتصار من تنفيذ عملية " قنص " هي الأخطر خلال انتفاضة الأقصى، متسلحاً ببندقية واحدة من العهد العثماني تعود للحرب العالمية الثانية ، فشكل علامة بارزة في التاريخ الفلسطيني المقاوم.
وفي إحدى رسائله المهربة من السجون والموجهة لوالدة احد الجنود القتلى في العملية يقول الأسير ثائر "نعم لهذا نفذت العملية وليس حبا للقتل، علما ان للقتل والعنف ضرورة فرضها الاحتلال بممارساته ولن أحيد عن هذه الطريق ما دام الاحتلال واقعاً، وبما انك تثقين ان كلماتي ستلقى الصدى لدى شعبي، أقول لهم وللعالم اجمع ان لا تراجع عن حقوقنا ولا انحراف عن طريقنا وان طاولة المفاوضات تتويج للعنف الثوري والمقاومة المسلحة وليس بديلا عنها، فالاحتلال لا يمكنه التسليم بحقوقنا دون ان يدفع ثمن احتلاله باهظا ما يجبره على التسليم بهذه الحقوق، وان كل اشكال الاحتلال والاضطهاد الى زوال وسيعم فجر الحرية والعدالة الاجتماعية والقيم الانسانية".
وفي فقرة ثانية يقول "ان مدرسة التاريخ أثبتت ان الشعب الذي لا يقاوم الاحتلال بكل الوسائل وخاصة المسلحة منها ، لا يمكن ان ينتزع حقوقاً ولكم عبرة في حلفائكم الأميركيين الذين لم يجروا ذيول هزيمتهم من فيتنام وان جيشكم لم ينسحب من لبنان إلا بالمقاومة والبطولات فتعلموا من تجارب التاريخ وارفعوا أيديكم عن أرضنا وشعبنا وهوائنا وإلا فان قتل القتلة واجب علينا التمسك به".
وكشف فروانة بعضاً من فصول العملية قائلاً استيقظ " ثائر " صباح يوم الأحد الثالث من آذار / مارس 2002 ، وتوضأ وأدى صلاة الفجر وتناول نسخة المصحف في جيبه ، وارتدى بزة عسكرية لم يسبق وشوهد يرتديها وتمنطق بأمشاط الرصاص وامتشق بندقيته وتفقد عتاده المكون من 70 رصاصة خاصة بهذا الطراز القديم من البنادق.
وامتطى الفارس " ثائر" صهوة جواده وانطلق به إلى جبل الباطن إلى الغرب من بلدة سلواد ، وتحصن بين الصخور وأشجار الزيتون وصوب بندقيته صوب الحاجز العسكري بجنوده ومكوناته التي تشوه المكان ، فيما يُسمى حاجز " وادي الحرامية " واخذ يراقب ويستعد بانتظار ساعة الصفر .وفي السادسة إلا ربعاً صباحاً ضغط بأصبعه على زناد بندقيته وأطلق الرصاصة الأولى ، واستمر في القنص المحترف وهو يصيب الواحد تلو الآخر من جنود الاحتلال ، ومن ثم ترجل عدد من المستوطنين ، فنالهم ما نال الجنود من رصاص ، ودورية أخرى وصلت للمكان للتبديل ، فأصابها ما أصاب من كان قبلها في المكان ، وفجأة انفجرت بندقيته العزيزة بين يديه وتناثرت أشلاء فأجبر على إنهاء المعركة ، بعد أن أطلق ( 26 ) رصاصة فقط ، استقرت جميعها في أجساد جنود الاحتلال ومستوطنيه وأسفرت عن مقتل 11 جنديا ومستوطنا وإصابة ثمانية آخرين ، حتى ساد الصمت منطقة الحاجز بأكملها وفي الساعة السابعة والنصف قرر الانسحاب عائداً إلى بيته وكأن شيئاً لم يحدث .
وفي أعقاب العملية فرضت قوات الاحتلال طوقاً حول بلدة سلواد ونفذت حملة تمشيط بحثاً عن المنفذين المحتملين ، واعتقل مئات الشبان والرجال ومن ضمنهم " ثائر " والذي أفرج عنه بعد ثلاثة أيام ، ربما لم يدر في خلد المحققين ان هذا الشاب الهادئ ابن الثانية والعشرين هو منفذ العملية ، حيث إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كانت توقعت في حينها بأن رجلاً عجوزاً هو منفذ العملية .
وبعد ( 31 شهراً ) داهمت قوات الاحتلال منزله واعتقلته فجر يوم 2-10-2004 ، ليبدأ مشواراً جديداً خلف القضبان ، متنقلاً ما بين السجون مع إخوانه ورفاقه الأبطال الذين افتخروا به وتغنوا باسمه قبل أن يعرفوه ، ورحبوا به وأعربوا له عن سعادتهم بوجوده بينهم وبما قام به من عمل نوعي غير مسبوق في عمليات القنص والمقاومة .
ومن ثم بدأت رحلته مع المحكمة العسكرية في عوفر جنوب غرب رام الله التي عقدت للنظر في القضية ولائحة الاتهام ضده أكثر من ثلاثين جلسة ، انتهت في 29 أكتوبر عام 2006 الى اصدار حكم بالسجن المؤبد 11 مرة ، بالإضافة لعشرات السنين وهو يقبع الآن في سجن "ريمون" المجاور لسجن نفحة في صحراء النقب.
نقلا عن صحيفة الرياض السعودية