أيقظ رئيس الوزراء في غزة إسماعيل هنية بقراراته الأخيرة، المصالحة من غفوة، كانت دخلت فيها، بفعل "الربكة" التي أحدثتها الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي في المنطقة، وما أفضى عنها من "اتفاق إطار" تجري المباحثات عليه بين السلطة وإسرائيل، وكذلك الحصار، والتوتر الجاري بمصر.
هنية كان أطلق على 2014 "عام المصالحة"، وأصدر قرارا بالإفراج عن معتقلين متهمين بقضايا أمنية ذات علاقة سياسية في غزة، وكذلك السماح بعودة كوادر فتح الذين خرجوا عقب أحداث 2007.
وراحت حماس بعدها تنتظر إشارات تصالحية من حركة فتح، التي تبنت موقف "التأني في الرد"، وإن كانت أصدرت تصريحات من مسؤولين فتحاوين، بين ترحيب وتشكيك.
تلك المبادرة من طرف حماس، أعادت الجدل لدى الشارع الفلسطيني حول نوايا الطرفين المتخاصمين هذه المرة للوحدة، بعد سيْل الأمنيات والوعود التي سبق أن أطلقاها على مدار عمر الانقسام.
اختراق في المصالحة
وفي محاولة لفهم ما يجري من تطورات، استضافت مؤسسة الرسالة للإعلام، الثلاثاء، ضمن برنامجها الدوري "تحت مجهر الرسالة"، الدكتور صلاح البردويل القيادي في حماس والنائب عنها في المجلس التشريعي، وأشرف جمعة النائب عن حركة فتح، والمحلل السياسي طلال عوكل، بحضور ومشاركة صحفيي المؤسسة.
البردويل جدد في بداية حديثه، التأكيد على أن المصالحة بالنسبة لحماس "هدف استراتيجي". وبين أن تفعيل المصالحة "لم يبدأ بخطاب هنية، إنما منذ أن وضعت حماس استراتيجيتها لأربع سنوات مقبلة"، وفق قوله.
وأضاف: "كان أحد أهم أولويات المكتب السياسي الجديد للحركة، إحداث اختراق في المصالحة، وتجربة الحوارات مع فتح طويلة جدا وأحدثنا فيها اختراقات"، مستدركا: "لكن عند التطبيق كنّا نصطدم بإشكاليات أكبر من الشعب الفلسطيني".
واعتبر البردويل، المفاوضات التي تجريها السلطة الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي، سببا من أسباب الأزمة التي يمر بها الشعب؛ نظرا لوجود اختلاف عليها. وقال "لا نعتقد أن هناك مشروعا سياسيا ناجحا في الأفق، ولا أرى أن اختراقا كبيرا سيحدث في المفاوضات".
وشدد على أن حماس متجهة صوب المصالحة "من باب تخفيف أزمة الشعب".
أما النائب الفتحاوي جمعة فقال "إن فتح واضحة في موضوع المصالحة، وهو مطلبنا، ونحن أكثر وأشد رغبة نحو تحقيقها".
واعتبر الاعتقالات الأمنية "قضايا إجرائية يجب حلّها"، غير أنه تمنى لو قوبلت مبادرة حماس في الإفراج عن معتقلين، بمثلها في الضفة. وأضاف: "كان على إخواننا بالسلطة هناك، إجراء مبادرة مثيلة، مقابل الذي حصل في غزة".
وأوضح جمعة أن "المصالحة لو تمت، فإننا سندخل في خضم ثلاثة أمور مهمة"، أولها المفاوضات، ثم الراعي المصري، وثالثها، شبكة الأمان المالية العربية.
وبشأن المفاوضات، خاطب النائب عن فتح، حركة حماس، قائلًا: "لا تعيقوا عملية المفاوضات بالكلام والإعلام، وإن تم التنازل عن أي ثابت، فنحن معكم".
أما بشأن الراعي المصري، فشدد جمعة على أن فتح متمسكة بالقاهرة حاضنة للحوار. وقال "بدون مصر راعي للمصالحة، فلن تكون هناك مصالحة"، وفق تعبيره.
وحول شبكة الأمان العربية، أكد جمعة ضرورة وجود دعم مالي؛ لمواجهة العجز الذي سيظهر بعد إنهاء الانقسام.
واختتم النائب الفتحاوي حديثه بأهمية المصالحة والوحدة مع حماس. وقال: "كما حماس بحاجة لنا، نحن أيضا بحاجة لها".
الشعب يتأذى
ورأى المحلل السياسي طلال عوكل، بدوره، أن المصارحة والمكاشفة فيما يتعلق بالمصالحة، واحدة من الفضائل الغائبة عن الساحة السياسية الفلسطينية.
وأشار إلى أن شدة الأزمة عند الطرفين –حماس وفتح- هي التي تدفعهما إلى المصالحة. وقال: "حماس في أزمة وفتح كذلك، وعندما يتأذى واحد منهما، فإن شريحة كبيرة من الشعب ستتأذى على الإثر".
وأكد أن الأهم هو البحث عن "إطار ننظم فيه تنافسنا السياسي"، مستدركا: "كل واحد يريد وحدة وفق برنامجه السياسي".
وأوضح أن "الإرادة اليوم متوفرة تحت بند الضرورة"، مشددا على أن "المصالحة ستتم في كل الحالات".
وتابع: "نحن أقرب ما يكون إلى موضوع إمكانية تحقيق الوحدة، ومن المهم أن تلتقي حركتا فتح وحماس في عملية مصالحة، فالمفاوضات تتطلب عامل قوة، وإذا فشلت فإنها بحاجة إلى قتال".
وانتهى اللقاء بالتأكيد على أن "المصالحة أولوية بالنسبة للجميع"، وأظهر الضيفان القياديان حرص حركتيهما على تحقيقها.