تأوه وجعا من آلام بطنه، وتأوه مرارا بطلب من طبيب الطوارئ لتصل مسامعه عبر سماعته الطبية، وانتهى الأمر بابتسامة من ملاك الرحمة وقرص مسكن أودى بحياته بعد ثلاثة أيام من الآه.
المريض (ماهر. ت، 33 عاما) بات راحلا مرحوما بإذنه تعالى بعد تردده ثلاثة أيام على مستشفى حكومي جنوبي القطاع شاكيا من مغص في بطنه شُخص على أنه تقلصات ستزول بحبة مسكن!
تقطعت آمال ذويه في اليوم الرابع بنجاته من الموت، كما تقطعت أحشاؤه بسبب تشخيص طبي غير صحيح، فتبين بعد عملية استكشافية وجود صديد وعفن داخلي وانفجار في الزائدة الدودية ما أدى إلى حالة تسمم لفظ إثرها أنفاسه الأخيرة في اليوم الذي نقل فيه إلى الأراضي المحتلة للعلاج!
ماهر نموذج بسيط عن تشخيص طبي سريع وغير دقيق ينتج عنه عادة وجع يتفاقم، أو روح تزهق، وفي أضعف الإيمان أزمات نفسية.
بعد نبش "الرسالة نت" تلك النماذج كانت أبرز أسباب التشخيص غير السليم في المستشفيات امتصاص طاقة طلبة البورد الفلسطيني ما ينعكس سلبيا على أدائهم، أو اعتماد بعض هؤلاء على التخمينات.
وفق إفادة الأهل والتقارير الطبية أكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي كان يتابع الحالة السابقة أنه خطأ طبي جسيم نتج عن أن الطبيب لم يتبع الأصول المهنية للتشخيص، علما أن المريض توجه إلى المستشفى أكثر من مرة ولم يعط سوى المسكنات.
وطبقا لعائلة الضحية فإنه كان يعاني مشكلات صحية في البطن توجه إثرها إلى مستشفى أبو يوسف النجار وغزة الأوروبي، وأعطي هناك مسكنات ثم عاد إلى منزله نهاية سبتمبر 2012.
"مركز حقوقي: استقبلنا خمسة ملفات "إهمال طبي" خلال 2013
"
بعد حوالي أربعة أيام اشتد الألم وارتفعت حرارته، ودخل قسم طوارئ الباطنة في مستشفى غزة الأوروبي، وجرت له عملية استكشافية، ثم حولوه إلى مستشفى الميزان في الخليل (13/9/2012) وهو في حالة غيبوبة، ومع وصوله هناك أعلنوا عن وفاته.
نهاية العام الماضي، وصل إلى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان رد سلبي من وزارة الصحة بخصوص شكوى الضحية ماهر في تاريخ 24/12/2013، وجاء في رد الوزارة أنه شكلت لجنة للتحقيق تضم فريقا طبيا، "وتبين أن وفاته لم تكن ناتجة عن إهمال طبي أو خطأ في التشخيص".
"الرسالة" فتحت عين الدهشة بعد المقارنة بين تقرير المركز ورد الوزارة، علما أن الأخير جاء بعد عام من كتاب المركز الذي طالب بفتح تحقيق في الحادثة.
وتؤكد الدراسات العلمية أن التشخيص غير الصحيح للأمراض أو الغفلة عن تشخيص المرض أساسا هما من بين أكثر أنواع "سوء الممارسة" في العمل الطبي تأثيرا، وذلك من ناحية الإرهاق بشأن التكاليف المالية المتعلقة بالتعويضات الطبية وما يضاف إليها من التبعات والعواقب الصحية والاجتماعية الأخرى المتعلقة بتدهور أو تهديد سلامة حياة المرضى.
تقارير مفقودة!
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كان نموذجا عن مراكز حقوق الإنسان التي تصلها شكاوى فيما يخص أخطاء التشخيص الطبي، لذلك تواصلنا مع المحامية أحلام الأقرع من الدائرة القانونية في المركز التي علقت على رد وزارة الصحة المتأخر بالقول: "حتى لو اتسمت ردود الصحة بالسلبية فإننا لا نتوقف عن مراسلتها من باب التنبيه ودق ناقوس الخطر بشأن وجود أخطاء في التشخيص الطبي من أجل اتباع الأصول المهنية السليمة".
وذكرت الأقرع أن المركز يقدم مساعدة قانونية إلى ضحايا الانتهاكات، لافتة إلى أن التشخيص الطبي من ضمن الملفات التي تعنى بها الدائرة القانونية.
"الصحة: بعض حالات "خطأ التشخيص" تحدث لكن لا تسجل على الأداء العام
"
وكشفت المحامية عن أن الدائرة القانونية تابعت خلال عام 2013 خمسة ملفات خاصة بالإهمال الطبي تشمل التشخيص الخطأ، لافتة إلى أن عددا كبيرا من الحالات لا تصل إليهم.
هنا يكمن التساؤل: إذا كان المركز الفلسطيني وحده قد وصل إلى دائرته القانونية خمسة ملفات في العام الماضي، فكم عدد الحالات التي وصلت المراكز الحقوقية الأخرى؟!
الأقرع قالت: "هناك حالات تلجأ إلى المركز تحت دعوى الإهمال الطبي"، وتابعت: "طبيعة عملنا -المحامين- والعلاقة التي تربط الإهمال الطبي بعملنا وفق القانون أساسها الخطأ والضرر، والعلاقة السببية، والحكم في ذلك كله يرجع إلى التقارير الطبية التي تثبت الإهمال الطبي أو تنفيه".
خلال عملها في الدائرة أكدت الأقرع أن التقارير الطبية هي أهم العقبات التي تواجه عمل الدائرة القانونية فيما يخص أخطاء التشخيص الطبي، منوهة إلى صعوبة إيجاد تقرير طبي يؤكد أن النتيجة التي توصل إليها المريض كنتيجة العجز أو المرض أو الوفاة سببها تشخيص غير سليم.
التقارير الطبية التي تثبت هذا النوع من التشخيص تكون مفقودة وفق الأقرع، ما دفعنا إلى السؤال عن سبب ذلك.
في السياق، فإنها رجحت أن يكون السبب أنه من الصعب على الطبيب الكتابة في التقرير أن الحالة توفيت نتيجة إهمال طبي أو تشخيص الحالة من زميله بطريقة غير صحيحة، مبينة أن العلاقات الشخصية قد تحكم ذلك.
وللتعرف على الإجراءات التي تتبعها مراكز حقوق الإنسان بعد المطالبة بفتح ملف تحقيق، فإن المحامية بينت أنه يجري إبلاغ أهالي الضحية برد الوزارة، "ثم يتوقف الأمر على رغبتهم في التوجه إلى المحكمة لرفع شكوى إهمال طبي"، مشيرة في حديثها إلى أن المحكمة هي الفيصل بشأن المطالبة بالتعويض.
"عميد الطب: هناك ضعف في الكادر الطبي.. ونسعى إلى الارتقاء به
"
حالة استغراب عشناها أثناء اطلاعنا على بعض الملفات في مكتبة الدائرة القانونية المتعلقة بالتشخيص غير السليم وتمثل نسبة من إجمالي النسب التي تتوافد إلى مراكز حقوق الإنسان وغيرها ممن تمتنع عائلاتهم عن تقديم الشكاوى لتجنب المشكلات.
ما زاد الاستغراب استحضار حديث العلاقات العامة في وزارة الصحة التي أكدت أنه لا وجود لأخطاء في التشخيص الطبي في مستشفيات القطاع!
أما عن أكثر أنواع التشخيص الطبي غير الصحيح التي وصلت الدائرة القانونية، فذكرت المحامية أنها متنوعة ما بين الأمراض الباطنية والصدرية والنساء والولادة، منوهة إلى أنها لا تقتصر على حالة معينة.
ووجهت الأقرع رسالة إلى المواطنين مفادها ألا يتقاعسوا عن تقديم شكاوى تخص الإهمال الطبي بكل أنواعه ومنها التشخيص الخطأ، منوهة إلى أن المركز سيتحدث بلسان حال الضحية للتنبيه.
صدمة بين الالتهاب والسرطان!
ليس الأمر هينا ولاسيما حين يتناول المريض طوال عام كامل علاجا خاصا بالتهاب الغدد وبعد ذلك يتبين أنه مصاب بالسرطان لا الالتهاب!
"الحاجة الستينية (س.س)" عاشت عاما بأكمله وذاك الخبيث ينهش جسدها تدريجيا، فتفاقمت المشكلة وتفشّى المرض نتيجة تشخيص غير دقيق بعد تحليل طبي في أحد مراكز العلاج الأولية التابعة لوزارة الصحة في حي الزيتون.
شُخصت حالة "الحاجة" على أنها مجرد التهابات في الغدد علاجها مضاد حيوي ومرهم سيفيان بالغرض، لكن (س.س) أكدت أنها بدأت تشك في التشخيص الطبي بعد شعورها بوجود كتلة صغيرة في صدرها ما دفعها إلى اللجوء إلى عيادة طبيب خاص وإجراء عدة فحوص طبية وإعادتها أكثر من ثلاث مرات إلى أن جاءت الصدمة لها وعائلتها: هي مصابة بسرطان الثدي!
"مختبر طبي: الطبيب هو المسؤول والتحاليل تساعد في تثبيت تشخيصه
"
التشخيص غير الصحيح فاقم المشكلة لدى المريضة، فهي أنهت 4 جلسات علاج كيميائي وتنتظر نتيجته في شهر مارس من العام الحالي، وبناءً عليه قد يأتي خيار الاستئصال.
الأبحاث والدراسات العلمية تشير إلى أن التحاليل المخبرية تؤثر كثيرا على دقة التشخيص الطبي، ما دفعنا إلى التواصل مع مدير مختبر بلسم الطبي في غزة الدكتور محمد أبو ريالة وسؤاله: "إلى أي درجة يتأثر التشخيص الطبي بدقة التحاليل المخبرية ونتائجها؟"، فنبه إلى أن النتائج المخبرية توضح مسار التشخيص الطبي، مشيرا إلى أن كل فحص يؤدي إلى تشخيص معين.
ونوه أبو ريالة إلى وجود بعض المرضى لديهم أكثر من فحص مخبري، لافتا إلى أنه في حال حدث خلل في أحدها سيؤثر على الفحوص الأخرى ما يؤدي إلى خلل في التشخيص ونوع العلاج.
فيما يخص النسبة التي يعتمد فيها التشخيص الطبي على التحاليل المخبرية وصور الأشعة، ذكر مدير المختبر أن الطبيب هو المسؤول عن التشخيص، مؤكدا أن التحاليل وصور الأشعة أمور مساعدة في تثبيت تشخيصه.
وقال: "أساس التشخيص هو الطبيب لا التحاليل أو الأشعة (...) ضعف الخبرة الطبية سبب خطير فقد وردنا في بعض الحالات أن يكون للطبيب تشخيص معين في باله وبعد التحليل يتبين العكس لكنه يصر على تشخيصه".
وكشف أبو ريالة أنه تردهم بعض الحالات قد يطلب الطبيب فيها من المريض فحصا لا يلائم شكواه المرضية، منوها إلى أنهم في المختبر لا يشخصون الحالة بل ينفذون ما يطلبه الطبيب من فحوص.
خلال حديثنا لـ"أبو ريالة" تبين أنه وردته بعض الحالات التي تكون شكوى المريض في جهة والفحص الذي طلبه الطبيب في جهة أخرى، ما دفعنا إلى تخيل مصير ذلك المريض وقدره المحتوم بعد انحراف التشخيص الطبي عن مساره.
الطبيب المخبري أكد وجود بعض الحالات التي قد تتفاقم مشكلتها الصحية بسبب تشخيص طبي غير صحيح كتلك التي وردت إليه وكانت تعاني السرطان لكن المرض شُخص على أنه مشكلة بسيطة في الأمعاء.
أما عن بعض المشكلات التي تواجه أصحاب المختبرات الخاصة وقد تساهم في أخطاء التشخيص الطبي، فأوضح أبو ريالة أن المختبرات الصغيرة أو التابعة لجمعيات معينة قد تلجأ إلى بعض المراكز المخبرية الكبيرة لتحليل عينة، ما يؤدي إلى خلل في إرسال العينة المطلوبة، مبينا أن إعطاء المريض معلومات غير صحيحة أو غير كافية للمخبري يؤدي أيضا إلى اختلاف في النتيجة يؤثر على التشخيص.
ووفق الطبيب المخبري فإن هناك بعض الشركات تقدم إلى المختبرات أدوات ومواد رخيصة الثمن تكون كفاءتها منخفضة، "وقد تعطي نتائج مخبرية غير صحيحة"، مؤكدا ضرورة حرص المختبر على أن تكون نتائجه دقيقة.
"البورد" والكادر!
من بين أنّات المرضى في أقسام مستشفيات القطاع كشف مصدر خاص لـ"الرسالة" أن أحد أهم أسباب الخطأ في التشخيص الطبي ساعات العمل المتواصلة لطلبة "البورد" الفلسطيني التي قد تصل إلى 36 ساعة عمل تشمل مذاكرة للامتحانات واستقبالا للحالات المرضية.
وأكد استغلال الطلبة خلال مناوبات الليل والنهار ما ينعكس سلبيا على أدائهم وتشخيصهم الحالات المرضية خاصة في أقسام الطوارئ التابعة للمستشفيات الحكومية.
توجهنا إلى كلية الطب التي تشبع الطلبة فيها خلال سنوات دراستهم أساليب التعرف على مخاطر التشخيص الطبي غير الصحيح.
الدكتور عمر فروانة عميد كلية الطب في الجامعة الإسلامية أكد لـ"الرسالة نت" أن أهم عمل للطبيب هو تشخيص الحالة المرضية لما يترتب عليه من علاج آمن، موضحا أنه لا توجد مشكلة كبيرة في التشخيص الطبي في القطاع، "لكن المشكلة قد تكمن في طبيعة بعض العمليات الخطيرة وهي مسجلة في العالم على أن فيها نسبة مخاطرة معينة".
"مصدر خاص: استغلال طلبة "البورد" خلال المناوبات سلبيٌ على التشخيص
"
لم ينكر فروانة وجود ضعف في الكادر الطبي، وقال: "هناك ضعف في الكادر لكننا في الجامعة نرسل مجموعة كبيرة إلى الخارج كمنحة قطر لأخذ البورد في مؤسسة حمد ونعد الامتحانات وامتحانات الأزمة ونسعى إلى استثمار الكادر الطبي"، وأضاف: "إذا أعطيت غزة الفرصة الكافية دون عدوان وحروب فإنها خلال عشر سنوات ستوفر السياحة الطبية المتقدمة".
وتابع: "ابتلينا في مدة ما بأن مستوى دارس الطب هو 50% في الثانوية العامة ما أدى إلى وجود ضعف لكنني لا أظن أنهم من يشخصون الحالات الصعبة في المستشفيات".
فيما يخص قلة الأجهزة والمعدات الخاصة التي تساعد في التشخيص الطبي، فإن عميد كلية الطب أكد وجود أجهزة تشخيصية أكثر من حاجة القطاع، منوها إلى ضرورة الارتقاء بمستوى الكادر الطبي لتجنب السبب الأكبر في أخطاء التشخيص.
أمومة مسلوبة!
دموعها لم تكف عن التعبير عن ذلك الوجع الذي سكن قلبها وزوجها بعد علمها أنها لن تصبح أمّا مرة أخرى بسبب تشخيص طبي غير دقيق لحالتها بعد نزيف ألم بها عقب الولادة أدى إلى استئصال الرحم!
العشرينية ندى -اسم مستعار- من مخيم دير البلح لجأت وزوجها إلى طبيب خاص إثر تقلصات في الرحم بعد أسبوع من ولادتها طفلتها البكر، وبعد الكشف تبين أن الرحم استؤصل منها بعد الولادة الأولى.
ووفق الطبيب الخاص الذي كشف عن تفاصيل خطأ طبي تستر عليه أطباء في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، فإنه قال: "اكتشف الأطباء أنها تعاني نزيفا في الرحم بعد الولادة، فما كان منهم إلا التشخيص غير الصحيح واستئصال الرحم دون مراجعة مع العلم أن الطبيبين اللذين أشرفا على ولادتها كانا تحت التدريب".
ويؤكد المصدر لـ"الرسالة نت" أن الطبيب المباشر تكتم على الموضوع، "وبعد أسبوع راجعت المريضة لألم تشكوه في المنطقة السفلى فأبلغها الدكتور بالطامة الكبرى لتعود إلى مراجعة المستشفى، فقال الطبيب هناك بكل بساطة: احنا اضطرينا نشيل الرحم.. سامحينا الأطباء كانوا متدربين".
على ما يبدو فإن ندى لن تتمكن من مسامحتهم بعد أن حرمت الأمومة مرة أخرى.
عميد كلية الطب لفت في السياق إلى أن التشخيص في المجال الطبي قائم على الاحتمالات واستبعاد بعضها وتأكيد بعضها الآخر، "فمعظم الأمراض يتداخل بعضها ببعض"، مبينا أن التشخيص الأولي يكون على 6 احتمالات يرجحها الطبيب حتى تنحصر في حالة أو اثنتين، "إلا أن يتم القطع في التشخيص".
أما عن المصاعب التي تعيق تشخيص الحالة المرضية، فأكد فروانة أن الحالات الشهيرة تشخص بسهولة، "في حين أن الحالات النادرة هي التي تدخل الطبيب في مشكلات قد يحتاج من أجل حلها إلى مساعدة حتى يكون التشخيص دقيقا".
مع حديث فروانة استرجعنا قصة الضحية (ماهر. ت) صاحب شكوى الآلام في بطنه، وتساءلنا: "هل كانت حالته معقدة ليكون تشخصيها غير صحيح؟".
وقاية أم نهاية؟
آخر ملف استقبل في الدائرة القانونية للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في شهر سبتمبر من العام الماضي واطلعنا على تفاصيله يعود إلى المواطن (عارف. أ) من مواليد 1970، وقدم المركز شكوى رسمية بشأنه إلى وزير الصحة للمطالبة بالتحقيق في الحادث، وإفادة المركز بالنتائج ومعاقبة مرتكب المخالفة وفق الأصول.
تعود تفاصيل الحادثة إلى بداية 2013 حين كان يعاني المواطن ورما سرطانيا في الصدر وجرى تحويله إلى مستشفى المطلع في القدس ثم تعافى بعد أن استمر علاجه ستة شهور.
عاد (عارف. أ) إلى القطاع حيث حدثت الطامة بعد تشخيص الطبيب الذي أفاد بأنه بحاجة إلى حقن وقائية، ووفق التقرير الطبي في المركز الذي اطلعنا عليه فإنه في شهر يوليو من العام الماضي بمجرد أن أخذ الحقنة الأولى دخل المواطن غيبوبة ثم جرى تحويله إلى مستشفى "اساف" داخل (إسرائيل)، وبعد ذلك بثلاثة أيام أعلن عن وفاته، فكانت الوقاية هي النهاية للضحية عارف!
وفق تقرير المستشفى (الإسرائيلي) فإن الوفاة بسبب الخطأ في حقنة في الأعصاب، وهنا علقت المحامية الأقرع: "هذا ضمن التشخيص غير الصحيح"، مشيرة إلى أن الأهل قدموا شكوى رسمية إلى وزارة الصحة لكن المركز لم يتلق ردا نهائيا حتى الآن.
"وزارة الصحة: يتوافر في القطاع الكادر القادر على تحديد التشخيص والأداة المناسبة لذلك
"
مع توكيل مراكز حقوق الإنسان وتزويدها بالمستندات والتقارير الطبية قدمت شكوى رسمية إلى وزير الصحة للتحقيق ومساءلة مرتكب الحادث وفق الأصول القانونية والطبية لجبر الضرر عن أسرة الضحية.
أما العشريني (ف.ح) فانطوى على نفسه بعقده النفسية التي ترتبت عن تشخيص طبي غير صحيح لحالته ما ولد له صدمة بعد أن فقد عمله في جهاز عسكري لـ"وجود جرثومة في دمه!".
هي حكاية وجع أخرى حصلت عليها "الرسالة نت" من أحد الأطباء النفسيين في مراكز الصحة النفسية بعد أن وفدت إليه الحالة لعلاج حالة الاكتئاب التي لحقت بها بعد الخطأ الطبي.
(ف.ح) عاش لحظات لم يستطع استيعابها وفقد إثرها التركيز نتيجة تحليل أكد إثره الطبيب أنه يعاني جرثومة في الدم وأيامه في الحياة معدودة!
أحد أصدقاء المريض نصحه بزيارة طبيب آخر للتأكد، وبعد محاولات إخراجه من القوقعة التي سكنها في إحدى زوايا بيته، أكد الطبيب الثاني بتحليلاته الدقيقة أنه لا يعاني أي مرض وأنه سليم.
حال (ف.ح) بعد الخطأ الطبي كحال كثيرين من الضحايا لأنه ينتج عن حالات التشخيص غير الصحيح تدهور في حالة المريض الصحية والنفسية.
"الصحة" ترد!
حصولنا على كتاب تسهيل مهمة من وزارة الصحة لمقابلة المدير العام للمستشفيات الدكتور يوسف أبو الريش لم يكن بالسهولة التي توقعناها، فعرضنا عليه ما في جعبتنا من اتهامات موجهة وأنات الضحايا وذويهم للحديث عن الأسباب المؤدية إلى التشخيص غير الدقيق وآليات المعالجة.
أبو الريش أكد خلال حديثه أن وزارة الصحة بإمكاناتها الموجودة على نطاق الأجهزة الطبية مثل الأشعة وأجهزة المختبرات والكادر الموجود تستطيع أن تصل إلى التشخيص الدقيق، مشيرا إلى وجود تشخيصات معينة تحتاج أجهزة غير متوافرة في القطاع كالأمراض المتعلقة بالتمثيل الغذائي عند الأطفال.
لدى عرضنا عليه عددا من حكايات لضحايا قضوا موتا نتيجة لتشخيص غير صحيح، أجاب: "لا أعلم عنها على وجه الخصوص (...) إن كانت هناك مشكلة في التشخيص تشكل مباشرة لجان متخصصة لدراسة هذه الحالة وتفادي تكرار الأخطاء إن وجدت".
وأكد أن ملف التشخيص والأخطاء الطبية من الملفات التي يركز عليها المواطن ووسائل الإعلام، منوها إلى أنها محل اهتمام الوزارة التي "تتعامل مع حياة إنسان يمكن أن تفقد أو تتأثر".
وذكر أبو الريش أن الأخطاء قد تقع "لكن المشكلة في التركيز عليها وجعلها ظاهرة"، مشيرا إلى أن 100 ألف حالة تموت سنويا في أمريكا نتيجة الأخطاء الطبية.
ونبه إلى أن الطبيب لديه وسائل معمول بها عالميا للتشخيص، "وهي الحديث عن التاريخ المرضي ما يجعل الطبيب يتجه في تفكيره نحو مجموعة من الأمراض ثم الكشف السريري وتقليص قائمة الأمراض"، منوهًا إلى أن الطب يعتمد على التخمينات المبنية على العلم.
ووفق أبو الريش فإن هناك جودة في التشخيص الطبي تثبتها الأعداد الكبيرة التي تتوافد إلى المستشفيات، مشيرا إلى أن الأعداد التي تتردد على أقسام الطوارئ خلال العام تصل مليون زيارة، ولكنه لم ينكر وجود بعض حالات الخطأ في التشخيص، وقال: "بعض الحالات تحدث لكن لا يمكننا أن نسجلها على الأداء الطبي في المستشفيات".
استرجعنا في تلك اللحظة حديث العلاقات العامة في وزارة الصحة التي أكدت أنه لا وجود لأخطاء في التشخيص الطبي في مستشفيات القطاع!
هنا، نبه المدير العام للمستشفيات إلى أن المواطن لا يستطيع أن يميز بين خطأ التشخيص الطبي والمضاعفات، موضحا أنه قد يحدث نزيف بعد الولادة فيحتاج الطبيب في بعض الأحيان إلى استئصال الرحم عبر جزء من بروتوكولات العلاج بعد استشارة لجنة متخصصة.
وردا على سؤال حول نقص المعدات اللازمة في التشخيص كأجهزة الأشعة والرنين المغناطيسي والموجات الصوتية والمقطعية، ذكر أنها جزء من الأدوات التي يستخدمها الطبيب للتشخيص، مؤكدا: "لا تحتاج كل حالة هذه الأجهزة لكن توجد أمراض لا يمكن تشخيصها سوى بتلك الأجهزة".
"مختبر: وردتنا بعض الحالات التي تكون فيها شكوى المريض في جهة والفحص الذي يطلبه الطبيب في جهة أخرى
"
"هل هي كافية؟"، أجاب الدكتور أبو الريش: "النسبة الكبرى من الأمراض التي تتردد على أقسام الطوارئ في مستشفيات القطاع يمكن تشخيصها بالإمكانات الموجودة ولكن تبقى هناك مجموعة محدودة من الأمراض التي لا يمكن تشخيصها بالأدوات الموجودة"، جازما بأنه يتوافر في القطاع الكادر القادر على تحديد التشخيص والأداة المناسبة لذلك.
عند سؤاله عن إنهاك طلبة البورد الفلسطيني وتأثير ذلك على التشخيص، قال: "المشكلة تحتاج تضافر الجهود فالمستشفيات تعج بالمرضى"، منبها إلى دور مراكز الرعاية الأولية وإمكاناتها.
ويرى أبو الريش أن تكدس المرضى في مستشفيات القطاع لن يمكن الكادر الطبي الموجود من الوفاء باحتياجات الأعداد الكبيرة، مشددا على أن هذا الكادر كافٍ للتعامل مع أعداد المرضى في مستشفيات القطاع "لكن المشكلة توافد الحالات غير الطارئة التي ترد إلى الطوارئ وتقدر نسبتها بـ80%"، مشيرا إلى أن "الصحة" بصدد تفعيل دور الرعاية الأولية وتوعية المواطن بأنها البوابة الأولى للمرضى حتى يجري التخفيف عن المستشفيات وفرز الحالات المرضية.
أما عن نقص حالات الاستشاريين ونسبة من سيتقاعد منهم، فأجاب: "لا توجد نسبة لدي لكن ليس هناك نقص في عدد الاستشاريين الطبيين"، وتابع: "نطمئن الجمهور إلى وجود جيل آخر يحل محل جيل قدم خدمة ممتازة".
وحول نسبة أخطاء التشخيص الطبي التي رصدتها الوزارة، قال إن هناك نسبة قليلة في الحيز المعقول الذي يتلاءم مع إمكانات قطاع غزة.
أبو الريش نوه بشأن "الرد السلبي من الصحة على تقارير مراكز حقوق الإنسان" إلى أن هذه المراكز ليست جهات فنية، متسائلا: "إذا كان الجانب الفني وأهل الاختصاص ولجان التحقيق قد توصلوا إلى أنه لا يوجد خطأ في التشخيص وفق الأصول الطبية والمهنية بعد لقاء الأهل والطاقم والرجوع إلى الملف، لماذا تصر تلك المراكز على أنه يوجد خطأ؟"، لافتا إلى أن مكتب ديوان الوزير ودائرة الشكاوى يمكن مراجعتهما فيما يخص التأخير.
رغم انتهاء حديث الجهات الطبية مع "الرسالة" فإن تلك الصدور لا تزال تلفظ الآه وجعا، كما لا تزال تلك النفوس مهمومة بعقدها النفسية واضطرابها جراء تشخيص طبي غير صحيح في انتظار ارتقاء الكادر الطبي وجيل استشاري جديد.