في كل مرة يتم الحديث عن تفعيل ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، يطفو على السطح مجددًا عودة السلطة أو استئنافها المفاوضات مع "إسرائيل"، فهل هذا التزامن الغريب بين الملفين "صدفة مقصودة" من السلطة، أم أنها مجرد وسائل ضغط بين الجانبين؟
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لم تألُ جهدًا إلا ودفعته نحو تحقيق المصالحة، فعندما يتم تجميد الملف تعود الحركة مجددًا لمحاولة إنهاء الانقسام ولم الصف الفلسطيني.
رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية أعلن مطلع العام الجديد أن "2014 عام المصالحة الفلسطينية والحفاظ على الثوابت"، وأصدر جملة قرارات لإثبات حسن النية، بالإفراج عن معتلقين من فتح على خلفية قضايا أمنية انتهت ثلثا مدة محكوميتهم، وكذلك السماح بعودة كوادر وقيادات فتح الذين خرجوا من غزة عقب الانقسام عام 2007.
في المقابل، فتح أبدت ردًا إيجابيًا تجاه تلك الدعوة، بيد أنها في الوقت ذاته عادت إلى الحديث عن المفاوضات مع "إسرائيل" وتحديدًا ما يسمى بـ"اتفاق الإطار" الذي يرعاه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وهو ما يتنافى مع الثوابت الفلسطينية ومبادئ حركة حماس الوطنية.
واتفق محللون سياسيون في أحاديث منفصلة لـ"الرسالة نت" حول طبيعة العلاقة بين ملفي المصالحة الفلسطينية والمفاوضات مع "إسرائيل".
المحلل السياسي نعيم بارود يرى أن المصالحة والمفاوضات ملفان متناقضان ومتباعدان، فالسلطة تمد يدا لغزة وأخرى لـ"إسرائيل"، وهذا يدل على أن النوايا غير صادقة من سلطة رام الله.
تناقض "مرفوض"
ووفق بارود, فإن السلطة تعلم أن حماس ترفض المفاوضات، وفي الوقت الذي تمد حماس يدها للمصالحة نجد أن السلطة تلعب على الحبلين، وكأنها تقول لاسرائيل "في الوقت الذي تفشل فيه المفاوضات فإن لدينا بديل، وكذلك نفس الأمر بالنسبة للمصالحة".
ويتفق المحلل السياسي وسام عفيفة مع بارود بالقول: "عباس يستخدم ورقة المصالحة للتلويح بها أمام الاسرائيليين والأمريكان، كي يواجه تعنت الاحتلال، ويبين له بأنه لن يبقي ظهره للحائط فهو يتمسك بالمصالحة كخيار آخر وورقة ضغط "فزاعة" للاسرائيلين والأمريكان".
ويرى عفيفة أن حماس لديها خيار واحد هو المصالحة لكن فتح لديها استحقاقات عدة منها: المصالحة واتفاق الإطار مع "إسرائيل" برعاية ودفع وضغوط أمريكية".
ويوافق بارود عفيفة الرأي، بأن حماس خيارها واحد هو المصالحة ونواياها صادقة في انهاء الانقسام، بيد أن نوايا السلطة غير صادقة وهي بين "الوطن وإسرائيل".
ويضيف بارود "رأي حماس نابع من قادتها وغير مزاجي، أما السلطة فرأيها مضبوط بمجموعة من الضغوط (الاسرائيلية) والأمريكية والعربية ".
ويتابع: "السلطة تتفاوض على أصعدة عدة وعلى أكثر من مسار، وهناك أكثر من لجنة للمفاوضات، وهناك مفاوضات عامة علنية وغيرها خاصة سرية، ولا نعلم على أي مسار منها تفاوض السلطة".
ويرى المحلل السياسي بارود، أن كثرة الآراء والمفاوضين والقادة هي التي جعلت السلطة تتخبط في قراراتها ونتائجها.
ويعتبر المحللان أن ملفي المفاوضات والمصالحة يتناقضان مع بعضهما ومن الصعب أن يسيرا في خط متوازي، مؤكدَيْن أن نجاح أي ملف سيكون على حساب الآخر وهذا ما لا تريده السلطة.
"2014" عام الحسم
ويقول بارود حول ذلك "قبل أسابيع عدة كنت متفائلا إلى حد ما، واليوم أقول أن عام 2014 لن يشهد مصالحة، ففي الوقت الذي بسطت فيه حركة حماس يدها للمصالحة نجد أن السلطة بصقت على هذه الأيادي وصافحت يد كيري لتبقى المفاوضات".
المحلل عفيفة بدوره، يعتبر أن هناك تناقضًا في ظل هذه المعادلة، قائلًا: "لا يمكن أن يسير الاتفاقان بخطين متوازيين أو مع بعضهما، فمن خلال تجربة سابقة وعندما وصل ملف المصالحة بالاتفاق على تشكيل حكومة وطنية، جاء استئناف المفاوضات في 9 شهور ليتم تجميد اتفاق المصالحة طيلة هذه المدة حتى لا تتأثر العملية التفاوضية".
ويوضح عفيفة أن "هناك معادلة غريبة فمن أجل أن ينجح عباس في اتفاق الإطار بحاجة أن يصنع مصالحة مع حماس؛ ليذهب إلى التوقيع ويكون أكثر قوة"؛ لأن "اسرائيل" تعتبر أبو مازن غير شريك ولا يملك سلطة حقيقية لأنه لا يسيطر على غزة.
وحسب عفيفة فإن 2014 "عام الحسم" في كثير من القضايا، وعباس سيجد نفسه أمام استحقاقات كثيرة والتغيرات السياسية لن تعطيه الوقت أكثر من أجل أن يتخذ هامشًا للمناورة.
وأكد المحللان أن الاستحقاق الأبرز والأهم هو اتفاق المصالحة، وأن عباس أمام استحقاق بعد شهر أبريل إما بانهيار المفاوضات ويصبح بلا أي خيارات حقيقية، وقد يؤثر ذلك ايجابيا على المصالحة أو أن يضطر لأن يمدد المهلة لتوقيع اتفاق إطار، ما بدوره أن ينعش اتفاق المصالحة أو يلغيه لسنوات.