غزة ليست متشوّقة لرائحة الأشلاء، فآلامها ملونة وجراحها مملحة من العدو والصديق، وهي على حصارها وضعفها مضطرة إلى نصب الشراع من جديد ومعاودة الدفاع عن نفسها.
لو استمرت حالة الصمت القسري فسيكون الوقت كله لتلقي الضربات. الامتناع عن الرد لا يعني تريّثا إستراتيجيا لتفويت فرصة الانجرار نحو تصعيد أكبر يصل وصف "حرب شاملة".
الاحتلال اغتال قبل يومين ناشطين من حركة الجهاد الإسلامي حملهما مسؤولية إطلاق قذائف صاروخية عقب دفن الإرهابي الكبير "آرئيل شارون".
على موعد واتفاق، فقد جاء تصريح وزير الإرهاب الصهيوني مع رئيس حكومته نتنياهو, "موشي يعالون" الذي قال: "التصفية تأتي في سياق معركة (إسرائيل) الصارمة ضد إطلاق القذائف الصاروخية.. لن نتردد في اتخاذ خطوات رادعة".
"المغاري: عودة الاحتلال إلى سياسة التصفية تأتي ضمن تسخين الأجواء لإرباك حماس والحكومة في غزة.
"
أما رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" فقال خلال مؤتمر مع رئيس الحكومة الكندية الثلاثاء: "إذا نسيت حماس وباقي التنظيمات الدرس ستتعلمه بطريقة قاسية قريبا جدا.. نحبط عمليات حين نرصدها قبل التنفيذ".
حرب نفسية
عهدنا بالحرب النفسية التي يمارسها الاحتلال تسهّل على دقيقي ومتوسطي الملاحظة فهم جملة التصريحات لقادته، أما العموم فيقعون ضحية سياسة التسخين، وإن كانت ساعة الصفر بعيدة عنها بعد المشرق والمغرب.
يقول الخبير الأمني هشام المغاري إن عودة الاحتلال إلى سياسة التصفية الجسدية تأتي ضمن تسخين الأجواء لإرباك حماس والحكومة في غزة، مستبعدا أن تطال قادة بارزين أو حتى وقوع أي حرب في القريب العاجل.
ويضيف: "يريدون زيادة أزمة حماس وحركات المقاومة لكنهم لن يلجؤوا إلى الحرب لأن الوضع العربي في مصر وسوريا ولبنان بمشكلاته يفيد (إسرائيل) التي تحاول اللعب على إرباك المعادلات".
ويعتبر المغاري تصريحات عدة جهات في مصر التي مفادها معاداة حركة حماس والمقاومة في غزة مكسبا كبيرا جدا لـ(إسرائيل) لم تجنه الأخيرة من سنوات طويلة، "وذلك يربك كامل المنطقة والإقليم".
غزة بين نارين
غزة الآن تعيش وحيدة وتقاوم وحيدة ومضطرة إلى الصمود حتى الرمق الأخير لأن سقوطها يعني الإجهاز على النفس الأخير للمقاومة، بهذا الفهم يتحدث كثيرون من المراقبين والمحللين.
يرى المحلل السياسي عبد الستار قاسم أن غزة تقع الآن بين نارين الأولى مصر والثانية (إسرائيل)، مشيرا إلى أن عودة سياسة التصفية الجسدية منسقة ومنهجية بنطاق واسع ضد حركات المقاومة العربية والإسلامية.
ويضيف: "تلك السياسة متبعة في غزة وجنوب لبنان، ويساعد (إسرائيل) فيها جواسيس من العرب هدفهم في غزة القضاء على المقاومة وتغيير المشهد السياسي لتسهيل عملية تصفية القضية الفلسطينية (...) كل المشاريع السياسية المطروحة الآن لا جدوى لها إن بقيت غزة صامدة".
"قاسم : غزة تقع الآن بين نارين الأولى مصر والثانية (إسرائيل)
"
غزة على صغر حجمها ورقعتها الجغرافية تحول وفق تحليل الدكتور قاسم دون تصفية القضية، "لذا من المتوقع أن يعتدوا عليها بصور شتى، فـ(إسرائيل) عادة لا تحتاج المبررات لتمارس الاغتيال إذا كنا نتحدث هنا عن مطلقي الصواريخ".
حول توقيت عودة سياسة الاغتيالات، يقول قاسم: "(إسرائيل) تستغل زحمة الزيارات واللقاءات خاصة ما يرتبط بمهمة جون كيري"، متوقعا أن تتصاعد الاغتيالات وتطال ناشطين آخرين، ومرجحا بقاء الميدان على ما هو عليه "أي المضايقات والحصار دون حرب".
غزة تهاجم
الرؤية التي يحملها العميد متقاعد يوسف شرقاوي تشبه إلى حد كبير إصرار جندي مصاب بجراح خطيرة في إصبعه الضاغط على الزناد وساعده القابض على البندقية، على العودة إلى الخط الأمامي من الجبهة لمساعدة الزملاء.
يقول العميد شرقاوي إن المقاومة الفلسطينية والعربية لم تدخل بعد عصر المقاومة الحقيقي، مطالبا بضرورة رد قوي على اغتيال أي مقاوم أو مواطن فلسطيني.
ويضيف: "بيد المقاومة نوعان من الأسلحة الأول هو القنص ويوقع خسائر بالدم، والثاني استهداف اللحم الحيّ بإطلاق الصواريخ (...) المقاومة مجبرة على ردع (إسرائيل) حتى تعدّ الأخيرة للمليون قبل اغتيال أي فلسطيني".
ويشير شرقاوي إلى أن المقاومة كان من المفترض أن تطلق صاروخا مصوّبا بدقة بعد عملية الاغتيال، "كما إنها مدعوّة لفتح النار من طرفها على (إسرائيل)".
ويتابع: "إذا كان هناك تصعيد بين المقاومة وعلى رأسها حماس و(إسرائيل) فارتفاع وتيرة المقاومة سيخرج حلفاء حماس في مصر من أزمتهم، وإذا فتحت حماس حربا قد تنقذ وضعها (...) المطلوب منها المبادرة بفتح النار وعندئذ سينفجر الشارع المصري وهو يرى (إسرائيل) تقصف وتطلب وقف إطلاق النار".
"العميد شرقاوي: المقاومة الفلسطينية والعربية لم تدخل بعد عصر المقاومة الحقيقي
"
ويرى أن الشارع المصري شارع حيّ يمكن المراهنة عليه، "فهو سيتصدى لأي صوت معارض في تلك اللحظة"، لكن المشكلة وفق تحليله غياب أي مستوى من القيادة المقاومة أو العربية تحسن التقاط اللحظة المناسبة وتغير وجهة السفينة.
ليس شرطا أن تبدأ حماس فتح النار عبر حزمة من الصواريخ المصوّبة كما يؤكد العميد شرقاوي، فهناك خيار آخر مثل تنفيذ عملية نوعية تكبد الخسائر الاحتلال شرط أن تحسن الإعداد ويكون لها حلفاء في المنطقة لدعم موقفها.