على إحدى مفترقات غزة ينتشر مروّجون صغار لكبرى شركات السجائر العالمية, ويضعون بعضاً من علب "سجاير الرويال والمالبورو" داخل صناديق كرتون اهترت بفعل تعرُّق أيديهم.
تلك اللفائف المحشوّة بالتبغ الأصفر تمثل وجبة لا تسمن ولا تغني من جوع لمن لا يجد عملًا في قطاع غزة، لكنه يستطيع من خلالها الحصول على مبلغ يصفه معظمهم بالزهيد لقاء بيعها.
جميل عواد شاب لديه تسعتان من العمر، قطّع ميدان فلسطين (الساحة) جزءًا من قدميه، كونه المكان الذي اعتاد الوقوف فيه، لتصريف بضاعته.
ويبدأ عواد يومه بالبحث بين وجوه الناس عمن يشتري بضاعته، ويقضي معظم وقته يدلل عليها حتى يصرفها عن وجهه، فهي بنظره ثقيلة رغم خفة وزنها ورخص سعرها.
ويقول لـ "الرسالة نت" إن البطالة المنتشرة بين فئة الشباب تحديدًا دفعتهم للعمل في بيع السجائر، مؤكدًا أنه ليس مصدرًا للرزق لكنه مضطر لذلك.
عواد الذي لم يفلح باجتياز امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) أخ لخمسة أولاد، وابن رجل متعطل عن العمل منذ بدء الانتفاضة عام 2000، بعد تعذر وصوله للعمل داخل (إسرائيل).
ويضيف: "ما لقيت شغل غير هيك .. وضع البلد سيء وما في فرص عمل .. أتمنى ان أكمل تعليمي وأحصل على وظيفة محترمة".
ويعمل عواد من الساعة السادسة صباحًا حتى مثلها ليلًا، ثم يعود إلى البيت مع ما تبقى من سجائر وما جمعه من نقود، ويؤكد أن جميعها يصرف على أفراد العائلة.
قصة جميل لم تختلف كثيرا عن اديب الخطاب الذي استدان ثمن صندوق سجائر من أحد جيرانه كي يجد لنفسه عملا في القطاع المحاصر.
واوضح أديب انه استطاع خلال أسبوع أن يجمع مبلغًا أهلّه لأن يكون عصاميًا في تجارة سلعة "الموت البطيء" كما يصفها، متابعا: "سديت الدين.. وصارت المصاري اللي معي تكفي أشتري صناديق دخان".
المبلغ الذي يحصل عليه أديب صاحب السابعة عشرة من عمره، يخصص معظمه لمصروف إخوانه وبيت عائلته، كونه يعيش في أسرة لا تجد معيلًا.
ويضيف: " حاولت أن أبحث قبل البدء ببيع الدخان عن عمل يناسب سني ويحفظني وعائلتي من المشكلات، لكن جميع الأبواب أُقفلت أمامي، ولم أجد نفسي إلا على أحد الأرصفة".
ويؤكد أنه كان يجد عملًا في بعض الأحيان، لكنه لا يتناسب مع سنه من جهة، ومن جهة أخرى لأن المقابل زهيد جدًا أمام ما سيبذله من جهد.
وشهدت الآونة الأخيرة وتحديدًا مع منتصف العام الماضي انتشارًا بصورة ملحوظة لبائعي السجائر بشوارع غزة، معظمهم من الأطفال والشباب.
وكانت الشرطة الفلسطينية قد أصدرت قراراً يحظر بيع السجائر بهذه الطريقة، إلا أنه لم يجد صدى على أرض الواقع بل على العكس تماماً فقد ازداد عدد هؤلاء البائعين بشكل ملحوظ .
ونص قانون مكافحة التدخين في فلسطين رقم 25 الصادر في 2005, على حظره في الأماكن العامة والمدارس, معاقباً من يخالفه بالسجن مدة لا تزيد عن أسبوع, وبغرامة مالية لا تقل عن عشرين دينار, ولا تزيد عن مائة.