هل نكست حماس بندقيتها في وجه محمد دحلان، صاحب القول الشهير في ذروة الصراع ضدها "قناصة مش قناصة خلي حماس تطخني"؟، خصوصا بعدما بدأت تتسرب معلومات عن وجود اتصالات بين الطرفين، والسماح بعودة ثلاث شخصيات مقربة منه إلى غزة، الأمر الذي نفته حماس على لسان نائب رئيس المكتب السياسي موسى ابو مرزوق.
سؤال مهم يطرحه كثيرون ولا سيما خصوم دحلان الذين اصابهم رصاص "فرق الموت" التي شكلها في وقت سابق واشرف على كامل أدائها، لأن القضية بالنسبة لهم (أي الخصوم) ليست مجرد مصالحة تطوي صفحة انقسام أسود ملطخ بالدم.
الخصومة القائمة ضد دحلان ليست محصورة مع حركة "حماس"، بصفته حاول قطع الطريق عليها في مشوار الحكم الذي بدأته يناير 2006 بسياسة "الخمسة بلدي"، ولكن الارث الثقيل لفرق الموت وعناصر جهاز الأمن الوقائي وما اطلق عليها "تنفيذية فتح"، اسهمت في خلق خصومات وعداءات كبيرة له حتى من داخل حركة فتح التي يزعم الانتماء اليها، في وقت صدر فيه قرار فصل تنظيمي وتشكيل محكمة حركية له على خلفية قضايا متعددة.
معادلة صعبة تلك التي قد تزاوج بين خصمين أفسد الدهر ودهما، لأن هذا الرجل "دحلان" خرج من قطاع غزة عبر بوابة الانقسام السياسي، فكيف له أن يعود من بوابة المصالحة؟، خصوصا انه لم يعد له موطئ قدم في الضفة الغربية بعد ان فقد شعبيته وتحالف ضده رجالات السلطة بقيادة محمود عباس (ابو مازن)، وبالتالي فإن غزة -مسقط رأسه- هي البقعة الوحيدة التي يمكنه التعويل عليها لاستعادة مجده المفقود.
يحاول البعض تفسير امكانية تعاطي حماس مع دحلان، بأنه قد يأتي في سياق المناورة ضد "فتح عباس" التي ما تزال تضع العقدة في منشار المصالحة لإرغامها على توقيع الاتفاق، واما ستضطر التعاطي مع هذه الشخصية الأمنية المعروفة بنفوذها على المستوى الدولي والاقليمي على وجه الخصوص (مصر السيسي، الإمارات)، مع العلم أن دحلان قرر نقل اقامته مؤخرا من دبي الى القاهرة، وفق تأكيد مصادر موثوقة.
وقد يكون ما صرح به دحلان عبر صفحته في موقع "فيس بوك" في 31 يوليو 2013، رسالة الى حماس بضرورة التعاطي معه، حين غرد قائلا "لقد أضاعت حماس فرصة الاستعانة بحركة فتح، كي تساهم الأخيرة في صيانة العلاقات مع مصر، على أساس وحدة الموقف الفلسطيني المبني على سياسة النأي بالنفس عن السجالات الداخلية المصرية".
غير أن امكانية التعاطي مع دحلان حتى وان كان سياسيا لصيانة العلاقة مع مصر على سبيل المثال، أمر بالغ الاهمية، لأنه لا يمكن اغفال الخلفية الامنية لهذه الشخصية المثيرة للجدل والتي قدمت بحقها حركة فتح لائحة اتهام خطيرة في اغسطس 2011، من ابرز ما جاء فيها ضلوع "دحلان" في تنفيذ اغتيالات لقيادات فلسطينية سياسية وإعلامية وتجارية عبر استهدافها بعبوات ناسفة، منهم اللواء كمال مدحت وحسين أبو عجوة والمنسق العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون هشام مكي، إضافة إلى اتهامه بتسميم الرئيس الراحل ياسر عرفات.
فضلا عن ذلك، فإنه لا يمكن تجاوز الارث القديم المتعلق باغتيالات "فرقة الموت" التابعة لدحلان، والتي قدرها كل من نبيل طموس، وصفوت رحمي، بالعشرات من بينهم على سبيل المثال لا الحصر، محمد حجازي ومحمد البورنو، والشيخ بسام الفرا، وياسر الغلبان، وعاهد بسيسو. هؤلاء وغيرهم من المواطنين الذين سقطوا ضحايا لدحلان واعوانه، ترى شرائح جماهيرية عريضة أنه لا يمكن لأي اتفاق أن يمر فوق قبورهم.
من بين هؤلاء رجل الأعمال سليمان الفرا، الذي طالب بالقصاص من قتلة ابن اخيه "بسام" الذي ارتقى على يد فرقة الموت في العام 2006، معتبرا أن جريمة القتل كانت "سياسية"، "ويجب الا تسقط بالتقادم وألا تستثنى قضايا الضحايا خلال الاتفاقات السياسية".
الفرا، شدد خلال حديثه لـ"الرسالة"، على ضرورة محاسبة دحلان وفرق الموت وعناصره المنفلتة، وأن يخضعوا جميعهم لمحاكمات لا أن يجري التصالح معهم.
والمتعقب لدور دحلان في الاراضي الفلسطينية يجد أنه، كان اقرب الى ملح الطعام، فلم تكن تكتمل الطبخات الامنية الا به، حيث يرى العديد من الكتاب واصحاب الفكر أن هذه الشخصية كانت لها مصلحة قوية في ابقاء الفلتان الأمني مسيطرا على الاراضي الفلسطينية خصوصا قطاع غزة.
وكتب فهمي هويدي في السادس عشر من مايو 2006، أي بعد نحو اربعة اشهر من تولي حماس زمام الحكم في غزة، معقبا على احداث الفلتان الأمني التي اثارتها "فرق الموت"، أن "دحلان" صاحب المصلحة في جرجرة حماس إلى الاقتتال الداخلي الذي اعتبرته دائما خطاً أحمر، وهو من شأنه تشتيت الحكومة الجديدة -حكومة حماس- وإفقادها السيطرة على الموقف، لإشهار فشل تجربتها.
وقد بث وقتئذ تسجيل صوتي لـ"دحلان" يحدث فيه مجموعة من رجاله عن سياسته في التعامل مع حماس بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية بأغلبية، قال فيه "انا حستلمهم خمسة بلدي من هان لأربع سنين، الا إذا وافقوا على المشروع السياسي".
وحتى بعد الحسم العسكري الذي نفذته حماس في قطاع غزة يونيو/ حزيران 2007، وهروب دحلان وزمرته من القطاع، لم تسلم الحركة من معاونيه الذين حاولوا اثارة الفلتان وزرع الفتن، بالإضافة الى عناصره التي عملت من خارج غزة، حتى بعد توليه منصب المستشار الأمني لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.
وفي زمن الرئيس المصري محمد مرسي، وتحديدا في مايو 2013 اتهم الدكتور عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، دحلان بزرع عناصر في سيناء لزعزعة الأمن فيها، بتمويل من دولة الإمارات، في اطار الحرب على الاخوان المسلمين.
كل ذلك يعطي مؤشرا كبيرا، على أن امكانية التقارب بين دحلان وحماس أمر سيبقى محفوفا بالحذر، لأنه أولا: يباعد بين حماس وابو مازن وفريقه، على اعتبار ان كافة الوساطات بين رئيس السلطة ودحلان باءت بالفشل وان صدور قرار فصله من فتح لا يمكن العودة عنه.
وثانيا، فإن التقارب مع شخصية مثيرة للجدل بحكم خلفيتها الأمنية وتعدد خصومها على الساحة الفلسطينية، لن يزيد الساحة الا مزيدا من التوتر. وثالثا، التوافق مع دحلان يعني اطلاق يد عناصره في غزة بالعمل، وهذا سيخلق مشاحنة بين فريقي دحلان وابو مازن ولن يفضي الا الى زعزعة الامن والاستقرار ويعزز فرص عودة الصراعات التنظيمية داخل فتح والتي كان اخرها، تهديد عناصر دحلان بقتل نبيل شعث خلال زيارته الى غزة قبل أيام، وهو ما دفع الأخير لمطالبة حماس بحمايته وكان قد غادر القطاع قبل يوم من الموعد المحدد لانتهاء الزيارة التي كان الغاية منه بحث سبل المصالحة.
إذا، ستكون حماس وفق رؤى المراقبين امام تحد كبير، ولذلك يجب أن تخضع رؤى التقارب مع دحلان الى دراسة حكيمة تولي المصلحة العامة على طوق النجاة، إذا ما كان يُرى في هذه الشخصية بأنها قشة للخروج من مربع العداء مع مصر.