لا تنفي العروض العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة حقيقة اعتمادها على تهريب السلاح من الخارج بجانب "التسليح الذاتي" ، فالعتاد العسكري الذي حملته سواعد المقاومين وأكتافهم وساروا به في شوارع القطاع يؤكد حقيقة ذلك، فضلا عما تبقى في جعبتها وتحتفظ به "للزمان والمكان المناسبين"، كما تُردد في خطابها.
الناظر إلى المنظومة العسكرية في غزة يجزم بأن قيادة المقاومة تقرأ باستمرار الأطروحة العسكرية الصينية "فن الحرب" للكاتب "صن تزو" بفصولها الثلاثة عشر، فيما يتعلق بالتكتيكات الدفاعية وانتهاز الفرص وكذلك التعزيزات العسكرية ، ووضع غزة يفرض على المقاومة فيها أن تنظر للخارج بشأن تسليحها، وأن تفتح "قنوات تهريب" تكتب لها ديمومة العمل.
(إسرائيل) وضعت يدها بالأمس على قناة من قنوات التهريب تلك، عندما سيطرت على السفينة "كلوز سي" فجر الأربعاء الماضي، التي تعددت الروايات بشأنها، وقيل إنها كانت في طريقها إلى السودان ومنها لسيناء ثم غزة.
"موسوي: من الرسائل دعم توجهات إقليمية لزيادة الحصار
"
وادعت (تل أبيب) أن السفينة كانت محملة بصواريخ متطورة من نوع "إم 302" سورية الصنع، يمكن أن تضرب أي مكان في (إسرائيل).
وليس خفيا اعتماد المقاومة الفلسطينية وحماس بالأخص على السلاح الإيراني، فسبق أن أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة أن "السلاح الذي قاتلت به المقاومة في عدوان 2012 كان نوعان: محلي مثل صاروخ M75، وآخر من إيران وغيرها"، وفق قوله.
تبرير الحصار
(إسرائيل) اتهمت إيران بالتمويل والتخطيط للعملية، وقال رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء أفيف كوخافي "إن بلاده تملك أدلة تشير بشكل قاطع إلى وقوف الحرس الثوري الإيراني أو بالأحرى قوة القدس التابعة له وراء عملية تهريب الأسلحة على ظهر السفينة".
طهران نفت الاتهامات الإسرائيلية، وهاجم وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بشدة ادعاءات (إسرائيل) معتبرا إياها "كذبة"، ولم ترد أي تعليقات من السلطات السورية على اعتبار أن الصواريخ سورية الصنع. أما إسلام شهوان المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة، فاعتبر أن الحادث "لتبرير الحصار (الإسرائيلي)".
مراقبون رأوا أن الحادث -ضبط السفينة- في هذا التوقيت يحمل رسائل واحتمالات، لغزة الحظ الأوفر منها، فضلا عن رسائل دولية تتعلق بإيران والمنطقة.
"سويد: التاريخ يصحح نفسه وعلى حماس ضبط النفس
"
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية الإيراني أمير موسوي، قرأ ست رسائل للحادث، ثلاث تتعلق بإيران ومثلها لغزة، رغم رفضه الرواية (الإسرائيلية) بشأن السفينة.
وفيما يتعلق بإيران، قال موسوي لـ"الرسالة" من طهران، إن تزامن الحادث مع مؤتمر أيباك (لجنة الشؤون العامة الأمريكية (الإسرائيلية) يدل على حراكٍ لتجييش الرأي العالمي ضد الجمهورية الإيرانية والتأكيد على مفهوم "إيران فوبيا".
و(أيباك) منظمة صهيونية تأسست سنة 1953م وتعتبر أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، هدفها تحقيق الدعم الأمريكي لـ(إسرائيل) والدفاع عنها من "أخطار الغد"، كما تقول.
والرسالتان الثانية والثالثة للحادث من وجهة نظر موسوي، فهي سعي (إسرائيل) لضرب أي تفاهم بين إيران والغرب، وكذلك التشويش على زيارة كاثرين آشتون إلى طهران، السبت الماضي، "التي تعطي نوعا من الانتصار الدبلوماسي للرئيس روحاني"، على حد قوله.
وحدث سريعا ما توقعه موسوي، عندما طالب رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، آشتون في مستهل الجلسة الأسبوعية لحكومته بأن تسأل إيران عن سفينة الأسلحة، وخاطبها قائلا: أود أن أسألها: هل سألت مضيفيها الإيرانيين عن شحنة الأسلحة التي أرسلوها إلى المنظمات الإرهابية؟"!.
رسائل غزة
أما الرسائل الثلاث الخاصة بغزة، فكان أولها برأي الخبير الإيراني موسوي ، تخويف من يدعمها والمقاومة فيها. وقال: "يُراد من خلال الادعاء (الإسرائيلي) دعم توجهات إقليمية في المنطقة لزيادة الحصار على غزة، وهذا سيفشل"، مستدركا: "المقاومة الفلسطينية اليوم استطاعت أن تؤهل نفسها وأن تنتج ما يمكّنها مقارعة أي اعتداء محتمل ضدها من الاحتلال (الإسرائيلي).
وثاني الرسائل وفق الخبير الإيراني، سعي (إسرائيل) إلى إيجاد نوع من البرودة في التعاون بين المقاومة بغزة وإيران، "من خلال اتجاه كل طرف إلى تبرئة نفسه من الحادث، وهذا ما لا تستطيع الإدارة الصهيونية أن تصل إليه لأن هناك مبدأ بين المقاومين في المنطقة"، وفق قوله.
وآخر ما تحمله "كلوز سي" لغزة برأي موسوي، هو محاولة التأثير على القمة العربية في الكويت التي ستعقد الشهر الجاري في دورتها الخامسة والعشرين، "بألا يتعاطف المجتمعون فيها مع المحاصرين وألا يطالبوا (إسرائيل) برفع الحصار عن قطاع غزة"، وأيضا إحداث توتر بين المقاومة وجيرانها.
"خبير إيراني: قدرة المقاومة بغزة على عبور المرحلة مرهونة بعودة قيادتها لاتفاقيات الماضية مع إيران
"
الخبير الإيراني لم يذكر في قراءته لرسائل السفينة "كلوز سي" احتمالية أن تستغل (إسرائيل) الحادث لتوجيه ضربة لغزة، لكن اللواء الركن المتقاعد ياسين سويد توقع ذلك خلال حديثه مع "الرسالة" من بيروت.
وقال: "وارد أن تستغل (إسرائيل) انشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية لتوجيه ضربة لغزة". ورأى أن الهدف الرئيسي لحادث السفينة هو ألا يكون للمقاومة في غزة أي قدرة على مواجهة (إسرائيل).
ونصح اللواء سويد حركة حماس بالتهدئة وضبط النفس، ومضى يقول: "التاريخ يصحح نفسه (..) لن تبقى (إسرائيل) بهذه القوة".
موسوي عاد وأبدى ثقته في قدرة المقاومة بغزة على عبور المرحلة، وعند سؤالنا له عن شكل العبور صارحنا قائلا: "يكون ذلك بعودة قيادة المقاومة إلى الاتفاقيات الماضية مع إيران"، مستطردا: "أتمنى على قيادة المقاومة في غزة أن تعيد حساباتها مرة أخرى وأن ترجع إلى الاتفاقات الماضية، لأن التجربة أثبتت ألا بديل للمقاومة الفلسطينية ولا ظهر أقوى لها بعد الله عزوجل من حزب الله وإيران (..) أتمنى أن تُزال السحابة التي مرت على العلاقات بين قوى المقاومة في المنطقة"!
تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين إيران وحماس كانت قد انحسرت إلى أدنى مستوياتها عقب اندلاع الأزمة السورية ومغادرة قيادة حماس لدمشق علنا، وأيضا مغادرة ممثلها للعاصمة طهران، فيما بقيت الاتصالات على مستوى العلاقات الشخصية بين الجانبين، ويدور الحديث عن إعادة إحياء العلاقات دون إعلان رسمي بذلك.