ذاك "الانتصار السياسي" كما وصفوه دفعهم للوقوف اعجابا والتصفيق بحرارة دعما للتوقيع الذي وضعه رئيس السلطة محمود عباس على أوراق خمس عشرة معاهدة واتفاقية دولية, فأعضاء اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة "فتح" رغم حماسهم للخطوة التي جاءت أمام كاميرات التلفاز فانهم يدركون أكثر من غيرهم انها ليست تغييرا في سياسة رئيسهم او تكتيكا جديد ينتهجه, ولا تخرج عن اطار المناورة.
الخطوة الغاضبة التي اقدم عليها عباس بعد يوم واحد فقط من انتهاء مهلة المفاوضات المحددة بتسعة اشهر, والتي فشلت جهود وزير الخارجية الاميركي جون كيري حتى الان في تمديدها لا تعني قلب طاولة التفاوض كما قد يراها البعض، بقدر ما تعكس التشبث بهذه الطاولة والرغبة في استمرار المحادثات لكن ليس دون ثمن.
الثمن لرفع الحرج
الثمن الذي رفضت (إسرائيل) دفعه من خلال الافراج عن الدفعة الرابعة للأسرى الانجاز الوحيد الذي حققه عباس خلال التسعة اشهر وضعه في موقف حرج للغاية خاصة ان (إسرائيل) ربطت الافراج عنهم بتقدم عملية المفاوضات.
"خطوة الانضمام للمنظمات الدولية التي استخدمتها السلطة كثيرا ورقة ضغط تحت الطلب قابلها الكيان بالمزيد من التعنت والتهديد
"
صائب عريقات رئيس الوفد المفاوض وقف بجانب رئيس السلطة يلقمه اوراق المعاهدات للتوقيع عليها وكان اخر من اجتمع من الطرف الفلسطيني بكيري الذي تعرض لحملة اعلامية شرسة من القيادات (الإسرائيلية) في كل مرة حاول الضغط فيها على الحكومة (الإسرائيلية) لتقديم شيء للسلطة يجعلها تقبل بتمديد عملية التسوية.
بيد ان التعنت (الإسرائيلي) ليس وحده الذي يحرج عباس, فالمناكفات الداخلية كانت حاضرة بقوة في خطوات ابو مازن الذي يعاني من صراعات داخلية في حركته وصلت مرحلة غير مسبوقة قبل اسابيع قليلة بينه وبين محمد دحلان القيادي المفصول من فتح زادت من وهنه, خاصة وان الاخير انتقد بشدة ادارته لملف التسوية واكد انه ذاهب في اتجاه التمديد دون مقابل.
المفاوضات أو المصالحة طريقان لا ثالث لهما يتحتم على رئيس السلطة ان يسلك احدهما الذي من الصعب أن يتقاطع مع الاخر, لكن المؤشرات التي خرجت خلال اليومين الماضيين لا تشير الى تفجر المفاوضات وانما وصولها لمرحلة عض الاصابع.
وبالتزامن مع توقيعه المعاهدات الدولية قرر عباس تشكيل وفد سيضم "عزام الأحمد رئيس كتلة فتح البرلمانية، ومنيب المصري رئيس المنتدى الوطني، ومصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الشعبية، وبسام الصالحي الأمين العام لحزب الشعب وجميل شحادة عن جبهة التحرير العربية للتوجه إلى غزة لبحث المصالحة".
الزيارة في ظاهرها تبدو خطوة ايجابية نحو المصالحة لكنها ضمنيا ليست أكثر من مساومة لدفع (إسرائيل) نحو تقديم خطوات تحفيزية لتمديد المفاوضات, خاصة وأن المصالحة مع حماس عملية مكلفة مالياً لعباس الذي يعتمد على التمويل الاميركي والاوروبي وعائدات الضرائب التي تحولها له (إسرائيل) شهرياً لدفع رواتب موظفيه, فما زال الفيتو الغربي اهم معيقات المصالحة.
للتوقيع لا للتنفيذ
خطوة الانضمام للمنظمات الدولية التي استخدمتها السلطة كثيرا ورقة ضغط تحت الطلب, بعد ان قبلت تجميدها خلال مدة المفاوضات قابلها الكيان بالمزيد من التعنت والتهديد, لكن ابو مازن الذي يراوده طيف سابقه الراحل ياسر عرفات كلما وصلت الامور بينه وبين الاحتلال الى مرحلة الانفجار يحاول ابقاء الباب موارباً.
"عباس أكد أنه لا يريد استعمال حق التوقيع على المعاهدات الدولية ضد أحد ولا في مواجهة أحد خصوصا الإدارة الأميركية.
"
وخشية ان يلقى مصير عرفات يحافظ عباس دائما على سلوك متوازن في علاقته بـ(إسرائيل), حتى وقت الازمات فقد أعقب تسليم اوراق المعاهدات سلاحه الاخير بجملة من التطمينات للاحتلال, حيث أكد أنه لا يريد استعمال حق التوقيع على المعاهدات الدولية ضد أحد ولا في مواجهة أحد "خصوصا الإدارة الأميركية التي نريد علاقة جيدة وطيبة معها", وهو حديث ينسحب على حليفتها (إسرائيل).
وأكثر ما يؤرق (إسرائيل) من المعاهدات هو الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، الذي قد يترتب عليه ملاحقة معظم قادة الكيان دولياً بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية, الى جانب تفعيل وتصعيد حملة المقاطعة الدولية لـ(إسرائيل) سياسياً واقتصاديا والتي باتت تقلقها أكثر من أي وقت مضى.
لكن فعلياً تبقى المعاهدات الدولية ورقة قوة بيد الاقوياء لأن الطرف الاضعف في هذه المعادلة وهو السلطة قد يتعرض لضغوط مضاعفة عن تلك التي تملكها.
ورغم انتهاء المدة المحددة "للتسوية" فما زال من المبكر الحديث عن اعلان الفشل رسمياً فالمحاولات الامريكية لم تنته بعد, والايام المقبلة ستكون حاسمة اما باتجاه تفجر الاوضاع او استمرار المفاوضات إذا ما نجحت الادارة الامريكية في اغلاق ملف الدفعة الرابعة على حل توافقي، لكن ذلك لا يعني ان الطريق بعد ذلك ستكون ممهدة للتقدم في مشروع التسوية.