مخيمات اللاجئين الفلسطينيين

المخيمات بلبنان .. صراع نفوذ وتصفية حسابات

الصراع المسلح في لبنان
الصراع المسلح في لبنان

الرسالة نت- محمود هنية

تتفاقم الأزمة يومًا تلو الآخر في الساحة اللبنانية الصاخبة بالسجالات والتناقضات على مدى الفترة الماضية، غير أنها سرعان ما تتحول فيها الأحداث إلى كرة ملتهبة تتدحرج سريعًا نحو المخيمات لتحرق فيها الأخضر قبل اليابس، وتبقى حامية الوطيس وإن اختفت نيرانها لوقت من الزمن.

في بلد تعصف فيه التناقضات السياسية والدينية، يجد الفلسطيني نفسه الضحية الأولى، في معركة صراع النفوذ والولاءات السياسية، وقد تحولت المخيمات في نظر المراقبين إلى صناديق بريد لدى بعض الأطراف التي وجدت فيها أرضًا خصبة لإدارة النزاعات والصراعات بأبخس ثمن.

وشهدت بعض المخيمات الفلسطينية في الآونة الأخيرة اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلّحة، كان آخرها الاشتباكات التي دارت في مخيم المية ومية، وقد أدت إلى مقتل 9 أشخاص من بينهم خمسة مواطنين.

وجرت الاشتباكات بين جماعة جمال سليمان التابعة لتنظيم أنصار الله المقرب من حزب الله من جهة، وأنصار أحمد رشيد من جهة ثانية، وهو من المحسوبين على القيادي المفصول من حركة (فتح) محمد دحلان.

وسارعت الفصائل إلى تقويض الحادث على الفور، حيث أعلن فتحي أبو العرادات أمين سر حركة فتح بلبنان في حديث خاص بـ"الرسالة نت"، عن تشكيل لجنة خاصة للوقوف على أسباب هذا الحادث، والعمل على تقويض الآثار الناجمة عنه.

واتفقت الفصائل على تشكيل لجان أمنية من فصائل منظمة التحرير وفصائل التحالف الوطني التي تضم حركتي حماس والجهاد، لضبط الأوضاع الأمنية في المخيمات.

الخارطة الأمنية المسلحة

وأتى هذا الحادث ليثير العديد من التكهنات حول حقيقة الدور التي تقوم به بعض الجماعات المسلحة داخل المخيمات المكتظة بالسكان، وأثره على مستقبل الوجود الفلسطيني، لا سيما في ظل صعود الأمواج السياسية بالبلاد، والتي تهدد بتسونامي سياسي قد يعصف بالحالة اللبنانية برمتها.

ويوجد في لبنان 12 مخيمًا فلسطينيًا، يعيش فيها ما يزيد عن نصف مليون لاجئ، حيث يشكلون 9.1% من مجمل اللاجئين، يضاف إليهم ما يقارب ربع مليون نازح فلسطيني من مخيمات اللجوء بسوريا، والذين نزحوا بفعل الحرب الدائرة هناك.

ويعتبر مخيم عين الحلوة من أكبر المخيمات بلبنان، ومقر القيادة السياسية وممثلي الفصائل بلبنان، وتكتظ المخيمات عمومًا بالأسلحة الخفيفة، ويتواجد فيها 7 مجموعات مسلحة لا تنتمي للفصائل الفلسطينية المعروفة.

وتعدّ حركتي عصبة الأنصار والحركة الإسلامية المجاهدة من كبرى الجماعات الإسلامية المسلحة في المخيمات، وأقلهن تطرفًا في البعد الأيدلوجي، ويضاف إليهن جماعة جند الشام التي تعد أكثر غلوًا في الجانب الفكري.

ولا يتجاوز عدد عناصر هذه الجماعات المئات، غير أنهم يتمتعون بتدريب عالي المستوى، إضافة لما يرتبطون به من خلفية أيدلوجية وعقدية تجمع بين أعضاءها.

 تشكيل مرجعيات

الدكتور ياسر علي الباحث في شئون اللاجئين بلبنان بدوره عزا ، تشكيل هذه الجماعات، نتيجة حالة الضغط المتواصل على المخيمات الفلسطينية، وعدم مقدرة بعض الفصائل على لجم عواطف شبابها الثائر.

وقال علي لـ"الرسالة نت"، إن الفصائل اتفقت على تشكيل مرجعية للقوى والفصائل الإسلامية تشمل الجماعات المسلحة؛ لضمان حماية المخيمات وتوجيه بوصلة الأمن بطريقة صحيحة.

وكانت حركة حماس أعلنت مؤخرًا عن وجود مبادرة تشمل جميع الفصائل الفلسطينية مقدمة للجانب اللبناني، تضمن حماية الوجود الفلسطيني، وتضبط عملية السلاح وتمنع خروج أي عمل يعتبر عدوانيًا من داخل المخيم ضد الدولة اللبنانية.

ويبدو أن هذه الاجراءات استطاعت إلى حد ما كسب هذه الجماعات وتطويع مواقفها لصالح الإجماع الوطني الفلسطيني في الآونة الأخيرة، وفق ما يؤكده علي.

ولكن الأخطر من ذلك يبقى في سلاح بعض الأذرع العسكرية  التي تشكلت نتيجة انقسام وتجاذبات داخل بعض الفصائل، كما هو الحال في حركة فتح التي تعاني من انقسام حاد بين عناصر موالية لمحمود عباس وأخرى لمحمد دحلان.

وشهدت المخيمات في الآونة الأخيرة توترًا ملحوظًا بين عناصر موالية لعباس رئيس حركة فتح وأخرى لدحلان، لا سيما بعد حملات التشويه والتخوين التي أطلقها كل منهما على الآخر الفترة الماضية.

ويعد العميد محمود عيسى الملقّب بـ"اللينو" والموالي لدحلان، من أكثر الشخصيات إثارة للجدل والمتهمة بالتورط في تغذية الخلافات داخل الصف الفتحاوي، وقد فصلته السلطة من عمله داخل المخيم، واتهمه عباس بالتجسس ضد حزب الله لصالح "إسرائيل".

يذكر بأن مجموعات محسوبة على حركة فتح التابعة لدحلان، تدخلت في اشتباكات المية ومية قبل حوالي يومين، واستخدمت السلاح بشكل مفرط خارج عن العادة، الأمر الذي تسبب بهذا الكم المهول من القتلى والجرحى، وفق ما يوضحه فتحي أبو العرادات أمين سر حركة فتح في لبنان.

ولا تخفي حركة فتح خوفها من استمرار الانشقاقات بداخلها، الأمر الذي دفعها إلى التنسيق مع القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى لتأمين ضبط حالة السلاح داخل المخيمات، طبقًا لما يشير إليه ياسر علي.

ويؤكد علي أن "عصا التوافق"، هو الضمان الوحيد لتوحيد المواقف المتباينة داخل المخيمات، وضبط استخدام عملية السلاح من جميع الجهات.

التورط الاقليمي

ولم يخف المراقبون تورط بعض الجهات الإقليمية في تغذية الخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، والمجموعات المسلحة التي يبدي كل منها تأييده لنزعات سياسية وفكرية تسببت برأيهم في إحداث الخلافات داخل المخيمات.

وأشارت مصادر فلسطينية مطلّعة داخل المخيمات الفلسطينية، إلى أن بعض الأموال العربية التي قُدمت كـ"تبرعات"، لبعض الجهات في المخيمات أسهبت في تعزيز هذه الخلافات -في إشارة إلى الأموال التي تبرعت بها جليلة محمد دحلان من دولة الإمارات-.

وعدا عن ذلك يخشى الفلسطينيون من خطورة توريطهم في أتون النزاعات السياسية بلبنان، لا سيما في ظل استحقاقات انتخابات الرئاسة المتعثرة بالبلاد.

ويؤكد مروان عبد العال ممثل الجبهة الشعبية في لبنان، أن المخيمات أصبحت عرضة للتجاذبات على الساحة اللبنانية، وتأثرت بشكل مباشر في الصراعات الاقليمية بالمنطقة ولا سيما بالأحداث في سوريا.

وليس أقل من ذلك أن تتحول المخيمات إلى دائرة صراعات بفعل الانشقاقات الدائرة داخل فصائل فلسطينية، وما ظهر مؤخرًا بما يعرف بخلاف عباس ودحلان في لبنان.

وقال عبد العال لـ"الرسالة نت" ، إن المخيمات أصبحت أرضًا رخوة في الواقع الأمني في لبنان، لاسيما أن الجانب اللبناني صنفها خارج قانون الدولة، مشيرًا إلى أن لجوء بعض الأطراف اللبنانية لحل أزمتها عن طريق الفلسطينيين كان جزءًا من محاولة تحميلهم المسئولية الدائمة وتحويلهم إلى فزاعة في الواقع اللبناني.

مبادرات وحلول

وتقدمت الفصائل الفلسطينية بمبادرة وطنية شاملة إلى الدولة اللبنانية تضمن فيها ضبط الحالة الأمنية، مقابل مطلب ما زالوا يطالبون به وهو ضرورة العمل على تحسين الظروف المدنية والاجتماعية للفلسطينيين.

وتحرم الدولة اللبنانية اللاجئين الفلسطينيين مما يزيد عن 70 وظيفة رسمية، إضافة إلى الحرمان من التعليم الجامعي المفتوح، وتحظر إعادة بناء بيوتهم أو حتى البناء او التمدد داخل المخيمات التي تكتظ يومًا بعد يوم بالسكان.

الفصائل أكدت لـ"الرسالة نت"، على لسان ممثليها أن المبادرة تشكل ضمانًا لحماية الوجود الفلسطيني للمخيمات التي تتعرض لمؤامرات متتالية بغرض شطب وجودها داخل البلاد.

وقال علي بركة ممثل حركة حماس في لبنان، أن المبادرة شكلت عمقًا ضامنًا للعلاقة مع الدولة اللبنانية، داعيًا الأخيرة إلى ضرورة العمل على حمايتها بتقديم ضمانات اجتماعية للفلسطينيين.

بينما قال أبو عماد الرفاعي ممثل حركة الجهاد في لبنان، إن الفرصة سانحة لتهيئة الأجواء بلبنان، في ظل التسويات التي تجري بالمنطقة ، وأن يكون للفلسطيني نصيب من المتابعة الجدية في كيفية اخراج الواقع الفلسطيني من هذه المعاناة من خلال إعطاءه الحقوق المجتمعية والمدنية.

من جانبه، نوه مروان عبد العال ممثل الجبهة الشعبية بلبنان، إلى أنه لا يوجد اتفاقيات رسمية تنظم العلاقة بين الدولة والمخيمات، لاسيما بعدما ألغى اللبنانيون اتفاق القاهرة عام 1969م، والذي كان يشكل رابطًا في العلاقة بينهما.

ويرى عبد العال أن المبادرة غير كافية، في ضوء غياب الاعتبار السياسي للوجود الفلسطيني بلبنان، مشيرًا إلى أن المطالب الفلسطينية سوف تعرض على طاولة الحوار مع القيادة اللبنانية، موضحًا أن الحوار معطل بفعل الواقع السياسي المرتبك بلبنان.

ويبقى الواقع الفلسطيني بلبنان رهنًا للنزاعات السياسية، ما لم تعمل جميع الأطراف على إيجاد مكون مشترك يضمن حماية الوجود الفلسطيني، من محاولات شطب وجودهم وإغراقهم في أتون صراعات تنهي قضيتهم إلى الأبد.

البث المباشر