لا صوت يعلو فوق صوت التنظيم
الشعب الفلسطيني شعب عظيم ، شعب صاحب تضحيات وعطاء ، لم يبخل في يوم من الأيام عن تقديم الغالي والنفيس من أجل تحرير أرضه واسترداد كرامته هذا الشعب خير من خَير التنظيمات عبر رحلته الطويلة بين هموم التحرير والوحدة بين شعارات الاستغلال والديمقراطية ، هذه الفصائل والتنظيمات التي ألغت الإنسان الفلسطيني وألغت المؤسساتية الفلسطينية ، ألغت العقل الفلسطيني واستبدلت كل ذلك بابن التنظيم ، ومؤسسة التنظيم وعقلية التنظيم الأمر الذي أثار حفيظة أحد الكتاب الفلسطينيين فكتب مقالاً تحت عنوان " إنه ليس ابني !! .. إنه ابن التنظيم ..!! " تناول المقال وبحرقة ما آلت إليه الأمور ووصلت إليه الساحة الفلسطينية ، ومن خروج البعض عن المنظومة القيمية التي تعتبر صمام أمان وحدة
وسلامة النسيج الوطني الفلسطيني وعنوان تلاحم هذا الشعب الرائع والمعطاء ، فتشوهت صورة هذا الشعب المجاهد بفعل وممارسات أصحاب الأجندات الخاصة والامتيازات الشخصية والتنظيمية .
فهل محاولات الإلغاء للشعب الفلسطيني التي تقوم بها بعض التنظيمات هو مكافأة منها لهذا الشعب على تضحياته وهو يدفع الثمن غالياً أمام آلة الحرب الإسرائيلية هل هو جزاء له على صموده وصبره ، هذا الشعب الذي وهبه الله الإيمان والإرادة القوية والقدرة والذكاء والعطاء اللامحدود ، ومع ذلك يُقْمَعْ من قبل التنظيم ، يُبْتَز من قبل التنظيم ، فحكاية هذا الشعب ، حكاية طويلة مع حكم وتسلط التنظيم الذي نهبه واستأثر بمؤسساته ، فكم غريب مثل هذه التنظيمات عندما تصبح الواسطة والرشوة شطارة وذكاء وحذلقة ، وإلغاء وإقصاء الآخر خياراً ، وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات وسلب المواطن حقوقه طريقة الحكم ، والتسلط والاستبداد والتحكم برقاب الشعب وأرزاقهم طقوس ومتطلبات والديمقراطية العتيدة وتغييب الشعب عن الساحة السياسية وعن القرار ضرورة ومصلحة .
كم هو عجيب أن يضحك الجلاد ملء شدقيه وهو يتلذذ بأنات وعذابات المجاهدين وصرخاتهم واستغاثاتهم ، هذا الجلاد وبممارساته المشينة وامتهانه لكرامة الآخر الفلسطيني تنقلب لديه المعايير ، فالهزيمة تتحول إلى نصر ، والاستسلام إلى سلام ، والخونة وسماسرة الأرض إلى أبطال ، والأبطال والمجاهدين إلى سجناء أو محاصرين .. بالله عليكم أليس هذا هو زمن الشقلبة ؟!!
وحتى يُحكِمْ التنظيم قبضته ويتمكن لابد من إجراءات وممارسات قمعية لإرهاب المواطن ، لابد من إذلاله وكسر إرادته ، لابد من إسقاطه حتى يخدم التنظيم ، لابد من أن يتحول الرجال في ظل سطوة التنظيم إلى أشباه رجال ، وأشباه الرجال رجالاً وعندما يصبح رجل أمن التنظيم كزائر الليل الإسرائيلي يطرق الأبواب بعد ساعات منتصف الليل وقبل ساعات الفجر ، يروع الأطفال والآمنين ، ينتهك حرمات البيوت غير آبه بأعراض الناس ، ضارباً بعرض الحائط كل القيم والعادات والتقاليد ، عندما يحصل هذا التنظيم على شهادة حسن السلوك وعلى شهادة جودة التنفيذ والأداء من أعداء الشعب ، وكل ذلك وفق معايير ومواصفات تفوق تلك التي تستخدمها مؤسسات المواصفات العالمية وتفوق ما يُعْتَمَدَّ لدى الـ ISO ، عندها تتحقق أهداف الاحتلال وأعوانه وأعداء الشعب الفلسطيني وخاصة عندما يصبح الهم الأول والأكبر للإنسان الفلسطيني لقمة الغذاء ( رغيف الخبز ) ، وحبة الدواء ، وشربة الماء ، والعيش ببقايا كرامة ، عندما ينتفش الباطل المتجسد بممارسات ، وخاصة أنه تكرار لمرحلة قديمة جديدة ولكن بصور أخرى ، عندما كانت النخوة في أوجها يوم كانت الساحة الأردنية وخاصة عمان وجبالها والأغوار تغص بالمقاومين وتعج بالثوريين من أبناء التنظيمات ، يوم كان الهتاف لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، يومها كانت الساحة العربية ومن المحيط إلى الخليج تعيش صخب اجتماعات دورية متلاحقة ، كنت يومها على مقاعد الدراسة الابتدائية ، ولكن كنت أعيش ذلك الواقع من خلال التجمعات حول المذياع يستمع الجميع وبكل حواسه إلى الكلمات العاطفية ، والبيانات البكائية ، والخطابات العنترية ، كانت الدماء تغلي في العروق ، شباب ثائر ، والجميع بصوت واحد وبشعار واحد " ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة " والحرب الشعبية طويلة الأمد هي الوسيلة الوحيدة التي لا يمكن استبدالها بأي وسيلة أخرى لانتزاع الحقوق ، وخائنٌ ومجرم ، بل ومصيره مزابل التاريخ إذا ما حاول رفع شعار وصوت يعلو فوق صوت المعركة ، صوت المقاومة .. الكل على أهبة الاستعداد ويعيش حالة من الاستنفار حيث يتم توظيف الإعلام لخدمة المعركة والمقاومة وشعاراتها ، أما اليوم فالإعلام فقط لخدمة التنظيم وللترويج لوهم وعبثية السلام ، ومن يعتقد أن هناك طريقاً غير طريق المفاوضات لانتزاع الحقوق فهو خائن ومجرم ، بل ومصيره مزابل التاريخ إذا ما حاول رفع شعار وصوت يعلو فوق صوت التنظيم ، صوت المفاوضات ، لقد أصبحت هذه الأيام الحياة مفاوضات ، التنظيم واحد ، والصورة مختلفة ، لقد دارت الأيام ، فبعد أن كنا نهتف للمعركة والمقاومة وصوتها ومن أجل عروبة القدس ، ومن أجل إسلام القدس ، ومن أجل فلسطين ، وعروس العواصم العربية والإسلامية ، والشعار الذي ينطلق من حناجر المتظاهرين لا صوت يعلو فوق صوت المعركة .. صوت المقاومة .. لقد دارت الأيام وإذا بأدعياء الثورية يغيرون ويبدلون ، فاليوم تتغير الشعارات ، وتتبدل الأولويات ،ولم لا ؟ حيث لا شيء مقدس في عالم السياسة !! إنه صوت العقل ، فلا بد من الواقعية في التعامل مع المحيط المحلي والإقليمي والدولي ، ولا بد من الواقعية بالتعاطي مع الشأن السياسي ، وأي واقعية نريد .. الواقعية المطلوبة هو أن نقبع في ردهات المكاتب ننتظر ما يُقَدم إلينا بعد رضى الدول المانحة وعطف البنك الدولي ليقدموا لنا الأخضر من الدولارات لنقيم بها أودنا ، وأن ننشغل ببعضنا بعضاً ، فهذا أمريكي وذاك إيراني ، هذا إسرائيلي وذاك سوري ، هذا أوروبي وذاك قطري ، هذا واقعي وذاك متطرف ، هذا محور اعتدال وذاك محور شر ، هذا متنور وذاك ظلامي ، هذا شرعي وذاك انقلابي ويضيع الشعب بين هذا وذاك ، وكل ذلك من أجل سواد عيون التنظيم ، فشعار المرحلة لا
صوت يعلو فوق صوت التنظيم .. لا صوت يعلو فوق صوت المفاوضات .. نعم الحياة مفاوضات .. وأي تنظيم هذا أو ذاك ، إنه التنظيم المستبد الذي يملك السلاح والمال ، فيفرض على الآخر الفلسطيني أجندته بل يفرض على الشعب المقهور ما يريد ، اعتقالات ، تعذيب وإرهاب ، مصادرة سلاح المقاومة ، مصادرة الأموال والممتلكات ، مصادرة الكلمة والحريات العامة ، والويل كل الويل لمن يسعى إلى تهديد أمن الشعب ، عفواً أمن التنظيم ، الويل كل الويل لمن يسعى للعبث بالأمن ، لمن يخل بالأمن العام ، لقد أصبح الشعب واجهة لتمرير مصالح التنظيم ، وهل هناك صوت غير صوت التنظيم ، ومن هذا المجرم الذي يقول غير ذلك ، من هذا العميل والمرتزقة الذي يريد أن يشوه الحقائق ويحرف البوصلة عن وجهتها الحقيقية من هذا الذي يقول أن هناك سلاح مقاومة .. السلاح هو سلاح التنظيم ،نعم سلاح السلطة ، نفس الشيء والمثل بالعامية ( هاي ذني وهااااي ذاني ) ، وكل سلاح غير ذلك هو سلاح مشبوه ، سلاح فلتان أمني .. ومن قال أنه يوجد لدينا معتقلون على خلفية الانتماء لحماس ، ما عندنا هم جنائيون ومجرمون ، ومن يقول عكس ذلك ؟! وياليتها تقف على ذلك ، فأنا أتابع بألم وأسى عمليات الإقصاء الوظيفي والتضييق على الآخر الفلسطيني وحرمانه من حقه بالوظيفة العمومية ، وها هي حياة الشعب ومؤسساته ومقدراته أصبحت ملك التنظيم ، فلا حقوق ولا امتيازات إلاّ للتنظيم ، أما الشعب فلا بواكي له ، أما القدس فلا بواكي لها ، ولا صوت يعلو فوق صوت التنظيم ، وأمام هذا الصوت فقد انتهت معاركنا المروعة والمخيفة والمذهلة بالانقسام وضاعت القضية ، وأصبح الانقسام مشجب لتعليق كل القصور والفشل السياسي ، حتى التعنت الإسرائيلي من وجهة نظر التنظيم سببه الانقسام ، التهويد ، الاستيطان ، عدم إطلاق سراح الأسرى ، عدم الاعتراف بحق العودة ، كل ذلك سببه الانقسام ، فلتذهب الوحدة الوطنية ، وليبق التنظيم بامتيازاته الذي أصبح نظاماً وطريقة حكم يستمد قوته من قوى لا تريد مصلحة هذا الشعب ، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم ، أما الحالمون بالوحدة الوطنية فقد تحطمت أحلامهم على صخرة اغتيال الديمقراطية ، على صخرة تغييب وقتل القضية لقد سقطت شعارات التحرير ، وخبت أصوات الأحرار والشرفاء ، وارتفعت أصوات أخرى نهتف للتنظيم وبحياة التنظيم وبقائد التنظيم ، ولتفرح إسرائيل ، وكل ذلك من أجل عيون إسرائيل ولا صوت يعلو فوق صوت التنظيم .
بقلم المهندس الأسير / وصفي قبها