قائمة الموقع

ميس: أخجل من الكاميرا وأملك الجرأة على المسرح

2014-04-25T12:17:16+03:00
الفنانة الفلسطينية ميس شلش
الرسالة نت- محمود هنية

من رحم الارض البديل، ويا سكابيا نور العين سكابا، ويا وليدي راح، كانت هذه أول الأناشيد التي صدحت بها تلك الطفلة في بداياتها، وهي لم تتجاوز من عمرها آنذاك الثانية عشرة عامًا، برغم صعوبة كلماتها وعظم القضية، غير أن أصرار والدها الذي كانت عينه تومض بالإصرار، دفعها لتحمل ذاك الثقل وتتصدر المشهد.

تلك البداية الأولى لفتاة جاز وصفها ممن عرفها بسندريلا الإنشاد الملتزم، ميس سعود شلش، التي بلغت الرابعة والعشرين، وما زالت تلك الذكريات حاضرة في قلبها، بحلوها ومرها، وإن فقدت السند لاحقًا بوفاة والدها كأقسى مشهد مر في حياتها.

لم يغب طيفه عن ذاكرتها، كصحفي وكاتب وأديب عمل المستحيل في البداية لتنطلق فتاته الرقيقة بألبومها الأول "صوت الحرية"، متجاوزًا كل المخاطر التي ساورت مشاعر سميح شقيرات الذي تبنى العمل، فهو كان يعتمد على صوت قوي وحنجرة ألهبت مسامع الغريب قبل القريب، وأثارت أشجان القضية وغنت لأبجديات الوطن كسمفونية تحمل فيها معاني الحب والحرب، والصمود والمقاومة.

وأشاحت بوجهها رغم صغرها عن أناشيد الطفولة، حيث كبر في قلبها وعقلها شيء آخر في حب القضية، وغنت كالكبار على مسرح رقصت عليه مدامع الرجال.

كبرت ميس، ومضت الأيام، وفي كل يوم كان لها في الحياة جديد شيء يحذوه الأمل وآخر يضطرها للهروب إلى الوسادة لتخفي دموعها عن والدتها، أملًا أن تتجاوز طعنة من الخلف يقض عليها عزمها واصرارها المضي في ذات الطريق.

وما زالت ميس تفخر برسالتها وترى أنها على الجادة، ومصرة أن تمتطي صهوة والدها وحمل الرسالة، فالقضية كبيرة والهم أكبر وسلاحها قادر في الحاق الهزيمة بالمحتل وإيصال الصورة التي عجزت وسائل اعلامنا على نقلها، طبقًا لما تقوله لـ"الرسالة نت".

وتضيف ميس، " مآسي المحتل كثيرة وتدفعني دومًا لترنيم كلمات الشعر الثائرة، في أهازيج البطولة التي تتغنى بحب القضية ودعم المقاوم".

ومع حبها الشديد لقضيتها، فلم تخف الفنانة الفلسطينية همها من عبء التكاليف المادية التي تصرفها في إنتاج عمل فني واحد، حيث يتجاوز ثمن اصدار الانشودة الواحدة 700 دولار، ما يضطرها لدفع الثمن من مصروفها الشخصي.

ولم تجن ميس ثروة مالية من وراء فنها فهي تصرف عليه أكثر بكثير مما أدخل عليها، غير أنها الرسالة التي تصر على المضي بها، وفق تأكيدها.

ومع تفاقم معاناة الفلسطينيين وتزاحم الذكريات المؤلمة التي يعيشونها، يبقى الفنان مشتت الذهن حول كيفية التعبير عن هذا الكم المهول من هذه القضايا وسط شح كبير في الامكانيات المادية، وهو عامل آخر يزيد من معاناته.

ولا يبدو ذلك مهمًا أمامها إزاء قضية كبرى تحملها، وترغب في إيصالها بكل تفاصيلها ووقائعها وبشكل صحيح والتي قد يجهلها المشاهد العربي، لا سيما في ضوء ما لامسته من اعجاب وتقدير في بلاد عربية فرشت لها البساط الأحمر وأخرى انبهرت بروعة وحجم جمهورها الذي يتابعها، بالاضافة إلى جمهورها الفلسطيني الذي يزدان بجميل اصداراتها الداعمة للقضية الفلسطينية.

لا أنتمي لأحد

وكثيرًا ما أثارت ميس جدلًا واسعًا في ادائها الوطني والانشادي، فهي ابتداء تعرف نفسها بأنها شابة ملتزمة وطنيا وتحافظ على حشمتها، وتؤكد أنها لا تنتمي سياسيًا لأي تنظيم فلسطيني، مع أن والدها كان ينتمي للجبهة الشعبية، ويلتقى مع الجميع على حب الوطن.

وتقول إنها تقف على مسافة واحدة من كل الفصائل، لكنها تلتقى معهم على مفهوم المقاومة ومواجهة العدوان وعدم القبول بالمهادنة والتسوية معه.

وتسوؤها محاولات التشوية المتعمدة من بعض الذين ما زالوا يشككون في ولائها لوطنها، ويزجون بها في أتون قضايا خلافية لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولم تملك ميس أن تلجم عنان عاطفتها حين سألت بصوت رافقته قطرات من الدمع، " بالله عليكم أنسيت أن أنشد لشهيد دون آخر، أهزجت بأحرفي للياسين وقد نسيت العرفات، كلّا بل كنت لكل فلسطين بكل فصائلها ومقاوميها". تجيب بنفسها.

ولم تكن هذه المرارة وحدها التي تجرعتها ميس طيلة حياتها الفنية، فما زالت المضايقات تلاحقها بشأن الخلاف حول جواز استمرار انشادها أم لا، برغم ما حظيت به من دعم شرعي عبر فتاوى من علماء كثر أجازوا لها الاستمرار في رسالتها، بكل ما تحمله من رزانة ووقار وحشمة في وقفتها على المسرح.

وبعيدًا عن ضجيج السياسة والفكر، تحدثت ميس عن مستقبلها القريب، فهي خريجة قسم الصحافة والإعلام بإحدى الجامعات الأردنية، وتبحث عن عمل في مهنتها التي درستها، غير أنها تفضل أن يكون العمل خلف الكواليس.

المستقبل القريب

وزميلة المهنة تقول إنها لا تجد نفسها في كتابة التقارير والقصص، وما زالت تفضل البحث عن عمل في المونتاج أو الاخراج الصحفي، وترفض أن تلعب دور المذيعة برغم ما قدم لها من عروض لتؤدي برامج تلفزيونية.

وربما يبدو السبب وراء ذلك مفاجئًا وصادمًا، فتقول "أنا خجولة جدًا من الوقوف أمام الكاميرا، مع أني جريئة في الوقوف أمام المسرح!"، ويبدو ذلك متناقضًا غير أنها حددت بوصلتها وتصر على الوصول إلى الطريق المنشود.

وتخوض عباب المرحلة بكل ما فيها من صعاب، تواجه الأمواج الضاربة بكل صرامة مستعينة بالله وبدعم أهلها ووالدتها في المقام الأول، رفيقة حلها وترحالها، تقول ميس.

مضى الوقت سريعًا في الحديث معها، وبدت ميس الشابة العشرينية التي ما زالت تمتطي صهوة التجربة والعمل، أكثر اصرارًا على تحقيق رسالتها، وترقب بناظريها مستقبلا قريبا تسترق من بين استاره الأمل بتحقيق أحلامها.

رسمت في مخيالها فارس أحلامها الممتشق الفرس والبندقية، يحمل طيفها لحيفا ويافا تجدد مغناها على تربها، مرورًا بعكا واللد تغني لنسائمها وتنثر العبق في سماها، بوعد قريب أن يعود الجمع ويلتئم الجرح.

وما زالت الوصية تسرى في عروقها، أن تبقى الرسالة لفلسطين كل فلسطين، ولم الشمل ولم تنسى الأسرى في ختام الرسالة أن يفعل كل شيء لأجل اطلاق سراحهم، فضلًا عن التأكيد دومًا على حق عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين في كل بلاد الشتات الى ارضهم المقدسة، وفي السطر الأخير ودعت بأحرفها معاني الحب لغزة التي تعشقها، والسلام ختام كانت النهاية.

اخبار ذات صلة