لحظات لا تنسى حفرت في قلب كل فرد من عائلة عوض الله ربما كانت أكثر قسوة من وصول نبأ اغتيال القائدين في كتائب القسام عادل وعماد عوض الله عابد، فموكب التشييع والصور المعلقة في كل مكان والتكبيرات التي ملأت الأجواء كلها كان يجب أن تتم قبل 16 عاما.
وفتح الجرح من جديد وهذه المرة كان غائرا أكثر، فالعائلة كان لديها خيوط أمل بأنهما ما زالا على قيد الحياة في ظل تكتم الاحتلال على طبيعة اغتيالهما في مزرعة ببلدة ترقوميا غرب مدينة الخليل في العاشر من أيلول عام 1998.
الثلاثون من آذار من عام 2014 حمل معه مفتاحا يغلق باب القلق والترقب الذي بقي مشوشا طيلة فترة احتجاز الرفاة.
الأم ذرفت الدموع بغزارة على نجلين ربما لن يلد التاريخ مثلهما قيادة وفكرا وهندسة ودهاء، والزوجتان تخضبت أغطية وجهيهما بالعبرات التي اخترقت كلمات الحمد لله، أما الأبناء ففي حالة ذهول لرؤية الوالدين للمرة الأولى بعد كل الغياب في صناديق خشبية.
ولا شك أن العزاء الأكبر لذوي الشهيدين كان في الحشد الضخم المهيب الذي شهدته رام الله والبيرة للمرة الأولى منذ الانتخابات التشريعية عام 2006، فهما صاحبا مكانة رفيعة لدى أهالي المدينة ومن يناصر حماس.
وتقول عائلة الشهيدين على لسان أحد الأقارب لـ"الرسالة نت" إن الحشد الكبير الذي لبّى دعوة التشييع كان له الأثر البالغ في نفوس العائلة، وهو الأمر الذي انتشلها من هم وحزن إلى عزة وكرامة.
ويشير إلى أن الكرامة تلك تضاف إلى أخرى متمثلة في بقاء جثامين الشهداء كما هي ما زالت تنزف الدماء غير متحللة ولا متعفنة ورائحة المسك تملأ التوابيت، لافتا إلى أن مكانة الشهيدين عند شعبهما ارتبطت بأخرى عند خالقهما سائلا لهما الرحمة والقبول.
وأضاف:" الحضور الكبير يثبت أن نهج المقاومة ما زال بخير وأن أتباعه كثر وهم يقدرون النهج الذي سار عليه الشهيدان في حياتهما وبقي حتى بعد مماتهما".
ولعل مشهد الرايات الخضراء وهي تغزو قلب رام الله أعاد للكثيرين ذكرى القسام فيها وعملياته النوعية.
ليست ذكرى فحسب
ومن بين الوجوه العديدة التي علت ملامحها نصرا من نوع آخر كانت وجوه لأطفال في عمر استشهاد عماد وعادل جاءوا مصرين على المشاركة في التشييع.
ويقول الطفل أحمد قرعان لـ"الرسالة نت": "مذ كنت صغيرا وأنا أسمع أفراد عائلتي يتحدثون عن الشهيدين وكم كانا من الرجال الذين لم يرضوا الذل وجرعوا الاحتلال مرارا كلما ارتكب جريمة من جرائمه".
ويتابع: "جئت لأشارك في التشييع لأوصل رسالة للاحتلال أنه إن اغتال الشهيدين فلن يمحو ذكراهما من قلوبنا".
أما السيدة أم عبد الله الطويل فتقول في حديثها مع "الرسالة نت": "هذه ليست مجرد ذكرى للشهيدين وليست ملفا يجب أن يغلق".
وتضيف: "الشهيدان نبراس لنا ولكل أهالي البيرة وفلسطين، وحين نتحدث عن عماد وعادل عوض الله فنحن نفتح سجلا طويلا من المجد والعزة لا يمكن أن يغلق ولا يمكن أن يُنسى".
بدوره يشير النائب الإسلامي إبراهيم أبو سالم إلى أن الحضور الذي وصفه بالضخم جدا خلال التشييع وما قبله وما بعده يدل على ظلم الاحتلال (الإسرائيلي).
ويقول أبو سالم: "الاحتلال ارتكب جرائم بحق الشهيدين، فقد سجنهما وعذبهما وطاردهما وحرمهما من زوجتيهما وأبنائهما لسنوات عديدة ثم اغتالهما"، لافتًا إلى أن هذه الجثامين بقيت شاهدة على جرمه وفضحته بعد 16 سنة.
ويرى أن إطلاق رفاة الشهيدين دليل واضح على جرائم الاحتلال، مشيرًا إلى أن رسالة للشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية والمفاوضين أن يعرفوا من هو العدو المجرم القاتل السفاح مغتصب الأرض.