يُرتب معهد بحوث تابع لجامعة شيكاغو دول العالم بحسب مقدار الفخر القومي عند مواطنيها. وتوجد اسرائيل على الدوام في العشر الاولى، غير بعيدة عن الولايات المتحدة التي توجد في القمة. وتوجد بجوار الولايات المتحدة التي هي أقوى دول العالم وأغناها – توجد فنزويلا التي وضعها الاقتصادي يائس والتي تتفشى الجريمة في شوارع مدنها وجهازها السياسي منهار. ولا يتزعزع فخر مواطنيها القومي بسبب ضآلة انجازات بلدهم.
تدل هذه المعطيات على أنه ليس الوضع الموضوعي هو الذي يحدد مقدار الفخر القومي للمواطنين بل عوامل اخرى ولا سيما شدة الصراع الذي توجد فيه بلدهم.
وقد يكون الصراع عنيفا أو أيديولوجيا بل قد يكون رياضيا. وقد وجد الباحثون أن مواطني المجتمع الاوروبي لا يتميزون بفخرهم القومي لكن فخرهم يرتفع في موسم العاب كرة القدم في ألعاب كأس اوروبا.
وكذلك أيضا فخر الاسرائيليين القومي الذي يبلغ ذروته حينما يحظى فريق كرة السلة لمكابي تل أبيب بنجاح في العاب كأس اوروبا. ولا أهمية لكون اللاعبين المركزيين في الفريق غير اسرائيليين لأن المكابي رمز، والرموز موضوعات يمكن أن يُطرح عليها كل ما تشتهيه النفس ولا يمكن التعبير عنه. فالعلم والنشيد الوطني والمسيرة العسكرية والشعار والصورة المؤسسة للوعي أو الشخصية التي تجسد في ظاهر الامر "الصفات القومية" – كل ذلك عكاز تتوكأ عليه الهوية القومية.
إن الرموز التي تصوغ الهوية لا تنشأ عرضا بل ينشئها مهندسو رموز يكونون على نحو عام ساسة وناسا يعملون في خدمتهم. وهي تصاغ في مواجهة الغير لأنه لا توجد هوية للانسان ولا لمجموعة اشخاص إلا في مواجهة الآخرين. فـ "نحن"، "لا الآخرون"، ومع عدم وجود غير مميز لا نستطيع أن نُعرف أنفسنا بهوية واضحة.
نشأت الصهيونية معارضة لمعاداة السامية، ونشأت الحركة القومية الفلسطينية معارضة للصهيونية، والاسرائيلية هي معارضة للمعارضة العربية. فاذا انطمس الفرق بين اليهودي والعربي نتاج تخفيف العداوة بين اليهود والعرب فانه يُشك في أن ينجح يهود اسرائيل في تعزيز هويتهم ويُشك في أن ينجح الفلسطينيون في حماية تميزهم. ومن نتيجة ذلك أن هؤلاء اولئك مدمنون على الصراع لأن هويتهم ستضعف من غير عداوة الغير.
من الحسن لليهود أن ليس عرب اسرائيل جميعا فروا وطردوا في حرب الاستقلال. إنهم يضايقوننا بمجرد وجودهم لكن الألم يجعل الجسم موجودا. ونحن محتاجون اليهم لفحص ماهية الاسرائيلية ومعنى المواطنة في دولة تعرف نفسها بأنها "يهودية وديمقراطية". وبعبارة اخرى نقول إن الأقلية تصوغ الاكثرية بواسطة نظرة الاكثرية الى الأقلية.
كلما ضعفت ثقة الاسرائيليين اليهود بهويتهم، وكلما انقسموا الى احزاب متعادية بحسب أصولها العرقية، وعقيدتها الدينية ووضعها الاقتصادي، مجدوا رموز هويتهم اليهودية أكثر. وهم يكثرون من ايجاد حيل يستطيعون بها التفرقة بين "نحن" و"هم"، ويصنفون العرب، ويكثرون من ألاعيب "شارة الثمن"، ويوجدون قوانين هدفها الوحيد أن تقيم جدران بين المجموعتين ويتبرأون من مبدأ الجنسية الذي يجمع سكان منطقة جغرافية واحدة تحت تعريف واحد وهو: الاسرائيليون. فاذا أصبح العرب في اسرائيل اسرائيليين كما أن يهود اسرائيل اسرائيليون فما الذي سيُعرف اليهود؟.
ينبغي أن نفهم في هذا الاطار ايضا مبادرة بنيامين نتنياهو الجديدة لسن قانون يقرر أن اسرائيل دولة يهودية. وأشك في أن يكون يعتقد أن لهذا القانون غاية في حد ذاته لأن الكلمات لا تغير الواقع الذي تصوغ فيه الاكثرية اليهودية صورة المجتمع الاسرائيلي. بل هو محتاج الى هذا القانون لارضاء اليهود المستخذين الذين يؤيدون احزاب اليمين والذين لا ثقة عندهم بهويتهم وهم محتاجون الى تعزيزها بتأجيج الكراهية للآخرين. إن الاستقلال لن يحرر اليهود من الحاجة الى أن يكونوا مكروهين كي يكونوا يهودا.