على تلة جميلة مليئة بخضرة الأرض المباركة ترى منازلها تتراشق يمينا ويسارا بحجارة صنعت من عبق تراب فلسطيني، وتروي شوارعها حكاية قرية عريقة تشكل واحدة من عشرات القرى الشرقية لمدينة رام الله.
وحين تتجول في أراضي القرية تظن للوهلة الأولى أن الهدوء المسيطر على ثناياها لا تشوبه شائبة؛ ولكن سرعان ما تتبدد تلك الظنون حين ترى أجساما ومبان غريبة عن الأرض العربية مليئة بحقد الاستيطان تنغرس في القرية.
وتعاني قرية بيتين كما كل القرى الفلسطينية من جرح الاستيطان الغائر عميقا في أراضيها، فمساحة لا بأس بها صودرت وتعرض أهلها للتضييق والاعتداء على يد الاحتلال.
الاستيطان
ويقول سعيد ناجح من المجلس القروي لبيتين لـ"الرسالة نت" إن القرية يسكنها 2500 شخص بينهم 10% ليسوا من أهالي القرية وإنما تأجروا منازل فيها لقربها من مدينة رام الله وهدوء أجوائها، بينما تبلغ مساحتها ما يقارب خمسة آلاف دونم، وأبرز العائلات فيها جرابعة وحامد فيما تسكنها عائلات أخرى هجرت من أراضي قرية دير ياسين قرب القدس إبان النكبة عام 1948.
ويوضح ناجح أن القرية ورغم الأجواء الجميلة فيها إلا أنها تعاني من سرطان الاستيطان الذي نهش قرابة 40% من مساحتها، حيث أن الاحتلال وفي عام 1977 أنشأ مستوطنة "بيت إيل" فوق أراضيها والتي تعد الآن من أكبر المستوطنات في الضفة، إضافة إلى إقامة مستوطنتي "عساف" و"عوفرا" على أراضي بيتين.
ويشير إلى أن الاحتلال صادرة مساحات أخرى من الأراضي تحت حجج واهية إما تحت مسمى "عسكرية مغلقة" وإما أنها تابعة لما يسمى "أملاك دولة" أو عبر عمليات مصادرة منظمة من المستوطنين.
ويضيف:" فوق كل ذلك لا يتوانى الاحتلال عن تنفيذ اعتداءاته على أراضي القرية عبر مستوطنيه والتي كان آخرها استشهاد الشاب ساجي جرابعة أثناء رعيه الأغنام قبل شهرين تقريبا بالقرب من منزله، إضافة إلى اعتداءات أخرى تتمثل في خط شعارات عنصرية أو إضرام النيران في مركبات أهالي القرية أو إغلاق طرق زراعية".
وفي بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 أغلق الاحتلال الطريق الرئيسي الواصل بين بيتين ومدينة رام الله والمسمى شارع المحكمة والذي كان يوصل السكان إلى رام الله بما لا يتجاوز خمس دقائق من الوقت كونها لا تبعد سوى نصف كيلومتر عنها، وبعد الإغلاق اضطر الأهالي إلى سلوك مسافة لا تقل عن 17 كيلومتر تستغرق أكثر من نصف ساعة للوصول إلى أعمالهم في المدينة.
ويلفت ناجح إلى أن إغلاق هذا الطريق يؤثر كثيرا على أهالي القرية ويضاعف معاناتهم إلى 400%، حيث أصبحت القرية معزولة عن امتدادها الطبيعي برام الله وأمسى الطريق إليها صعبا.
مغتربون
ويعيش العديد من أهالي بيتين خارج فلسطين لأغراض العمل بعد الواقع المزري الذي فرضه الاحتلال عليها والذي منع أهاليها من استخدام الكثير من أراضيها وضيق عليهم بمختلف السبل.
ويقول المواطن أحمد حامد من البلدة لـ"الرسالة نت" إن الكثير من أهالي القرية آثروا السفر إلى دول الخارج أبرزها الولايات المتحدة في محاولة لتعويض الحال القاسي الذي أراد له الاحتلال أن ينشأ عقب ممارساته العنصرية، ولكنهم الآن يملؤهم الحنين للعودة إليها رغم بقاء الواقع كما هو.
ويتابع:" المغتربون ورغم هجرتهم منذ سنوات عن بيتين إلا أنهم لم ينسوها يوما ويقدمون لها الدعم عبر مشاريع عدة يقومون بها وتشكل عماد اقتصادها، كما أنهم أنشأوا جمعيتين خيريتين في الولايات المتحدة لدعم أهالي القرية الفقراء في المهجر وتوثيق العلاقات بينهم".
وليس الحال في بيتين استثنائيا من حيث الواقع المرير الذي خلفه الاستيطان؛ فكل قرى الضفة دون استثناء تعيش المعاناة ذاتها ولكن بأرقام وإحصائيات مختلفة، ليكون لسان الحال هنا "أما آن للحرية أن تداعب ترابنا؟!".