ما من أحد ينكر أن لدى الفلسطينيين سلطتان احداهما في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة، تختلف في الهيكليات واعبائها الوظيفية، وهو ما من شأنه أن يربك أداء حكومة التوافق التي يترأسها الاكاديمي رامي الحمد الله.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه الموظفون في قطاع غزة عن مستقبل رواتبهم، تثار استفسارات متكررة عن تداخل المهام الوظيفية لكل من العاملين في غزة والضفة فضلا عن عودة المستنكفين إلى الوزارات المختلفة وكيفية الدمج فيما بينهم.
على سبيل المثال، هناك وكالتا انباء رسميتان إحداهما في الضفة (وفا)، والأخرى في غزة (الرأي)، تعملان بالتوازي كل في اطار خدمة اهدافها المختلفة. ما جعل الصحفيين في حيرة من امرهم حول طبيعة التعامل مع ما ينشر عبر هاتين الوكالتين.
وإذا ما انتقلنا للحديث عن مسألة أكثر تقعيدا تتعلق بوكلاء الوزارات القائمة في قطاع غزة، وحدود صلاحياتهم مقارنة بصلاحيات نظرائهم في الضفة، فإننا نجد الصورة ماتزال ضبابية.
وراج حديث عن دعوة رئيس الوزراء الحمد الله، الموظفين المستنكفين للعودة الى عملهم في قطاع غزة، غير أن المتحدث باسم الحكومة ايهاب بسيسو قطع الشك باليقين في تأكيده على أن رئيس الوزراء طالب الوزارات جميعها اعداد خطة واتخاذ الاجراءات المناسبة لضمان حقوق الموظفين وضمان عودتهم بشكل تدريجي.
وقال بسيسو في تصريحات لوكالة "معا" "كل وزارة شكلت لجنة للإشراف على هذا الملف الذي سيعيد التزام كافة الموظفين بأماكن عملهم، ملمحا إلى أن اتفاق القاهرة تضمن بنداً واضحاً ينص على تشكيل لجنة إدارية مهنية لبحث ملفات الموظفين الذي عينوا في حكومة غزة منذ بداية الانقسام.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن كما هائلا من الموظفين المستنكفين ستخلق عودتهم تضخما كبيرا داخل الوزارات البالغ عددها 17 وزارة. وإذا نظرنا إلى عدد المدراء من اصحاب الدرجات الإدارية العليا المستنكفين عن العمل في غزة، البالغ عددهم (2487 موظفا) وفق النقابة الوطنية العامة للموظفين الحكوميين في رام الله، ومقارنتها بعدد المدراء العاملين في غزة والذي وصل حتى عام 2010 حوالي (819 موظفا) وفقا لديوان الموظفين في غزة، نجد أن حجم التضخم على مستوى فئة بسيطة من الموظفين سيكون كبيرا جدا، ناهيك عن حجم الموظفين من الدرجات الإدارية الأقل الذين سيجري استيعابهم داخل الوزارات على مختلف مسمياتها، في اطار خطة الدمج المقرر تطبيقها.
وفي وقت رفض فيه زياد ابو عمرو نائب رئيس الوزراء، التعقيب لـ"الرسالة نت" حول هذا الموضوع، بدافع أنه ليس لديه ما يدلي به لوسائل الاعلام، تعذر الحصول على تصريح خاص من "بسيسو" بصفته المخول بالحديث باسم الحكومة.
في غضون ذلك طرح استاذ العلوم السياسي بجامعة الازهر ابراهيم أبراش، قواعد إدارية من شأنها معالجة مواطن الخلل، قال إن منها إعادة الهيكلية الشاملة للإدارة الحكومية، وتحديد المهام والمسئوليات والاختصاصات دون تضارب وحسم النزاع على الصلاحيات، إضافة إلى إصلاح الهيكل الوزاري وذلك بدمج الوزارات المتكاملة والمتشابهة في الاختصاصات للرفع من فعاليتها وتدعيم كادرها الفني.
وأكد ابراش في وقت سابق لـ"الرسالة نت" على ضرورة تفعيل هيئة مجلس الوزراء كجهاز مركزي للتنسيق بين السياسات وضمان تكاملها لعدم الخلط بين موضوع الإدارة والسياسة.
أما أستاذ الإدارة بالجامعة الإسلامية ماجد الفرا، رأى أن هناك حاجة ماسة لتحليل عبء العمل داخل الوزارات الحالية وذلك من خلال تشكيل فرق متخصصة، "وبناء عليه يجري إعادة هيكلة الوزارات بما يتناسب مع حجم العمل".
وشدد الفرا -الذي اعد في وقت سابق دراسة حول تطور الهياكل التنظيمية للوزارات الفلسطينية- على اهمية إيقاف اتخاذ قرار التوظيف "ويظل محصورا فقط في وزارتي الصحة والتعليم بحكم حاجتيهما لوظائف فنية بشكل دائم ولكن وفق آلية محسوبة بدقة" كما قال.
وعبر في سياق حديثه لـ"الرسالة نت" عن ضرورة حصر الكوادر المتوفرة وطاقاتها وأعمارها وإمكانياتها التطويرية، ليتسنى وضع برنامج إداري يشمل سيناريوهات ثلاثة:
-تقديم حوافز تشجيعية للحث على التقاعد المبكر، على ان تكون هناك فئتان، واحدة تقاعد اختياري وأخرى اجباري.
-تأهيل الكوادر الموجودة حتى وإن لم تكن هناك حاجة لها وإكسابها مهارات جديدة عبر برنامج متخصص ومن ثم نقلها للعمل في الوظيفة المناسبة.
- العمل على إعادة تسكين الموظفين وفق معايير الشفافية والموضوعية وخلق روح المنافسة وتحسين اجراءات العمل من خلال التكنولوجيا.
وأوضح الفرا ان هذه السيناريوهات تحتاج قرارا سياسيا ولجنة متخصصة للإشراف عليه فقط، قائلاً: "الأمر سهل نسبيا، فقط نحن بحاجة إرادة قوية وقرار سياسي لتلافي أزمة التضخم الوظيفي".