"سكونٌ ومناظر خلابة ومساحاتٍ خضراء جميلة"، هكذا هو الحال في الصباح الباكر، لكن الليل يحمل في جنباته النيران والخوف والقهر في مشهد شبه يومي في منطقة الحدود الشرقية لمدينة خانيونس أو ما يعرف بـ"كيسوفيم" -أخطر خطوط التماس جنوب قطاع غزة مع الاحتلال-.
على تخوم تلك المنطقة يعيش المئات من المواطنين وأصحاب الأراضي الزراعية، والذين يتعرضون للخطر في كل حين، في منطقة أشبه بالجحيم جراء تحركات الجيش "الإسرائيلي" المستمرة هناك.
وشهدت تلك المناطق عمليات فدائية كبرى للمقاومة الفلسطينية، كان آخرها عملية نفق "بوابة المجهول" التي أصيب فيها ستة جنود "إسرائيليين"، من بينهم قائد وحدة عسكرية، حتى تحولت إلى جحيم لهم بفعل البعد الأمني الذي وصلت إليه المقاومة.
العقل العسكري للمقاومة وتكتيكاتها أفشلت محاولات الجيش "الإسرائيلي" لجعل المنطقة "نقاط تماس ميتة"، بتجريف الأراضي الزراعية وتمشيطها بشكل مستمر بحيث يكشف تحركات رجال المقاومة هناك.
تجريف الأراضي
الحاج أبو العبد الأسطل يمتلك منزلًا وأراضي زراعية يقع جزء منها في منطقة لا يسمح له بالوصول إليها نظرًا لمجاورتها الخط الفاصل مع حدود الاحتلال.
الحاج الأسطل -البالغ من العمر 60 عاما- أصيب بجلطة سببت له شلل نصفي في الجسد، بعد أن دمرت جرافات الاحتلال مزارعه، والتي "حرقت الأخضر واليابس" من أرضه التي تبلغ مساحتها 25 دونمًا زراعيًا.
وعلى مسافة ليست بالبعيدة من أبراج المراقبة الإسرائيلية يقطن المواطن محمد فرج شرق بلدة خزاعة بخانيونس، ويقول فرج لـ"الرسالة نت" إنه في حرب حجارة السجيل وفي أي مواجهة مع الاحتلال "لا نستطيع الخروج من المنزل، لكننا لسنا جبناء لبناء ملاجئ والاختباء فهي قد وجدت لأجل الإسرائيليين فقط".
وتمكنت المقاومة من اختراق المنظومة العسكرية الإسرائيلية بتنفيذ عمليات عسكرية عديدة، تمثلت في إطلاق القذائف الصاروخية بالتزامن مع اقتحام استشهاديين للموقع العسكري "كيسوفيم" عام 2012، والتي قتل فيها جنود إسرائيليين من لواء "جولاني".
وجاءت سلسلة العمليات العسكرية للمقاومة الفلسطينية في تلك المنطقة الحدودية كرد على الجيش "الإسرائيلي" الذي يعرّض حياة الآمنين من المواطنين للخطر ويهدد منازلهم وأراضيهم الزراعية، ولتكشف ضعف الاحتلال أمنيا.
المنازل مهددة
وتتعرض منازل المواطنين في تلك المناطق لإطلاق النيران من أبراج الجيش "الإسرائيلي"، فيما يُعبّر الشاب فرج عن حجم الخوف نتيجة ذلك بقوله، "الأطفال يعيشون حالة من الرعب الشديد عند سماع إطلاق النار وصوت الدبابات والجرافات الإسرائيلية".
وكأننا نعيش لحظات فيلم قتالي يعود الحاج الأسطل ليصف لـ"الرسالة نت" إحدى المواقف التي تعرض لها بقوله، "نجوت بأعجوبة بعد أن اختبأت في محاصيل القمح هربًا من جنود الاحتلال الذين حولوا الأراضي الزراعية إلى ساحة حرب ذات مرة وقتلوا جاره المزارع"، في مشهد مأساوي آنذاك.
"لو دمروا أرضي وحرقوا محاصيل الزراعة كل يوم لن أتركها وسيعمّرها أحفادي ويتجذروا فيها كما النخيل"، يختم الستيني حديثه بالإصرارٍ على البقاء والثبات في أرضه، داعيا كل فلسطيني وطني ألا يتخلى عن أرضه لأنها كالعرض ومن يفرط بها كأنما فرط بعرضه.