يمضي شهر شعبان هذا العام صعبًا على عائلات الأسرى المضربين عن الطعام في مدينة نابلس، والتي عرفت بتمسكها بعادة "الشعبونية" التي ورثوها من الأجداد عبر عشرات السنوات.
وتحرص العائلات النابلسية على إقامة طقوس الشعبونية، بدعوة رب الأسرة لنساء العائلة كبناته وشقيقاته وخالاته وعماته لتناول طعام الغداء في أحد أيام شهر شعبان، في مقصد لتوطيد صلة الرحم والعلاقات الاجتماعية بالعائلة.
إلا أن عائلات الأسرى المضربين، اختاروا المكوث في خيمة الاعتصام المقامة على ميدان الشهداء، وامتنعوا عن إقامة الشعبونية تضامنا مع أبنائهم المضربين عن الطعام للشهر الثاني على التوالي.
عائلة الأسير بهاء يعيش (54 عاما)، قررت للعام الثاني على التوالي عدم الدعوة للشعبونية في منزلها، أو تلبية الدعوات لها، في ظل الاعتقال الإداري المتواصل له منذ تاريخ 3/2/2013.
وتقول أم صهيب زوجة الأسير يعيش لـ"الرسالة نت": "هذه السنة الثانية التي لم نقم فيها الشعبونية، ففي العام الماضي كان زوجي معتقلا، وهذا العام هو معتقل ومضرب عن الطعام وبوضع صحي صعب جدا، حتى الوجبات الاعتيادية كل يوم لا نستطيع تناولها".
وتضيف: "كان أبو صهيب يدعو كل عام أخواته وخالاته وعماته للشعبونية، في جو يملؤه الفرح بجمعة العائلة، لكن منذ عامين نفتقد الشعبونية في غيابه".
وأشارت أم صهيب إلى أن زوجها يعاني من آلام حادة في الظهر بسبب الديسك والغضاريف، والتي تزايدت بسبب تقييده في السرير بالمستشفى طوال اليوم، عدا عن معاناته من مرض السكري، وتقدم عمره، لافتة إلى أن المحامي أبلغها بأن زوجها فقد الكثير من وزنه وأن وضعه الصحي خطير جدا.
الحاج أبو محمد، والد الأسير أنس جود الله من نابلس، والذي يتخذ من خيمة الاعتصام بيتا وملجئًا يحتوي ألمه منذ إضراب ابنه عن الطعام منذ شهرين، حتى أنه أغلق مكان عمله، ليكون متواجدا بالخيمة طوال الوقت.
ويقول أبو محمد: "حياتنا انقلبت رأسا على عقب وكل أيامنا صعبة منذ بداية الإضراب، وفي شهر شعبان تحديدا، كان أمرا طبيعيا أن نلغي الشعبونية التي نعتبرها عادة أصيلة نتمسك بها منذ عشرات السنين".
يحتضن صورة ابنه أنس بين ذراعيه، وكأن الصورة تتنفس وتسلي قلبه الملوع، ويكمل حديثه لـ"الرسالة نت": "كلما جلسنا على مائدة الطعام نستذكر ابني والأسرى المضربين، فكيف لنا أن ندعوا لعزائم شعبان التي هي بطقوسها يملؤها الفرح، كل لحظة وكل وجبة نتناولها بالمنزل يكون هناك غصة في قلوبنا".
ويصر أبو محمد رغم كبر سنه على الصيام منذ نحو أول أيام الإضراب في السجون، ويقول: "لا أجد لذة للطعام وأنا أعلم أن ابني يتضور جوعا، فقررت الصيام لوجه الله تعالى، وتضامنا مع ابني ولأشعر بما يشعر به في لحظات جوعه وألمه".
وأشار جود الله بأن كل العائلة لم تدع لشعبان هذا العام، وأضاف:" ألمنا واحد وهمنا واحد، أنس واحد من أولادهم، وهو ابن الشعب كله، وإحساس الشعب يجب أن يكون موحدا ومتصاعدا".
ورغم عدم دعوته قريباته للشعبونية إلا أن أبو محمد يحرص على صلة رحمه خلال هذا الشهر، قائلا:"الشعبونية هي عادة درجت في مدينة نابلس وليست عبادة، إلا أننا نتقرب إلى الله أيضا بها، فنصل أرحامنا ونتفقدهم".
أما ابنُه ياسر جود الله (22 عاما) فقال لـ"الرسالة نت": "لم نقطع عادة الشعبونية أبدا في السابق، هي مناسبة سعيدة جدا تجمع كل العائلة على وليمة الغداء، في جو أشبه بالعرس، لكن هذا العام قررت العائلة عدم إقامتها حتى يفرج عن أخي أنس".
ويضيف: "لا مكان للفرح في بيتنا وأخي ملقى على سرير المرض ويضرب عن الطعام للشهر الثاني على التوالي، وندع الله بأن يخرج لنقيم الأفراح والولائم بحضوره".
عائلة الصحفي محمد منى من نابلس أيضا، والتي كانت تحرص على إقامة طقوس الشعبونية مع مطلع شهر شعبان من كل عام، فقد اختارت الاعتصام بالخيمة، ولم تدع لها، كما أن أنباء العائلة لم يلبوا الدعوات التي وجهت لهم بمناسبة "الشعبونية".
وتقول سوسن أبو العلا، زوجة محمد لـ"الرسالة نت": "الشعبونية تعني لعائلتنا الكثير، هي مناسبة لجمعة العائلة، وتناول أشهى الأطعمة والحلويات، لكن هذا العام وبشكل تلقائي مع دخول الأسرى بالإضراب امتنعنا عنها".
وتضيف: "كان وجود محمد في الشعبونية يعطيها بهجة وجوا مميزا، هو يحب جمعات العائلة، فهو إنساني اجتماعي جدا، الجمعة بوجوده كانت مليئة بالضحكات والفرح، لكن بغيابه لا شيء له طعم، وغيابه عنا في هذه المناسبات صعب جدا".
وأشارت سوسن إلى أن نساء العائلة امتنعن أيضا عن تلبية دعوات الشعبونية التي وجهت لهن من أقاربهن تضامنا مع محمد وعائلته.
ولأن خيمة الاعتصام باتت مسكنهم، قالت سوسن: "أضحت الخيمة هي عنواننا الدائم، كل من يريد أن يزورنا يأتي إلى هنا، ومن كان يشاركنا شعبان في العزائم، يأتي للخيمة ويتضامن معنا".
وكانت الشعبونية قديما لدى العائلات في نابلس تتم باستضافة رب الأسرة لبناته وشقيقاته وخالاته وعماته في بيته للمبيت ثلاثة أيام، يقيمون فيها الولائم والكنافة النابلسية، في أجواء من الفرح، إلا أنها ومع تغير الأوضاع الاقتصادية والمعيشية باتت تقتصر على دعوة لتناول طعام الغداء والكنافة لدى الكثير من العائلات.