مضى ثلاثة عشر يوما على أسر الجنود الثلاثة بحسب الرواية (الإسرائيلية) دون أي معلومات أو دلالات تشير إلى أماكن تواجدهم حتى اللحظة، ما يعني أن العملية لا تزال تشكل لغزا كبيرا يصعب حله على (الإسرائيليين) والفلسطينيين على حد سواء.
ويؤكد جغرافيين وعسكريون أن وعورة الضفة المحتلة عموما ومدينة الخليل خصوصا تمثل نقطة قوة بيد "الآسرين" وقد تمكنهم من الاحتفاظ بالجنود لمدة طويلة دون العثور عليهم.
عدة سيناريوهات طرحتها "الرسالة" في تقريرها للاماكن التي قد يتوجه لها "الآسرون"، ومدى إمكانية الاحتفاظ بالجنود في ظل الوضع الأمني الصعب في الضفة.
طبيعة مساعدة
ويدل الفشل في العثور على المفقودين على دقة تخطيط المنفذين، وفشل السيطرة الأمنية (الإسرائيلية) على الضفة.
استاذ الجغرافيا الطبيعية والبيئية المساعد د. نعيم بارود قال: إن الضفة ذات تضاريس معقدة وابعاد جغرافية مترامية الأطراف حيث تبلغ مساحتها 5655 كم2، ما يمثل 23 % من مساحة فلسطين التاريخية، مشيرا إلى أنها تتنوع ما بين تلال وجبال واودية "وهذا الامر يخدم عملية الاسر في حالة صحة الرواية (الإسرائيلية).
وعن الخليل، أوضح إنها متباعدة الأطراف وتبلغ مساحتها أكثر من ثلاثة أضعاف قطاع غزة وهي ذات طبيعة جبلية وتضاريس معقدة، كما أن أبعادها المترامية وطبيعتها الصحراوية من ناحية الشرق والتي تخلو من العمران ودوريات الجيش تسهل التنقل والحركة والمناورة للآسرين.
ووفق بارود فإن الخليل تعد المنطقة الجبلية الاكبر في الضفة فهي عبارة عن منطقة جبال تمتد من شمال نابلس مرورا برام الله والبيرة والقدس وبيت لحم وصلولا للخليل، منوها إلى أنها ترتفع من 500 لـ900 متر.
وكدلالة على وعورة الخليل وإمكانية الاحتفاظ ب"المأسورين" في الضفة، فشلت القوات (الإسرائيلية) في اكتشاف مخابئ 4 مجموعات فدائية فلسطينية عام 68 وحتى عام 74 علما ان المجموعات الاربع هي من تلاعبت في حينها بالإسرائيليين.
كما أن العديد من المطاردين نجحوا في الاختفاء لسنوات طويلة ، رغم أن عملهم كان يقتضي الحركة والاجتماع الدائم، والمشاركة في عمليات .
سيناريوهات عدة
أما الخبير العسكري العقيد يوسف الشرقاوي فتحدث عن جهد استخباراتي مكثف ومرعب في الضفة غير منظور، مبينة ان الخليل تحولت الى سجن كبير.
وقدّرت مصادر أمنية (إسرائيلية) أن عملية الاسر نفذت بحرفية كبيرة، حيث نقلت صحيفة "هآرتس" عن المصادر قولها إن منفذي العملية مطلعون جيداً على أساليب عمل "الشاباك" والجيش، ونجحوا في تجنب أخطاء كانت ستؤدي إلى اعتقالهم سريعاً.
الصحيفة أشارت إلى أن التقديرات تفيد أن منفذي العملية "خلية صغيرة لا تثير ضجة ولا تجري مفاوضات".
وقالت إن ضباطاً كباراً في الجيش و"الشاباك" يرجّحون أن المستوطنين موجودون في جنوب الضفة، "من دون استبعاد احتمال نقلهم إلى مدن أخرى، لكنهم يرون أن احتمال تهريبهم إلى غزة أو سيناء أو الأردن ضئيل"، وكذلك طرح سيناريو توزيع الثلاثة على عدة مخابئ.
وتعد مستوطنة "غوش عتصيون" التي نفذت فيها العملية كتلة استيطانية كبيرة تقع على اراضي بيت لحم، وتقع في الناحية الجنوبية الغربية لمنطقة القدس وتتميز بطبيعتها المعقدة.
وحول السيناريوهات المطروحة في حركة "الآسرين" استبعد بارود نقلهم الى غزة قائلا: اقرب نقطة ما بين غزة والخليل على بعد 80 كم ، مشيرا إلى أننا كلما اتجهنا من بيت حانون باتجاه الشمال الشرقي فإن طبيعة الأرض الصخرية تقف عائقا أما حفر أنفاق في تلك المنطقة.
وأوضح أن النقل فوق الارض صعب ومستبعد نتيجة الكثافة الأمنية ووجود الثكنات العسكرية التي تراقب الحدود عن طريق كاميرات ومناطيد.
أما الاتجاه شمالا ناحية سوريا ولبنان فعده بارود صعبا لبعد المسافة التي تتجاوز 250 كم خاصة وان المأسورين الثلاثة يصعب التنقل بهم بسهولة، كما أن توجد تجمعات أمنية للاحتلال في الجليل والناقورة.
ويرى أن منطقة السبع جنوبا يمكن ان تخدم وتمثل أحد السيناريوهات المطروحة التي يمكن للآسرين الاعتماد عليها خاصة وان الخليل تنحدر انسيابيا باتجاه الجنوب ، موضحا ان منطقة بئر السبع سهلية ومفتوحة يمكن ان يتحرك بها "الآسرون" بأريحية، معبرا أن السيناريو الأفضل هو الاحتفاظ بهم في جبال الخليل والتي تحوي كهوفا من الصعب الاستدلال عليها.
إدارة فاشلة
وعن طبيعة السكان في مدينة الخليل، ذكر بارود أن سكانها هم اصحاب الأرض وعائلاتها تمتد إلى اعماق التاريخ، لذا فهم يعرفون المنطقة ومخارجها.
اما الشرقاوي فيخشى ان تنتهي عملية "الاسر" ككل العمليات بقتل الجنود بسبب سوء التقدير من الجانب (الإسرائيلي) او ضعف إمكانيات "الآسرين".
وتشير تحليلات عسكرية إلى أنه في حال زادت الضغوط على المجموعة "الآسرة" فستقوم بقتل المستوطنين ودفنهم في أماكن بعيدة وبذلك تتخلص من امكانية كشفها وبالتالي يصبح بإمكانها التحرك بسهولة مع امكانية اتمام التبادل بجثث المستوطنين.
وينتقد الشرقاوي القيادة الفلسطينية كونها لم تستطع إدارة العملية، خاصة وانها تمثل فرصة لفتح العديد من الملفات العالقة، متسائلا "هل تفتقد السلطة التجربة أم أنها تملك التجربة لكنها لا تريد أن تعمل بها وهذا يشكل مصيبة أكبر؟
وذكر الشرقاوي السلطة بأسرى ما قبل أوسلو والتي وعدت بالإفراج عنهم ، قائلا: كان على القيادة المطالبة بهم على الأقل مقابل مساعدة الاحتلال في عملية البحث لحفظ ماء وجهها لكن السلطة غير قادرة على إدارة الملف فكيف ستنقلنا لمرحلة التحرر؟.