رام الله - لمراسلتنا
" يا فلسطين احنا عشقنا الشهادة.. واحمد ياسين ورثنا منه الإرادة" كانت آخر كلمات سمعها ذاك الشاب الملتحي أثناء تصفحه لشبكة الإنترنت في غرفة نومه قبل أن تختطفه أيادٍ لم يرق لها أن يلصق خالد صورة من يراه قدوة له على جدارن غرفته، فتلك الصورة التي طالما باهى أصدقاءه بها أمست اليوم سبباً في تعليقه على جدران سجون السلطة معصوب العينين مقيداً لم يرتكب جرماً غير ذلك.
هي المشاهد هكذا في الضفة المحتلة وربما أفظع، وما تنهدات خالد إلا أكبر شاهد على ما تحولت الحياة إليه في ضفة العياش وأبو هنود والشريف وعوض الله، فأنشودة "عرس القيادة" التي تعلّق قلبه بها وبات يرددها بتمتماته حين يقوم بأي شيء أصبحت اليوم شيئاً يذكّره بذاك اليوم الذي بدأت فيه خلاياه تتداعى تحت رحمة سياط أجهزة السلطة.
ويروي خالد بنبرة رتيبة:" كنت أجلس في غرفتي وأستمع إلى أنشودتي المفضلة، وعندما وصلت إلى المقطع المفضل (يا فلسطين احنا عشقنا الشهادة.. واحمد ياسين ورثنا منه الإرادة.. فينا إصرار ما تعبنا وما كلّينا..) وإذا بطرقات تكاد تكسر الباب من شدتها، فاعتقدنا أنهم جنود الاحتلال، وفتحت أمي باب المنزل وإذا برجال ضخام البنية يرتدون الزي المدني ويحملون الأسلحة يسألون عني، ولم تكد تتفوه بكلمة واحدة حتى دخلوا البيت دون إذن وبكل قسوة شرعوا بتفتيش غرفه".
تهمة!
وعند الوصول إلى غرفة خالد بدت ملامح الرجال أولئك -إن صحت تسميتهم كذلك- سعيدة جداً وكأنهم وجدوا الغنيمة، فإذا بأحدهم ينقض على جدران الغرفة ويمزق بوحشية صورة للشيخ القعيد وصوراً أخرى للرنتيسي، ثم نظر إلى خالد نظرة تهديد وكأنه يتوعده بعقاب على ما اقترفت يداه!
وهي بضع دقائق حتى تحولت غرفة خالد من حجرة عادية لشاب ذي ميول إسلامية، إلى غرفةٍ تتناثر فيها بقايا صورٍ لقادة تشبعت الأرض بكراماتهم، وتدوس فيها أحذية رخيصة على كلمات التوحيد المزينة لراية توحيد صغيرة كان احتفظ بها لسنوات، وإلى غرفة خالية من صاحبها الذي اقتيد مكبلاً بين تلك الأجساد منتَزعاً من بين عائلته.
وتبدأ هنا حكاية رمي التهم الملفقة بحق خالد، فبدأت هذه من "حيازة صور ممنوعة" إلى "مناصرة تنظيم محظور" إلى "الخطر على أمن الوطن"، وأي وطن هذا الذي باعوه في مزاد التفاوض أكثر من مرة؟!
ويتابع الشاب:" بعد اختطافي تم اقتيادي داخل سياراتهم، وقاموا بصفعي عدة مرات أثناء الطريق إلى السجن، وعند وصولي أبقوني في غرفة لمدة يوم كامل وحدي، ثم أدخلوني إلى التحقيق وبدأت جلساته حول انتمائي والصور التي كنت أعلقها في غرفتي، وحول أصدقائي ومعارفي، وعند نهاية كل جلسة يعيدونني إلى الشبح مرة أخرى، ومكثت عدة أشهر ذقت فيها عذاباً لم أذقه في سجون الاحتلال".
الشيخ.. محظور
ورغم جهاده الذي تشهد فيه شعوب الأرض من الشرق إلى الغرب، وكلماته التي ما زالت نبراساً تضيء سماء فلسطين وتنير طريق المجاهدين، إلا أن بقايا أزلام أوسلو حولوه إلى شخصية محظورة في الضفة لا يجوز لأحد ممن تعلقوا بنهجه أن يرفع صوره أو يعتز بكلماته أو يفخر به.
ولا تنسى عقول أبناء هذه الأرض المكلومة كيف داست أقدام أولئك صور الشيخ في عدة مكاتب تابعة لحركة حماس، وكيف أمعنوا في شتمه وشتم قادة الحركة الآخرين الذين ارتقوا شهداء في زمن أمسى فيه الشاتمون يداً يمنى للاحتلال في قتل أشقائهم واعتقالهم وتعذيبهم.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل يسري الكذب في عروق قادة السلطة وأجهزتها، ليتهموا أبناء الإسلام بترك طريق الشيخ ياسين ويبدأون في مدحه كذباً وطمعاً في أصوات المواطنين كلما دق ناقوس الانتخابات في أي معهد أو كلية أو جامعة أو نقابة، وتراهم يرفعون صوره نهاراً ويدوسونها بأحذيتهم ليلاً، ويمدحونه نهاراً ويشتمونه ليلاً، ويتباكون على أيامه نهاراً ويحتقرونه ليلاً، متناسين أن للظالم يوماً لا بد من آتٍ.