"إن لم تستحي فافعل ما شئت "مثل شعبي ينطبق تماما على الأجهزة الأمنية في الضفة، التابعة لسلطة رام الله التي تصعد من هجمتها ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية, فلم تتوقف سياسة الاعتقالات والملاحقات اليومية بحق المقاومة ومؤيديها، وتحديدا أبناء حركة حماس. آخرها كان منع مسيرة في مدينة الخليل خرجت للتضامن مع قطاع غزة.
عناصر تلك الأجهزة أقدمت على قمع المسيرة فور انطلاقها الجمعة الماضية, كما اعتدت بالضرب على المشاركين، بينهم نساء واعتقال عدد منهم.
اجهاض
منذ اليوم الأول لعدوان الإسرائيلي غزة اشتعلت في الضفة مواجهات عنيفة مع الاحتلال من ناحية، وأجهزة أمن السلطة من ناحية أخرى، بدأت من الخليل وخرسا وبيت أمر ومخيمي العروب والفوار وضواحي القدس، ومخيم الجلزون وشمال مدينة رام الله ونعلين وسلفيت.
حرارة هذه المواجهات لم تعجب الأجهزة الأمنية التي لا ترغب في توتير الأجواء وتضامن الكل الفلسطيني بالضفة مع ما تتعرض له غزة من هجمات اسرائيلية تحرق الأخضر واليابس.
التصدي لمسيرات التضامن مع غزة في الضفة يعطي مؤشرا -كما يرى مراقبون- أن أمن السلطة يريد ضفة مسالمة هادئة تتعاطف كلاميا مع غزة، دون نزول الجماهير إلى الميدان، والتعبير عن غضبه بقوة.
اعتداءات أمن السلطة على فعاليات التضامن مع غزة برأي الكاتبة لمى خاطر، يأتي في سياق اجهاض انتفاضة مستمرة في الضفة, معللة ذلك بالقول: "القمع من شأنه إرسال رسالة للشعب بأن تكلفة التحرك غالية وستصطدم بجدار السلطة".
ما تخشاه السلطة وفقا لخاطر خلال حديثها مع "الرسالة نت" أن يؤدي الحراك والمظاهرات إلى عودة مشروع المقاومة في الضفة، الأمر الذي تراه قيادة رام الله، يهدد بقائها ووجودها، لاسيما أن استمرارها مقرون بحفاظها على حالة الأمن المطلق في الضفة، أي أمن الاحتلال .
ملف التنسيق الأمني بين السلطة و(إسرائيل) لا يزال من أكبر المسائل التي تشغل بال الفلسطينيين، وتثير تساؤلات كثيرة وضغائن بين الفلسطينيين أنفسهم.
قمع ومنع
تكرار اعتداءات أمن السلطة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها الساحة الفلسطينية سيفضي كما تؤكد خاطر، إلى مواجهات بين الشباب الغاضب والسلطة. وهذا ما حدث فعليا في أكثر من مدينة بالضفة خلال الفترة الماضية, التي كان يمنع شبابها الفلسطيني من التعبير عن غضبه اتجاه الاحتلال، ليشتبك تلقائيا مع أي قوة تمنعه من ذلك.
سلوك هذه الأجهزة الأمنية لم يقف عند سقف القمع والمنع خلال السنوات الماضية، بل قفز إلى انتهاج سياسة الاعتقال بحق كل مواطن يعلن انتمائه للمقاومة الفلسطينية، خاصة حماس.
وكانت الإذاعة العبرية قد كشفت عن تعهد قدمته السلطة وأجهزتها الأمنية إلى (إسرائيل) وأمريكا، ببذل أقصى الجهود من أجل تهدئة الأوضاع في الضفة؛ خشية الانفجار.
ملوثة بالعمالة
البيئة التي تعمل فيها المقاومة هناك، ملوثة بالعمالة والتنازل، وهي وصفة كافية لخراب أي مشروع مقاوم ضد الاحتلال، الذي لا يزال ينسق أمنيا مع أجهزة السلطة. هذا ما أكدته خاطر، التي شددت على أن المقاومة لكي تبدع في الميدان، يجب أن يتوفر لها بيئة أمنية وسياسية نظيفة.
وكانت خاطر قد روت خلال مشاركتها في مسيرة التضامن مع غزة بمدينة الخليل الجمعة الماضية, أن الضابط المسؤول عن قمع المسيرة قال لهم "إن محافظ الخليل أمرهم بألا يدعوا أحدا ينزل إلى الشارع ويتضامن مع أحداث غزة". وعلّقت على ذلك قائلة: "العجيب أن نفس المحافظ يأمر الأجهزة الأمنية بالاختباء أمام جيش الاحتلال ومستوطنيه"!
هذه المواقف الصادرة عن الأجهزة الأمنية تؤذي المقاومة وتعطل تصاعد الحراك الشعبي ضد أي جريمة اسرائيلية ترتكب بحق الفلسطينيين، لكنه في المقابل يضعهم في المكان المناسب لهم أمام شعبهم.
المحلل السياسي أسعد العويوي من الخليل, يؤكد أنه ليس من حق أي جهة كانت كبح جماح أي مواطن نزل إلى الشارع ليعبر عن تضامنه مع شعبه.
ويوضح العويوي لـ"الرسالة نت" أن حالة الإرباك وعدم الاتزان التي تعيشها أجهزة أمن السلطة، السبب وراء ما تقترفه من ممارسات واعتداءات تطال أبناء المقاومة والكل الفلسطيني، مطالبا بعدم السكوت على هذه التصرفات "خشية تحول الضفة إلى بؤرة للاحتكاك والمواجهات المتواصلة بين الشبان وتلك الأجهزة".
وهذا ما جرى حديثا، حين أقدم شبان على رشق مراكز أمن السلطة في الخليل بالحجارة والزجاجات الحارقة؛ تعبيرا عن غضبهم لعدم السماح بالتضامن مع غزة، على ما أفاد شهود عيان.