قائمة الموقع

مقال: مبادرة التهدئة.. ولدت ميتة

2014-07-17T17:33:17+03:00
د. عدنان أبو عامر

بخلاف الحربين السابقتين اللتين شنتهما إسرائيل على غزة عامي 2008، 2012، لم تظهر مصر تحمساً على وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في العدوان الحالي 2014، في ضوء توتر علاقتها بالحركة،

حتى أن بعض الأوساط تحدثت عن رغبتها بتوجيه ضربة عسكرية لحماس، وسربت أنباء زيارة قام بها مدير المخابرات العامة المصرية لإسرائيل قبيل ساعات من اندلاع العدوان الحالي.

وفور اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة يوم 7/7، بقيت الدبلوماسية المصرية صامتة، حتى ان خطاب السيسي في ذكرى حرب العاشر من رمضان في اليوم الثاني من حرب غزة، لم يتطرق إليها البتة، وهو ما فسرته بعض دوائر صنع القرار في غزة بأنه يعطي الإسرائيليين فرصة من الزمن للإجهاز على حماس.

لكن إطالة أمد الحرب أكثر من أسبوع لم يرق لصانع القرار المصري، بعد أن بدت يد حماس العليا في المواجهة، وبلغ مدى صواريخها 160 كلم، ونفذت عمليات ضد آليات عسكرية على حدود غزة، وعملية كوماندوز بحرية على شاطئ عسقلان، وإرسال طائرات من دون طيار لأجواء إسرائيل، وواصل سلاح الجو الإسرائيلي ارتكاب مزيد من المجازر بحق الفلسطينيين،دون أن يعثر على "صورة انتصار" يخرج بها للرأي العام.

•تفسير النصوص

هنا بدأ الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي لمحاولة وقف إطلاق النار، بدأته واشنطن مع تل أبيب، وأنقرة والدوحة مع حماس، واكتفت القاهرة بالمقعد الخلفي، لأنها لا تريد التواصل مباشرة مع حماس، ما يعني تراجع الدور المصري في الملف الفلسطيني، وهي انتكاسة مبكرة للدبلوماسية المصرية بزعامة السيسي.

لكن مساء الأحد 13/7، شهد إعلان وزارة الخارجية المصرية، مبادرة للتهدئة بين حماس وإسرائيل، عبر دعوتها لوقف فوري لإطلاق النار، مما يشير لمساواة القاهرة بين الجانبين، رغم أن إسرائيل بدأت العدوان باغتيال 6 من كوادر حماس مساء الأحد 6/7 في رفح، وجاءت صواريخ القسام كرد فعل على هذا الخرق الإسرائيلي للتهدئة السابقة.

وطالبت المبادرة المصرية الجانبين بوقف جميع الأعمال العدائية (Hostilities) برا وبحراً وجواً، وعدم تنفيذ إسرائيل لعمليات اجتياح برى لغزة أو استهداف المدنيين، وإيقاف حماس لإطلاق الصواريخ، والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين، وهذا تعريف مصري جديد لأعمال المقاومة الفلسطينية بأنها "عمليات عدوانية" وهو تعريف إسرائيلي، مما يستحق التوقف، لأن مصر تريد من الفصائل الفلسطينية التوقيع على نص يعتبر مقاومتهم المشروعة عملاً عدائياً.

وجاء البند الثالث للمبادرة المصرية عائماً فضفاضاً حول فتح المعابر للأشخاص والبضائع، حين رهنها باستقرار الأوضاع الأمنية على الأرض، وهي الذريعة التي تعلنها إسرائيل كلما ضيقت على الفلسطينيين، وكأنه تبني مسبق للموقف الإسرائيلي، لكن ما لم تعلنه المبادرة المصرية بصورة صريحة، وأبقته ضمنياً مصير معبر رفح، الذي مضى على إغلاقه حتى كتابة هذه السطور عدة أشهر، باستثناء أيام معدودة كل شهر، مما رفع عدد الفلسطينيين العالقين في غزة لما يزيد عن 15 ألف بين: طالب جامعي، ومريض، وصاحب إقامة في الخارج.

المثير في المبادرة المصرية ما جاء تحت عنوان "أسلوب تنفيذ المبادرة" بإعلانها صباح يوم 15/7/2014 لبدء التهدئة، وهو ما لاقى استهجاناً من قبل القوى الفلسطينية المسلحة في غزة، التي أكدت أنها علمت بالمبادرة من الإعلام دون أن يتصل المصريون بها، مما يعني تجاهلاً غير مبرر لها من جانب، ومن جانب آخر فإن هذه الإعلانات السياسية الكبيرة لابد أن يسبقها تفاهمات على سياقاتها وحيثياتها، فضلاً عن تفاصيلها، حتى لا تظهر الشياطين لاحقاً بعد فوات الأوان.

الواضح أن البنود الواردة في المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار 2014، هي ذاتها بنود تهدئة 2012، التي لم تلتزم بها إسرائيل، واندلعت الحرب الحالية لأنها خرقتها عشرات المرات سواء ما تعلق بالتضييق على صيادي غزة من الصيد في البحر المتوسط، او توسيع المنطقة العازلة شرق حدود غزة، أو التحكم المزاجي بالبضائع الواردة عبر معبر كرم أبو سالم، وكأن لسان حال حماس إذا أقرت المبادرة الحالية بعد كل هذه الدماء والضحايا في الحرب المشتعلة في غزة: "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"!

ما لفت انتباه كاتب السطور أن الحكومة الإسرائيلية دعت لاجتماع طارئ على غير العادة صباح الاثنين 15/7، لبحث المبادرة المصرية، بالتزامن مع زيارة "جون كيري" رئيس الدبلوماسية الأمريكية لإسرائيل في ذات اليوم، وفي نفس الوقت عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً في القاهرة لبحث العدوان على غزة، بعد تأخر دام أسبوعاً كاملاً، وهو ما يعطي مصداقية للتحليل السائد بأن تزامن كل هذه اللقاءات والزيارات ليس أمراً عفوياً، بل تضمن إنضاج المبادرة المصرية على نار هادئة.

•  رفض حماس

عند مغادرة الحديث عن نصوص المبادرة المصرية، ومحاولة تفسيرها، يمكن الانتقال إلى السياقات السياسية والزمنية لإطلاقها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1-     ظهور يد حماس العليا في المواجهة الدائرة مع إسرائيل، بإبدائها صمودا لم تتوقعه مصر بعد إلقاء ما يزيد عن ألف طن من المتفجرات على غزة، واستشهاد ما يقرب من 200 فلسطيني وإصابة ما يزيد عن 1400 آخرين،

2-     عجز إسرائيل عن الخروج بصورة انتصار في نهاية الحرب، كاغتيال قيادي كبير في حماس، أو وقف إطلاق الصواريخ، مما أفسح المجال لتبادل الاتهامات داخل الأوساط الإسرائيلية، ومنح حماس صورة الانتصار المتمثلة بإجبار 5 مليون إسرائيلي على البقاء في الملاجئ،

3-     ظهور جهود إقليمية حثيثة من أطراف لا تحتفظ بعلاقات ودية مع مصر، فضلاً عن توتر يطغى على علاقاتهم، وأعني قطر وتركيا، حيث دخلتا بقوة في مباحثات التهدئة بناء على طلب أمريكي، في ضوء احتفاظهما بعلاقات وثيقة مع حماس،وتخوف مصر ان يخرج الملف الفلسطيني من احتكارها الحصري.

يبقى السؤال الأهم عن موقف حماس من المبادرة المصرية، الذي لم يتأخر كثيراً، حيث أعلنت الحركة أنها لم تتسلم أي مبادرة متكاملة، ورفضت أي وقف لإطلاق النار دون تحقيق المطالب الوطنية برفع الحصار، وفتح المعابر، ووقف استباحة الضفة الغربية، وإطلاق سراح أسرى صفقة التبادل الذين اعتقلوا مؤخراً.

مع العلم أن حماس ليس لديها فيتو على الوساطة المصرية لإبرام التهدئة مع إسرائيل، لكن نقطة الضعف التي واكبت جهود مصر خلال العامين الماضيين منذ تهدئة 2012، أنها لم تستطع إلزام إسرائيل ببنود التهدئة، من خلال عدم توفر ضمانات تمنعها من التلاعب بها، بحيث تتمسك بما يناسبها من حقوق، وتهمل ما عليها من واجبات، حتى أن اعتقالها للأسرى المحررين في صفقة التبادل الشهر الماضي، لم تواجه بأي رد فعل مصري، رغم أنها رعت هذه الصفقة.

أخيراً...من الواضح ان المبادرة المصرية بحاجة لمزيد من الإنضاج حتى تلقى قبولاً نسبياً من مختلف الأطراف، تحديداً حماس وإسرائيل، وقد تواصل حماس إطلاق الصواريخ، وكأن شيئاً لم يتغير، حتى لو أوقفت إسرائيل النار من طرف واحد كما حصل عقب حرب 2008، مما يحمل في بذوره تصعيداً للحرب من جديد مع إسرائيل من جهة، ودخول حماس ومصر في مرحلة توتر أكثر من ذي قبل، لأن الحركة ستبدو كما لو كانت تدير ظهرها للقاهرة.

 

اخبار ذات صلة