رفح- هادي إبراهيم "الرسالة نت"
يشعر فلسطينيون كثر أن القنوات الأرضية الواصلة بين قطاع غزة والأراضي المصرية ساهمت في إفشال سياسة الحصار التي فرضها العدو الصهيوني منذ صيف العام 2007.
وباتت "الأنفاق" أحد أهم مرتكزات الحياة في قطاع غزة بعدما استطاع الفلسطينيون أن يجلبوا من خلالها السلع والبضائع والمواد الإنشائية والصناعية التي غيبت جراء إغلاق المعابر من قبل (إسرائيل).
وبعد مرور ألف يوم على الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة، أثبتت أنفاق رفح الحدودية جدارتها في إفشال المخطط الإسرائيلي بإخضاع الشعب الفلسطيني.
وتعرضت الأنفاق خلال الحرب الصهيونية قبل خمسة عشر شهراً إلى مئات الغارات التي نفذتها طائرات حربية إسرائيلية من نوع أف 16 وطالت مئات القنوات الأرضية الرابطة بين قطاع غزة ومصر.
وخلال العام الجاري باتت الأنفاق إحدى أهم الركائز التي من خلالها يستطيع السكان أن يسيروا حياتهم لدرجه أن أحد العاملين على الحدود ويدعى محمد منصور يقول: "شكراً للصهاينة الذين أغلقوا معابر القطاع وجعلونا نفتح مئات المعابر من تحت الأرض".
لكن الفلسطينيين شعروا بأن الأرض تتحرك من تحت أقدامهم عندما كشف أمر الجدار الفولاذي الذي شرعت السلطات المصرية في تشيده خلال الخريف الماضي دون أن تعرف نتيجة هذا الجدار على مستقبل الأنفاق حتى الآن.
الحصار والأنفاق
ويقول أبو حسام أحد أصحاب الأنفاق: "طول ما الحصار مستمر الأنفاق راح تشتغل ومش راح تسكر مهما عملوا.. الناس بدها توكل وتعيش وما في غير هالطريق".
ويعلق الرجل الخمسيني على مرور ألف يوم للحصار على غزة قائلاً: "بعد دخولنا في السنة الرابعة للحصار أثبتت الأنفاق أنها أفشلت مشروع الحصار على غزة ومحاولتها المستمرة لإخضاع الشعب الفلسطيني".
ويضف أبو حسام الذي فضل ذكر كنيته فقط لـ"الرسالة": "الحصار على غزة لم يفرض بين يوم وليلة بل عمل الاحتلال الإسرائيلي على فرضه عبر مراحل متفرقة ليثبت الوضع على ما هو عليه الآن بل ويزداد الاختناق الذي يعاني منه القطاع".
ويشير الرجل الذي كان يوجه العاملين لديه بأن ينهوا عملهم بسرعة خشية التعرض للقصف الإسرائيلي إلى أن الأنفاق لعبت دوراً هاماً في محو تفاصيل الخطة التي وضعتها (إسرائيل) لخنق الشعب الفلسطيني في غزة.
ويوضح أنه لا أحد ينفي أن الحصار بعد مرور العام الأول عليه كان ذو أثر كبير على كافة الأطر في قطاع غزة نظراً لاكتظاظه بالسكان ونقص الموارد التي يحتاجها المواطن الغزي لمتابعة حياته اليومية.
ويؤكد أبو حسام أنه بعد مرور العام الأول وانتشار العمل داخل الأنفاق أصبح الوضع مختلف كلياً فتزود القطاع بكل الموارد التي يحتاجها وأصبحت البضائع التي يحتويها القطاع في أسواقه أرخص ثمناً مما في بلدها الأم.
وأضاف :" على الرغم من أن العديد من التجار لا يهمهم جودة البضائع أو نوعيتها بل ما يهمهم هو الربح المادي فقط إلا أن هذا لا يعني انخفاض معدل المواطنين على تلك البضائع بل ازداد إقبالهم عليها نظراً لوجود البضائع على اختلاف نوعيتها والتي تناسب أسعارها للمواطن الغزي والظروف الاقتصادي الصعبة التي يعيشها ".
وكان الفلسطينيون استغلوا فترة التهدئة التي عقدت بين الفصائل الفلسطينية و(إسرائيل) برعاية مصرية في ربيع العام 2008 في تشيد وتمتين عشرات القنوات الأرضية التي تحولت فيما بعد إلى معابر صغيرة لإدخال البضائع.
فرص عمل
من جانبه يقول عودة محسن أحد العاملين في الأنفاق: "جلبنا عبر الأنفاق الحلوى والمواد الاستهلاكية والمعلبات ومواد التنظيف حتى الملابس أصبح مصدرها من مصر دون أن نضطر إلى أن نفقد احتياجاتنا اليومية كمواطنين".
ويضيف: "على الرغم من أن الحصار المفروض علينا أضرنا أشد الضرر إلا أنه يبدو أن هناك جانب إيجابي ترتب على هذا الحصار القسري من خلال توفر فرص العمل لآلاف الشباب".
وفيما يتعلق ببضائع الأنفاق وأثرها على الوضع الاقتصادي عامة في القطاع قال:" بكل تأكيد تلك البضائع عملت على التخلص نسبياً من الركود الذي يجتاح أسواق القطاع، على الرغم من أن هذا النشاط غير واضح بشكل كبير بسبب أن معظم البضائع استهلاكية يتم استخدامها أول بأول".
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور معين رجب: " الأنفاق فتحت مجال لعمل ألاف الشباب رغم المخاطر التي يتعرضون لها في باطن الأرض".
ويضيف في تصريح لـ"الرسالة نت": "العمل في الأنفاق ينقسم إلى عمل مباشر يكون في باطن الأرض وأخر غير مباشر على جانبي الحدود".
ويوضح أن العديد من التجار ينشطون في مصر وغزة من أجل شراء بضائع وإدخالها عبر الأنفاق وتسويقها في القطاع.
دور الحكومة
ولعل العمل في الأنفاق ما كان يتم إلا من خلال دور نشط للحكومة والأجهزة الأمنية في هذا المجال إذ تتفجر عشرات المشاكل بشكل يومي على الحدود ويكون للجنة شكلتها الحكومة دور في إنهاء تلك النزاعات.
ويقول مسؤول فلسطيني فضل عدم ذكر أسمه "إن اللجنة تراقب عن كتب عمل الأنفاق وتعمل جاهدة على حل أي إشكالية فور وقوعها حتى يستمر العمل".
ويضف المسؤول ذاته:"اللجنة عملها رقابي بالدرجة الأولي ويأتي بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة".
ويشيد العديد ممن التقتهم "الرسالة نت" على الحدود بدور جهاز الأمن الوطني في إنهاء أي خلاف يحصل بين العاملين في الأنفاق وملكها لدرجه أن بعض وصف الأمن الوطني بأنه "سند الضعفاء".
الجدار الفولاذي
وفيما يتعلق بتأثير الجدار الفولاذي على مستقبل الأنفاق يؤكد الكثير من مالكي الأنفاق أن "الجدار الفولاذي حتى الآن لم يظهر تأثيره بشكل مباشر على عمل الأنفاق".
ويقول أبو أحمد وهو يمل نفق قرب مخيم يبنا "لم يتأثر النفق الذي أمتلكه حتى الآن رغم أن الرافعات المصرية تعمل في الجهة المقابلة للنفق".
ويضيف "تم الحديث عن هذا الموضع في وسائل الإعلام وكأن الفولاذ راح يسكر كل الأنفاق لكن ما حدث لم يكن بالتضخيم الحاصل".
وتابع أبو أحمد قائلاً: صحيح أن في بعض الأنفاق سكرت جراء الجدار الفولاذي لكن في ناس قصت هذا الجدار وناس ثانية حفرت من تحته".
بدوره، عزا رئيس بلدية رفح عيسى النشار ازدهار الأنفاق إلى استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وقال لـ"الرسالة نت": "الحصار الإسرائيلي الخانق هو الدافع الرئيسي لاتجاه المواطن الفلسطيني إلى العمل داخل الأنفاق".
ويضيف النشار أن الحكومة على الرغم من أنها لا ترى شرعية في تلك الأنفاق لكن لا يمكنها أن تقوم بإغلاقها نظراً لأنها المتنفس الوحيد أمام سكان قطاع غزة".
وتابع قائلاً: "كنا نعتقد أن الحصار الإسرائيلي على غزة لن يتجاوز أشهر معدودة لكن ها هو الآن يدخل عامه الرابع وبالتالي سارت الأنفاق لها أهميتها الكبرى"، مضيفاً أنه في اللحظة الأولى التي يتم رفع الحصار عن القطاع وافتتاح المعابر ستعمل البلدية على إزالة الأنفاق حيث لن يكون لها أي حاجة.
وحرمت سلطات الاحتلال الصهيوني أهالي سكان قطاع غزة من عشرة ألاف سلعه كان تدخل إلى القطاع عبر المعابر الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.