قائمة الموقع

غزة تأكل من إناء واحد

2014-07-27T09:19:57+03:00
الأسر النازحة في غزة
الرسالة نت – محمد الشيخ

في أجواء ضبابية ملبَّدة بأصوات الطائرات اختلطت ببقايا الرماد ورائحة البارود؛ نتيجة الاشتباكات الليلية اليومية بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية على حدود قطاع غزة، وعند الساعة السادسة صباحا، حطت ثلاث عوائل رحالها غربي مدينة غزة، قادمة من شرقها بـ"طلوع الروح".

جاءت العوائل الثلاث مهرولة من الشجاعية إلى حيّ النصر. وصلت المكان بسلام. الوجوه كانت شاحبة من شدة الخوف. ملابسهم كذلك فارقت ألوانها. اكتست صبغة الرماد، صفة الغبار الذي عجّ الشجاعية بأكملها.

الأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إلى المنزل من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، وصلوا بأعجوبة بعد أن كان القصف المدفعي من فوق رؤوسهم لا يفرق بين بشر أو شجر أو حجر.

حديثنا هنا عن عائلة "عمارة" التي كان في ضيافتها 80 شخصا من الأقارب والأصحاب الذين نزحوا من حيي الزيتون والشجاعية، اللذان تعرضا لاعتداء عنيف بقصف الطيران الحربي والمدفعي راح ضحيته أكثر من 100 شهيد ومئات الجرحى.

وكما هو معتاد على الشعب الفلسطيني بأصله الطيب وكرم ضيافته، استقبلت العائلة النازحين بصدر رحب، وحاولت التأقلم سريعا فيما بينها، رغم وجود بعض الخجل والتحفظ. هذا ما قاله الشاب وائل عمارة –أحد أفراد العائلة المضيفة لـ"الرسالة نت".

في أول أيام الضيافة لم يكن هناك فراشا كافيا للنازحين، ولكن بعد يومين تم توفير ذلك مما تواجد في البيت وما قدمه أهل الخير لهم، وتقاسموا ما كان متواجدا من الملابس.

وتُقدم عائلة عمارة كل ما تستطيع لراحة ضيوفها، وتحاول دمج النازحين في الحياة الطبيعية للعائلة حتى يرتاحوا ولا يشعروا بالغربة بين أهلهم وأصدقائهم.

وبالنسبة للطعام، فهناك بعض أهل الخير أو المتبرعين لوجبات الطعام، وفي أحيان أخرى يشترك والد الشاب وأعمامه لإطعام الضيوف.

"نعتبرهم ضيوفا عندنا ومن العيب التقصير في حقهم، ولازم يأخذوا راحتهم، اليوم هم احتاجونا بكرا احنا بنحتاجهم"، يضيف الشاب عمارة.

في مشهدٍ مشابه، نزح 147 مواطنا من عائلة العمراني والمناصرة وقريقع وأبو عجوة من حي الشجاعية إلى منزل عائلة الكومي في حي الشيخ رضوان.

الصلة التي جمعت تلك العائلات القرابة والنسب والصداقة، بجانب التكاتف الاجتماعي الذي هو سمة كل فلسطيني وقت الشدائد.

منهم من جاء قبل وقوع المجزرة، وآخرون نجوا بأرواحهم أثناء المجزرة بمشيئة الله، حتى تمكنوا من الوصول إلى منزل الكومي عند الساعة السابعة صباحا من ذاك اليوم.

ويتكون منزل عائلة الكومي من أربعة طوابق، وُزعت العائلات النازحة عليه، كما يوضح إسلام الكومي لـ"الرسالة نت"، مبينا أنه في اليوم الأول كان الضغط كبيرا جدا على أهل البيت، إلا أنه مع الوقت استطاعوا تدبير أمورهم.

ورغم العدد الكبير النازح إلى منزل الكومي بالإضافة إلى أهله المتواجدين فيه، لم يتوان أهل البيت عن إكرام ضيوفهم قدر المستطاع وحسب الامكانيات المتوافرة.

ويقول الكومي: " قدمنا ما باستطاعتنا لأقاربنا وحبايبنا، وحاولنا توفير أقصى درجات الراحة لهم رغم الظروف الصعبة التي يمر بها كل أهالي قطاع غزة، فلا أحد معصوم من المعاناة والتعب، ولكن في هيك وضع كلنا بدنا نتحمل بعض ونقف بجانب بعض".

وعلاوة على ما قدمته العائلة، تكفلت لجنة زكاة الشيخ رضوان بتقديم الفطور والسحور للعائلات، وأحضرت لهم بعض الأغراض اللازمة من الفراش والأغطية وبعض الملابس.

والتكاتف الاجتماعي في غزة لم يتوقف على استقبال العائلات لبعضها فحسب، بل إن هناك بعض الأشخاص وهبوا أنفسهم في الشهر المبارك لخدمة النازحين من خلال جمع التبرعات والمساعدات المادية والعينية وتقديمها للمحتاجين، بالإضافة إلى المؤسسات والجمعيات الخيرية التي لم تألُ جهدا في دعم وتقديم الخدمات.

وفي ظل استمرار العدوان على قطاع غزة، يبقى مصير العائلات النازحة مجهولا لصعوبة عودتهم إلى مناطق سكناهم في الوقت الحالي.

في غزة.. المقاومة موحدة وتضرب (إسرائيل) بيد واحدة، والجبهة الداخلية موحَّدة، والمواطنون يقفون بجانب بعضهم، فهم وُضعوا في ثوب واحد ويأكلون من إناء واحد. وكما يقال "وقت الشدائد تظهر معادن الناس".

اخبار ذات صلة