أعدّ المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مقترحا للممر المائي، يضع من خلاله تصورا عمليا لربط قطاع غزة المحاصر بالعالم الخارجي بحريًا.
ويقول المرصد الأورومتوسطي في المقترح الذي وصل "الرسالة نت" نسخة عنه، مؤخرًا، إن إقامة الممر المائي يعطي ليس فقط الفلسطينيين فرصة الوصول الحر والمستقل إلى العالم الخارجي، لكن سيكون أيضا حجر الزاوية لحيوية الاقتصاد الفلسطيني والسماح له بالاندماج في المنطقة والاستفادة من جميع اتفاقيات التجارة الحرة.
ويضيف المقترح أن حق غزة بممر مائي حق أصيل لا يمكن إنكاره، مضيفا أن الحدود بين غزة ومصر هي نفسها الحدود بين غزة وأي دولة مطلة على البحر المتوسط وأن الفرق الوحيد يتمثل باليابسة والماء.
تصميم المشروع
ويستند المرصد في اقتراحه بخصوص الممر المائي، إلى تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" لعام 2004، الذي أكد مخططا سابقا لبناء ميناء غزة على موقع نحو 5 كيلومترات إلى الجنوب من مدينة غزة وحوالي 200 كيلومترا إلى الغرب من عمان، يوفر خدمة للتجار الأردنيين والفلسطينيين، ويعمل على تزويدهم بممر عبور بديل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
وتشمل الخطط المستقبلية توسيع قدرة الميناء على التعامل مع السفن الكبيرة التي تصل من 50 ألف إلى 70 ألف طن، وربط مرافقها بالموانئ المجاورة في بورسعيد في مصر، و"أسدود" وبيروت وقبرص.
ويشير المقترح إلى أن المشروع يتضمن أيضا البنية التحتية والمرافق، مثل المحطة الكهربائية الذاتية، ونظام الاتصالات، ونظام إمدادات المياه ونظام الصرف الصحي، ومرافق التخلص من النفايات، ومرافق التخزين، وخطة النقل والطرق الموصلة الأخرى.
وأوضح المرصد أنه تم التفكير أيضا بإنشاء منطقة صناعية تشمل صناعة الاسمنت والصناعات الثقيلة الأخرى. وفيما يتعلق بتقسيم تطوير ميناء غزة، فقد تضمن عدة مراحل أولها: توفير السعة الأولية للميناء لاستقبال السفن وحركة الشحن من وإلى غزة.
وتتضمن المرحلة الثانية القدرة على توسيع المرحلة الأولى بسهولة دون استثمارات كبيرة فيما يتعلق بمباني الأمن البحرية وذلك لتلبية الاحتياجات المستقبلية لغزة، فيما تتضمن المرحلتين الثالثة والرابعة القدرة على توسيع المعلم الخارجي للميناء للتعامل مع عملية الشحن من الضفة الغربية والأردن وبلدان أخرى في المنطقة.
وتمتد مساحة الميناء على طول 323 مترًا جنوب طريق الشيخ عجلين إلى الشمال من الطريق الساحلي جنوب قرية الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة.
وتشمل المرحلة الأولى بناء مرافق مثل رصيف البضائع على مساحة 200 متر ومحطة إنزال على عمق 11 مترا في المياه لتمكين السفن التي يصل وزنها إلى 30000 طن من دخول الميناء.
وسيتم تزويد الميناء بكاسر للأمواج بطول 730 مترًا. ويفترض خلال هذه المرحلة وفق رؤية المرصد أن يتم تنفيذ التحميل والتفريغ بواسطة رافعات على متن السفن، مقترحا أن يكون في السنوات القادمة من عمل الميناء رافعات متحركة تحمل من 10-30 طن لكل منهما.
ويرى مقترح المرصد الأورومتوسطي، أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع جميع الشحنات هو توفير جرارات ومقطورات ذات حجم مناسب للتعامل مع الحاويات، ثم يتم استخدام الشاحنات.
وفيما يتعلق بمرافق الخدمات البحرية، ينوه المقترح إلى أن المرحلة الثانية تتطلب قارب قُطر مجهز بأعمدة رفع وسحب تحمل 20 طنا وقارب بقوة 500 حصان وزورقين بقوة 150 حصان للإرشاد وتقديم الخدمات البحرية.
ويفضل مقترح المرصد اثنين من زوارق السحب (واحد لاستخدامه في حالة انهيار الآخر)، منوها إلى أن السفن ذات الوزن الأكثر من 15 ألف طن ستتطلب ما لا يقل عن اثنين من زوارق السحب.
وبين المرصد أهمية الحاجة إلى معدات الملاحة التكميلية للميناء، مضيفًا أنه سيتم تثبيت الإضاءة على طول الجزء العلوي من حواجز الأمواج وسيتم منارتين من خلال عوامتين على طول كاسر الأمواج.
ونوه إلى أن المدخل المؤدي إلى الميناء سيتم تمييزه من قبل عوامات إضاءة أخرى كذلك طاقم الموظفين، وعلاوة على ذلك، يجب تركيب نظام نقل VHF-UHF، لتوفير الاتصالات بين السفن ومكتب إدارة الميناء. أما بالنسبة للاتصالات الداخلية في الميناء، فيجب تركيب نظام بابكس لهذا الغرض.
عمليات الميناء
وفيما يتعلق بعمليات الميناء، يقول المرصد إن السلطة الفلسطينية كانت قد اقترحت اعتماد نموذج "الملكية" لتشغيل الميناء، حيث سيتم تشغيل الميناء من قبل السلطة حتى يتم تضمينه عملياته إلى شركات خاصة.
وأوضح أن النموذج سيسمح بتقديم العمليات الخاصة وكذلك وضع اللوائح الخاصة بعمليات الميناء بشكل يخضع كل ذلك فيه لقيادة السلطة الفلسطينية.
وتابع المرصد الأورومتوسطي أنه يمكن إبرام عقود طويلة الأجل مع شركات خاصة فيما يتعلق بتأجير أو استئجار البنية التحتية (الأرصفة والمراسي، والمحطات، إلخ).
وبيّن المرصد أن شركات التشغيل الخاصة للمحطة أو شركات الشحن والتفريغ ستكون مسؤولة عن توظيف العمال بينما الشركات الأخرى ستكون مسؤولة عن الأنشطة المتصلة بإصلاح وصيانة السفن وتخزين السلع والشحن وغير ذلك.
وفيما يتعلق بمشغلي الموانئ فقال المرصد: "على الرغم من أن العمل قد يبدأ في الميناء مع مشغل واحد، فمن الأفضل أن يكون العمل من قبل اثنين من المشغلين للتعامل مع أنشطة الشحن المحددة".
وأشار إلى أن تكاليف المشغلين تتعلق بالبناء والاستثمارات مثل التعامل مع المعدات ومرافق التخزين والاستثمارات والرواتب وتكاليف التشغيل الأخرى. ويشمل الدخل رسوم الشحن ورسوم التخزين وغيرها من الخدمات.
وتحدث المرصد عن اهتمام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بفكرة الممر المائي، حيث شكل لجنة هولندية لتقييم فرصة تدشين الممر قبل قدوم السلطة، إضافة إلى قيامه لاحقا بإصدار قرار رئاسي بتشكيل سلطة خاصة للموانئ عام 1999.
ويوجد في غزة حاليًا مرفأ صغير للصيادين بقطر 400 متر وعمق المياه 5 أمتار. ويبلغ طول قناة مدخل الميناء ما يقرب من 700 متر، وليس به سوى عدد قليل من القوارب الصالحة للإبحار، نظرا لقيود البحرية الإسرائيلية على صيد الأسماك قبالة الساحل في غزة.
ومن أجل تقديم حل سريع للفلسطينيين المحاصرين في غزة، يمكن جعل ميناء الصيد قابلا للتعامل مع حركة البشر والبضائع إلى أن يتم تجهيز الميناء التجاري ليصبح جاهزًا للعمل.
ويشير المرصد إلى أن الاقتصاد في قطاع غزة عانى بشدة منذ الحصار الكامل الذي فرضته “إسرائيل” منذ 7 سنوات، حيث أن 57 ٪ من الأسر في غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي ونحو 80 ٪ من الأسر تتلقى المساعدات.
فرص عمل
ومن شأن مشروع مثل الميناء أن يخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة من خلال تشجيع أنشطة القطاع الخاص واقتصاد السوق الحرة، وتعزيز الروابط التجارية الإقليمية والدولية.
ويؤكد مقترح المرصد الأورومتوسطي، أن وجود ميناء غزة البحري يخفض التكاليف عن طريق تجنب عبور الموانئ الإسرائيلية لتصدير واستيراد البضائع، وبالتالي تحسين عائدات التصدير.
وكانت تقديرات التمويل اللازم للمرحلة الأولى تشير إلى الحاجة إلى مبلغ 70 مليون دولار تعهدت بتقديمه كل من الحكومات الهولندية والفرنسية إضافة إلى قرض من بنك الاستثمار الأوروبي بالإضافة إلى مساهمة من السلطة الفلسطينية.
وكانت حكومات هولندا وفرنسا التزمت بمبلغ 42.8 مليون دولار لبناء ميناء في غزة وتدريب العاملين في الميناء، حيث تشير تقديرات التمويل للمرحلة إلى الأولى إلى الحاجة لمبلغ 70 مليون دولار آنذاك، تعهدت السلطة باستكمال الفجوة في التمويل من خلال قرض من بنك الاستثمار الأوروبي بالإضافة إلى مساهمة السلطة.
ووقعت شركة هولندية – فرنسية متخصصة في الموانئ عقدا لبناء الميناء في يوليو 2000 مع السلطة الفلسطينية وبالفعل بدأ المقاول في التعبئة، لكن توقفت جميع أنشطة البناء بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000.
واستعرض المرصد في مقترحه سلسلة العقوبات التي تفرضها "إسرائيل" ضد قطاع غزة خصوصا عقب سيطرة حماس على القطاع في عام 2007، إضافة إلى السياسات المصرية التي تضمنت التقييد الشديد والإغلاق المتكرر لمعبر رفح وتدمير مجموعة الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة لغزة ودائمًا ما تبرر الحكومات المصرية سياساتها لعدم إعفاء “إسرائيل” من مسؤولياتها كقوة احتلال مسؤولة عن قطاع غزة.
وكان البنك الدولي نصح السلطة بإقامة وكالة الخدمات الخاصة الموحدة على حدودها. ويقول تقرير أعده فريق فني للبنك الدولي في 2006، بأن هذه المنظمة ضرورية بهدف ضمان إدارة فعالة وآمنة على الحدود وستدعم بشكل كبير قدرة السلطة على تحمل المسؤولية لإدارة الميناء والمطار والحدود البرية مع دول العالم الثالث.
ويدعو مقترح المرصد الأورومتوسطي السلطة إلى وجوب العمل على توفير الحلول من أجل إعادة فتح ملف ميناء غزة التجاري مع جميع الأطراف المعنية عبر الخطوط الدبلوماسية.
ويشدد على ضرورة عمل السلطة على إيجاد حلول لإنهاء حصار غزة، وعدم ربطه بالانقسام الداخلي أو محادثات السلام النهائية.
ويؤكد المقترح أيضًا أنه يمكن إجراء تشغيل الميناء في غضون أشهر، واستخدامه لتصدير المنتجات الزراعية وكذلك السماح بسفر المستثمرين من وإلى غزة.
ويبين أن السلطة بمساعدة الأونكتاد، ينبغي أن تحدد طرق الشحن المباشر الرئيسية والروابط إقليمية من الأراضي الفلسطينية إلى الدول الإقليمية والتي يمكن استخدامها عندما تصبح المرافق البحرية متاحة.
ويذكر أن واحدة من هذه الطرق يمكن أن يكون بين ميناء صيد غزة وقبرص حتى يتم إنشاء الطرق مستقبلا، داعيا السلطة إلى العمل على تطوير البنية التحتية والفوقية لميناء صيد غزة كحل قصير الأجل للحصار الإسرائيلي منذ 7 سنوات طويلة على قطاع غزة.
وأكد أن القطاع الخاص الفلسطيني سيلعب دورا رئيسيا خلال تطوير ميناء غزة من خلال التوسع في التجارة العالمية وتنمية الصادرات والصناعات المحلية وخدمات رجال الأعمال.
ووفقًا لدراسة لسلطة الموانئ الفلسطينية في عام 2005، فإنه إذا تم إنشاء ميناء غزة البحري، فإن ذلك سيوفر أكثر من 5000 فرصة عمل وسيتم استيراد ما يعادل 2 مليون طن من البضائع وتصديرها في عام 2005، فيما كان سيرتفع الرقم إلى 6.15 مليون طن في عام 2012.
وانطلاقًا مما سبق، يؤكد المرصد الأورومتوسطي إلى ضرورة إحياء الحوار الاقتصادي الوطني بين السلطة والقطاع الخاص من أجل التعاون عن كثب في عملية تنفيذ مشروع ميناء غزة. وقال إن هذا المشروع سيكون حيوي للاقتصاد الفلسطيني وسيسهل الحياة اليومية للفلسطينيين.
مقترح واقعي
وحول قابلية المقترح للتطبيق على أرض الواقع، يقول المرصد الأورومتوسطي، إن حركات التضامن الدولي أثبت أن استخدام ميناء غزة ليست مهمة مستحيلة، وإذا ما قام المجتمع الدولي بالضغط على “إسرائيل” لتخفيف الحصار، فإن ميناء غزة يمكن أن يفتح أمام حركة المرور الدولي في غضون 25 شهرا.
ويشير إلى أن تركيا واليونان والاتحاد الأوروبي يمكن أن يلعبوا دورا هاما في تسهيل حياة الفلسطينيين.
وأكد أن الاتحاد الأوروبي مطالب باحترام قراراته بشأن عدم شرعية الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. ولذلك فهو مطالب بأداء دوره في إنشاء بديل للتخفيف من بؤس 1.8 مليون من الفلسطينيين.
ويدعو المرصد الاتحاد الأوروبي إلى أن يتفاوض مع "إسرائيل" للوفاء بالتزاماتها وتعهداتها فيما يتعلق بالاتفاقات الموقعة بشأن المشاريع الاستراتيجية، والتي منها ميناء غزة إلى حين التزام "إسرائيل" بمشاريع أخرى مثل الربط الجغرافي بين الضفة وغزة وإعادة بناء مطار غزة الدولي.
ويوضخ أن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يتواصل مع حكومتي هولندا وفرنسا لإعادة تنشيط مشروع ميناء غزة، مؤكدًا أن المرحلة الأولى من البناء تستغرق نحو عام.
وحتى يبدأ بناء ميناء غزة التجاري، فان ميناء الصيد الحالي يمكن تطويره بسهولة لتسهيل نقل البضائع والبشر من وإلى غزة، مبينًا أن ميناء الصيد بحاجة إلى الكثير من المتطلبات، مثل إعادة بناء كاسر الأمواج والرصيف القائم الحالي وكذلك تطهير منطقة الحوض.
وشدد المرصد على أنه يمكن التعامل مع مخاوف واعتراضات “إسرائيل” حول من ستكون له السيطرة على الميناء من خلال فحص البضائع عن طريق نشر مراقبين دوليين في الميناء.
وأكد أهمية قيام الاتحاد الأوروبي بالاتفاق مع هيئة الميناء الفلسطينية بتفعيل بعثة المساعدة الحدودية للاتحاد الأوروبي (EU – BAM)، ويضيف لها البعد البحري، فضلا عن نشر قوة بحرية دولية لمراقبة شاطئ البحر في غزة.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنه إذا تم استيفاء جميع المطالب الإسرائيلية فيما يتعلق بالأمن والمراقبة، فإن العقبة الوحيدة المتبقية للمجتمع الدولي هي الاعتراف بسكان غزة كبشر يستحقون حياة كريمة عندها فقط سوف يؤدي ذلك إلى سلام مستدام في المنطقة في الاتجاه الصحيح.