قائمة الموقع

المسعف عفانة: نعمل في الحرب كـ"استشهاديين"

2014-08-14T06:01:17+03:00
المسعف فادي عفانة
غزة – مها شهوان

أطلقت صافرات العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة .. تأهب رجال الاسعاف لينتشروا على كل المفترقات .. يخبرهم مديرهم أن جميعهم "استشهاديون" .. يسمعون القصف لا يأبهون إن قنصتهم دبابات وطائرات الاحتلال بالصواريخ والرصاص فيقدمون الشهيد تلو الاخر حتى وصل عددهم لأكثر من خمسة عشر مسعفا رغم لباسهم وسياراتهم التي تميزهم .

"دقيقة واحدة كفيلة لإنقاذ حياة المصابين" قالها المسعف فادي عفانة "27 عاما"، فقد اتخذ مكانه منذ بداية الحرب على مفترق الشجاعية مستعدا لانتشال الجثث واسعاف المصابين الذين استهدفتهم الصواريخ الاسرائيلية.

بعد الساعة الثانية فجرا يوم مجزرة الشجاعية قرر عفانة الدخول برفقة زملاءه لإنقاذ المصابين ، دون أن يكترثون لأصوات الصواريخ والقذائف المدفعية دخلوا البيت الاول فكانت الفاجعة أم عشرينية شهيدة تحتضن ثلاثة من اطفالها الشهداء ، حاولوا فكهم لكنهم لم يفلحوا في ذلك إلا في مشفى الشفاء الطبي.

قبل رحيلهم من المنزل ونقل الجثث إلى سيارة الاسعاف سمعوا صراخ الجيران وهم يستنجدون ، وقتئذ اختلسوا قليلا من الوقت وذهبوا اليهم ومنحوهم بعض زجاجات الماء ووعدوهم بالعودة ، ورغم أن أصحاب المنزل ظنوا أنهم يتهربون من انقاذهم خوفا من الموت الذي يلتفهم إلا أنهم صدقوا وعدهم وعادوا لنقل الجرحى واخلاء الأحياء.

يذكر أن عدد كبير من المسعفين خلال عملهم ذهبوا لإحضار بعض الجرحى والشهداء فكانت الفاجعة أنهم أقاربهم أو عائلاتهم.

الأولوية للمصابين

خلال أيام الهدنة أنصتت "الرسالة للمسعف عفانة ، بداية الحديث روى أنه يدرك منذ اللحظة الاولى أن عمله ليس سهلا ففي كل مرة يخرج فيها لعمله يتوضأ ويصلي ركعتان مستعدا للقاء ربه ، فصواريخ الاحتلال وقذائفهم لم تحترم حتى المسعفين.

عفانة الذي عمل كمسعف منذ حرب حجارة السجيل وصف هذه الحرب بالأشرس كونها تستهدف المدنيين في بيوتهم وتحرقهم ، مبينا أن الجثث التي كان ينقلها متفحمة والاصابات بالغة الخطورة.

العديد من المشاهد كما يصفها عفانة يشيب لها الرأس ولفت إلى أن الكثير من جثث الشهداء كانت أشلاء ويصعب التعرف على أصحابها ما يدفعهم لوضعها في أكياس واخذها إلى ثلاجة

الموتى لتدفن بعدها ، موضحا أن بعض الحالات كان الأهالي يتعرف على أبنائهم من ملابسهم أو بعض الملامح التي لم تمحيها الصواريخ.

وخلال شهر رمضان كان كبقية زملاءه يأخر إفطاره وسحوره ، يقول :" كان القصف يشتد قبل موعد الافطار مما يضطرنا لكسر الافطار بتمرة وكأس ماء ، وبعدما نفرغ من نقل الجثث واسعاف المصابين نأكل القليل (..) وفي كثير من الاحيان لم نتسحر كون الاستهداف يشتد بعد الساعة الثانية صباحا".

لم تك حياة المسعفين بعيدة عن صواريخ وقذائف الاحتلال فقد استشهد العديد منهم لكن بقية زملائهم واصلو العمل رغم محاولة تخويفهم من قبل دبابات الاحتلال بالرصاص .

هنا يروي عفانة ما حصل معه حينما ألح عليه رجل من عائلة حجاج للذهاب إلى بيته وانتشال ستة شهداء ، حاول اقناع الرجل بان الاولوية للمصابين لكنه استجاب لمطلبه وذهب لإحضار الجثث فلم يجد سوى أربعة منها وعند عودته تفاجئ بدبابات الاحتلال حيث قامت بإطلاق النار عليهم وسارعوا بالفرار من المكان.

ورغم اعتياد المسعف رؤية مناظر الشهداء والجرحى إلا أن دمعته هذه المرة كانت قريبه عند استرجاعه لمشهد مؤلم لازال عالقا في ذاكرته ، تردد بسرده بعدما قص بدايته فالعبرات كادت أن تخنقه ثم عاود الحديث قائلا:" دخلنا على أحد البيوت في حي الشجاعية فكان هناك جثث ملقاة على الارض منذ عدة أيام ، حاولنا الاقتراب منهم فكانت الفاجعة "الصيصان والدجاج يقتربون منهم ويأكلون من لحمهم".

انتشال المقاومين

لم تقل حياة رجال الاسعاف عن المجاهدين فهم في الصفوف الاولى من المعركة ، و يذكر عفانة انهم اضطروا في العديد من المرات أن ينقذوا بعض الجرحى من المقاومين وسط إطلاق النار الكثيف فكان همهم الوحيد انقاذ حياة الغزيين بعيدا عن الاهتمام بأمنهم الشخصي.

وكان المسعف الشاب يغامر بحياته ، فحينما يذهب لمهمات سرية متمثلة بإنقاذ المقاومين يترك كل ما بحوزته عدا بطاقة تعريفية يتركها في جيبه خشية استشهاده وليتمكن المسعفون التعرف عليه ، بالإضافة إلى أنه يطلب من زملاءه الاتصال على زوجته أخبارها أن بطارية هاتفه المحمول فارغة وذهب لانتشال بعض الاصابات، حيث كان يتواصل معها ومع صغيرته مرة كل 24 ساعة.

وفي المقابل كان عفانة عند اتصاله على زوجته يخشى ان تزف اليه خبر استشهاد أو اصابه احد اقاربه كونهم يسكنون بجانبه في مخيم الشاطئ مقابل البحر والزوارق الحربية أكثر من مرة ألقت قذائفها قرب بيته ما تسبب بتضرره.

وأكد ان ما تنقله وسائل الاعلام من مجازر في حي الشجاعية لا شيء امام ما يرونه بأعينهم ، فكثيرا منها لا يمكنها الوصول الى ما يصل اليه المسعفون.

وعن أحدى لحظات اليأس التي شعر بها يحدث عفانة أنها كانت عندما طلب منه استاذه الذي علمه الاسعافات الاولية الذهاب الى الشجاعية وانتشال جثة ابنه لكنه لم يستطع فقد كان القصف شديد لكن بعد ايام تمكن زملائه من انتشاله.

انهى المسعف عفانة الحديث وذهب على عجالة من امره بعدما جاءته اشارة من مديره بضرورة التحرك والذهاب الى منطقة الشجاعية مرة لأخرى لإسعاف بعض الحالات .

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00