قائمة الموقع

الحلقة(4): "الضيف" وسلاح الأنفاق في المعركة

2014-08-22T08:59:40+03:00
الرسالة نت-خاص

بعد ساعات من عودة الوفد الإسرائيلي من القاهرة، وقع حدث "ضخم" في ميدان المعركة، تبين لاحقا أنه مخطط إسرائيلي لاغتيال القائد العام لكتائب القسام "محمد الضيف".

كمية الصواريخ التي قصف بها الاحتلال منزل عائلة الدلو، الذي كان يعتقد أن الضيف يختبئ فيه، تؤكد أن إسرائيل تلاحق "صيدا ثمينا".

حالة من الإرباك أصابت القيادة الإسرائيلية بعد فشل المحاولة، حتى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تهرّب من سؤال أحد الصحفيين في المؤتمر الذي تلا العملية بيوم، حين سأله: هل قُتل الضيف؟، حينها اكتفى نتنياهو بالقول: "سنواصل ملاحقة قادة حماس".

"كان الضيف يتحرك في الضفة الغربية مع مجموعات من كتائب القسام بالانتفاضة الأولى. كان خفيف الظل، يعيش في طليعة المقاومة"، هكذا تحدث أصدقاء أبو خالد، قبل ربع قرن.

يعتبره الإسرائيليون "رجلا أسطورة"، وذكيا للغاية، ويتمتع بعقلية غير طبيعية. كان قد تعرض لأربع محاولات اغتيال، وفي عهده تحوّلت كتائب القسام من مجموعات وعصابات تقاتل الاحتلال في الضفة وقطاع غزة، إلى جيش منظّم.

توارث الضيف هذا الأداء عن قائده الشيخ صلاح شحادة، حتى أن الاحتلال يقول "إن ملهمه في مرحلة التكوين هو شحادة"، أما الشهيد أحمد الجعبري -نائب الضيف-فكان يده اليمنى، الذي تماثل مع مروان عيسى في تشكيل كتائب قسامية.

هؤلاء القادة المؤسسين لكتائب القسام عملوا على ثلاثة مناهج، الأول، بناء "غزة تحت الأرض". يعلق الإعلام الإسرائيلي على ذلك قائلا: "استطاع الضيف إنشاء غزة تحت الأرض"، في إشارة إلى الأنفاق.

والمنهج الثاني، كان في اعتماد الكتائب على ذاتها في تصنيع السلاح، وتكوين بنية عسكرية جديدة، حتى نجحت في تصنيع صواريخ قادرة على ضرب عاصمة الاحتلال (تل أبيب).

أما المنهج الثالث، فكان خلق منظومة أمنية يقاتل فيها الجندي الفلسطيني "القسامي"، بقوة وقدرة على التحرك.

بعض جنود الاحتلال الذين شاركوا في القتال بغزة، تحدثوا لوسائل إعلام إسرائيلية بأنها كانوا يقاتلون "أناسا مختلفين"، يقول أحدهم: "في البداية ظنناهم يهربون، لكنه تبين لنا أنهم يخرجون من تحت الأرض، ويقتلون الجنود من نقطة الصفر، ثم يختفون".

"سلاح مخيف جدا بيد القسام"

ننتقل إلى العنصر الأهم الذي يقلق إسرائيل، وهو "الأنفاق". كان الاحتلال يظن منذ اليوم الأول للمعركة أن كتائب القسام تملك نفقين فقط، وأنه اكتشف أحدهما ويجري البحث عن الآخر، لكنه تفاجأ مع مرور الأيام بحجم الأنفاق في غزة.

كبار القادة في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينيت)، سربوا إفادات بعض الجنود حول خطر الأنفاق في غزة، تقول إحداها "إن جنودنا تقدموا في معركة برية داخل غزة، فتفاجأوا بمقاتلين يخرجون لهم من خلفهم، عبر أنفاق أرضية".

"أخبار مخيفة" صارت تصل إلى نتنياهو حول الأنفاق، بأن مقاتلين يجتاحون مناطق ومستوطنات في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبدأت إسرائيل تتحدث عن حالة رعب، وعن بيئة معقدة ومخيفة.

القيادات العسكرية الإسرائيلية تعجبت من قدرة المقاومة المعقّدة والمركبة، وذات الطرق والعيون المتفرقة، التي تخرج على طول ثلاثة كيلومترات، وعن سلاح مخيف جدا أصبحت تمتلكه كتائب القسام، هو الأنفاق، حتى أن أحد المستوطنين الذين يقطنون في مناطق الجنوب سئل: لماذا لا تريد العودة إلى منزلك؟، فأجاب: "وهل تأمنون لي ألا يخرج لنا جنود حماس من تحت الأرض".

بعد ثمانية عشر يوما من الحرب على قطاع غزة، أصبح هدم وتدمير الأنفاق، الهدف الأساسي لإسرائيل، وقد صنّفها جيش الاحتلال إلى ثلاثة أنواع: الأول مخصص لتنفيذ عمليات هجومية، والثاني، دفاعي للأسر والقتل والتفجير، والثالث، نفق مركب ما بين هجومي ودفاعي، ويمتد لقنوات كبيرة.

أحد المراسلين العسكريين لجيش الاحتلال في المنطقة الجنوبية، يروي لإحدى الإذاعات العبرية أنه دخل أحد الأنفاق التي تتبع لكتائب القسام، يقول: "وجدته عجيبا غريبا"، فقاطعته المذيعة وسألته: ما الغريب فيه؟، فأجاب: "يمتد لآلاف الأمتار، وبه كهرباء وإنارة، ويستخدم فيه الدراجات النارية، وبه عدة عيون، وكانت الجيش يقول إنه قصف النفق بالكامل، لكن تبين أنه له عيون كثيرة، كان المقاتلون يخرجون منها".

مذيع في القناة العبرية العاشرة سأل الوزير الإسرائيلي السابق عمير بيرتس: هل يوجد حل للأنفاق؟، فصمت قليلا وأجاب: "ربما نصنع منظومة قبة حديدية لها"، فضحك المذيع ثم سأله: "هل كنتم تعلمون عن الأنفاق من قبل؟، فرد بيرتس: "نعم"، فبادره المذيع: ولماذا لم تعالجوها مبكرا؟، ولم ينتظر من الوزير ردا، وختم معه قائلا: "إذا كنتم تعلمون عن الأنفاق فهذه جريمة، لأنكم لم تعالجوها، وإن كنتم لا تعلمون فالجريمة أكبر، لأنكم لم تنجحوا استخباراتيا".

سؤال كبير يحير القيادة الإسرائيلية اليوم، وهو: لماذا لم تستثمر كتائب القسام الأنفاق للهجوم على المستوطنات، وفضلت التركيز على المواقع العسكرية، وقتل الجنود من مسافة الصفر؟، وبهذا تحدث الإعلام الإسرائيلي أيضا.

متغيرات مهمة

سلاح الأنفاق صنع ثلاثة متغيرات مهمة، المتغير الأول: أن الجيش الإسرائيلي يدير عمليته على الأرض من خلال تأمين ساحة المعركة بالقصف المتواصل على الأراضي البرية، ومن ثم يدير عملية ممنهجة، يأمّن فيها من خلال وحدة استطلاع كبيرة تقف على تخوم المنطقة المستهدفة، ثم يجري التموضع عبر وحدة الإدارة العسكرية.

استهدفت إسرائيل أكثر من 4 آلاف غارة في محيط قطاع غزة، وظنت أن البيئة الأمنية التي يتمركز فيها الجنود على الحدود، آمنة، لكن مقاتلي القسام خرجوا لهم من خلفهم عبر الأنفاق، وأحدثوا ارتباكا في الجيش وأجبروه على التقهقر، وبالتالي لم تعد إسرائيل قادرة على تأمين بيئة المعركة لجنودها.

المتغير الثاني، أن الأنفاق عززت الخشية لدى إسرائيل بإمكانية أن تقدم كتائب القسام على حشو الأنفاق بكميات كبيرة من المتفجرات والألغام، مثلما حدث في منطقة الشجاعية، التي قال جيش الاحتلال بعد دخولها إنه "وقع في جهنم".

المتغير الثالث الذي يضاف إلى الرؤية الاستراتيجية، أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تتفادي بالأنفاق، أخطاء الحربين السابقتين عامي 2008 و2012.

للاستماع للحلقة اضغط هنا

اخبار ذات صلة