لم يحالف الحظ المواطن محمد صيام، أن يكمل باقي أجزاء حلمه ومستقبله في شقته السكنية بأبراج الندى، الواقعة شمال قطاع غزة، والمحاذية للمنطقة الحدودية.
وتبخرت أمال المواطن صيام عندما عاد بعد نزوح إلى شقته، فوجدها قطعة فحم، فيما جاء القصف على باقي الأبراج المجاورة وحولها إلى كومة ركام وبقايا ذكريات.
وقد عاد صيام في العقد الثالث من عمره، موسوما بالإحباط، وما ان بلغ مركز الإيواء الواقع في مخيم جباليا، حتى تملكته نوبة بكاء شديدة على ضوء فقدانه مأواه رغم عدم اكتمال أقساط الشقة التي تتراكم على كاهله.
وعبر المواطن الذي يعيل اسرة مكونة من خمسة أفراد ويعمل موظفا في قطاع التعليم، عن استهجانه الشديد لاستهداف البرج السكني الذي يقطن فيه، وغيره العشرات من الأبراج المحيطة، مؤكدا أن هذه نهج التدمير التي اعتمدته آلة الحرب هو استكمالا لسياسة اللجوء التي اعتمدتها اسرائيل قبل 65 عاما مع اجداده الذين نزحوا عن قرية "الجية".
وضرب الطيران الحربي والمدفعية المتمركزة على حدود قطاع غزة الشرقية والشمالية، عشرات الأبراج في أنحاء متفرقة من القطاع، الأمر الذي ضاعف من اعداد النازحين، رغم انها (أي الابراج) كانت تمثل فيما مضى مأوي آمنة على اعتبار أنه من غير المعقول أن يضرب الطيران برجا سكنيا يأوي عشرات الأسر.
وحطمت إسرائيل في حرب (الجرف الصامد) قواعد الإنسانية، باستهدافها الأبراج السكنية –لا يوجد احصائية بأعدادها-خصوصا وأن سكان تلك الأبراج قد نفوا مزاعم الاحتلال بأن بعض الشقق استخدمت لأغراض خاصة بالمقاومة، مؤكدين انها شقق سكنية خالصة.
وفجر قصف برج السلام في العاشر من يونيو المكون من عشرة أدوار، غضباً واسعاً لاستهداف أسرة المواطن ابراهيم الكيلاني بكاملها، وقد تحول ارتفاع البرج إلى مستوى بناية صغيرة من طابقين. وهو ما أثار سخط منظمات حقوق الإنسان التي عبرت عن اسفها جراء الاستهداف الذي خالف قواعد القانون الدولي الانساني، واتفاقية جنيف الرابعة.
وبعدما طال القصف معظم أبراج "الندى"، جاء ليحول أمس برج الظافر (4) إلى أثر بعد عين، ويحيل أكثر من خمسمائة شخص إلى سجل اللجوء، في اجواء محملة بالدموع على ضياع "شقى العمر".
وأفجع قصف البرج السكني المقام إلى الغرب من مدينة غزة، الصحفي زكريا التلمس، الذي كان يعد نسفه للانتقال للعيش فيه، بعدما كان قد اتم تجهيز شقته. وعبر التلمس عن بالغ أسفه وحزنه على تدمير البرج السكني وتسويته بالأرض، مؤكدا أن هذه الحماقة لن تدفع الفلسطينيين للتراجع عن حقوقهم.
وطلب الصحفي الذي فقد شقته، أن يخلفه الله خيرا منها، وأن تضع الأطراف الدولية حدا للعدوان على غزة المستمر لليوم التاسع والأربعين.
ويصف الحقوقي مصطفى ابراهيم، استهداف الأبراج السكنية بأنها محاولة لكي الوعي الفلسطيني ومحاولة لتدمير الذاكرة، خصوصا وأن سكان تلك الأبراج لهم تاريخ وذكرى وأحلام، وبالتالي يحاول الاحتلال أن يدمر كل شيء جميل يتعلق بالمستقبل حتى لو كان المأوى.
وعبر ابراهيم عن استغرابه للمبررات التي تسوقها حكومة الاحتلال في استهداف المدنيين، وتساءل مستغربا "أي نوع جديد من الأسلحة تم تجريبه بهذه التقنية ضدنا في تدمير هذه البنايات كي تسوقها اسرائيل في مزاد سوق السلاح!".
وأضاف "الجيش الاسرائيلي يقول إن برج الظافر في غزة تستخدمه حماس مقر للقيادة والتحكم، فماذا مع السوق التجاري، وبرج زعرب في رفح؟ هل أصبحنا حقل تجارب لأسلحة جديدة".
واعتبر الحقوقي أن قصف الأبراج السكنية محاولة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لتهجير السكان من قلب المدن، وتخويف الناس وبث الرعب للوصول إلى الردع.