"قف.. أمامك نقطة عبور" لوحة جلس في ظلالها المحتاجون للسفر عبر الجمهورية الشقيقة، تنوعت أصنافهم ما بين مرضى وطلاب علمٍ وأناس تقطعت بهم السبل, ولكن ! عليهم جميعًا الانصياع لتعليمات تلك اللوحة بعدم التقدم ولو شبرا واحدا إلا بإذن مأمور البوابة السوداء!
كلما لاحت في الأفق بارقة أمل بأن معبر رفح سيكون فاتحًا ذراعيه في وجه المحتاجين للسفر, يسارع الواقع في تكذيب أحلامهم, محطمًا آمالهم بأن يعتق رقابهم التي يمسك بها منذ شهور بل سنوات.
على حافة حجر جوار بوابة معبر رفح البري جنوب القطاع, جلس ياسر يتمتم بشفتيه داعيًا الله أن يسهل سفره في المرة الرابعة ضمن سلسلة محاولاته للسفر, والتي في كل سابقاتها عاد أدراجه بعد رفض الجانب المصري لسفره.
بالكاد نطق ياسر ببضعة كلمات في حديثه لـ"الرسالة نت": "قلنا بعد الحرب والموت الي شفناه, يمكن يحنّ قلب إخوتنا المصريين علينا ويفتحوا النا المعبر حتى نسافر بس للأسف خابت آمالي".
الشاب العشريني الذي أراد السفر ليكمل دراساته العليا في إحدى الدول العربية, بدت معالم اليأس ترتسم على ملامح وجه بأن يتمكن من الوصول لجامعته في الموعد المحدد وإلا سيفقد مقعده فيها.
على أعتاب بوابة المعبر, يتناثر الألم على وجوه الحاضرين, خلال جولة "الرسالة نت" في أروقة الصالة الخارجية للمعبر, استمعنا للعديد من المناشدات والآمال التي تعلقت في نفوس الراغبين بل المحتاجين للسفر, علّها تصل لمن يهمه الأمر.
الفتاة ناريمان تجلس برفقة أمها على أحد مقاعد الصالة , يحدوها الأمل بأن يحالفها الحظ, وتخرج لملاقاة خطيبها الذي ما فتئ ينتظرها على الجانب الآخر من المعبر , ليقيما عرسهما الذي فقد جماله لتأجيله عدة مرات حسب قولها.
"عروس مع وقف التنفيذ" كما تُحب أن تُنادى تحدثت لـ"الرسالة نت" قائلةً: "أنا مخطوبة من 4 أشهر, حاولت أكثر من مرة أسافر, بس انا مش من ضمن الفئات الي بسمحوا المصريين بسفرها, وهاد حالنا كل مرة بنرجع على بيتنا".
السلطات المصرية ومنذ بداية العدوان على غزة تسمح بسفر عدة فئات تتلخص بجرحى العدوان والتحويلات المرضية المغطاة من وزارة الصحة الفلسطينية فقط وأصحاب الاقامات والجوازات المصرية والاجنبية, وما عدا ذلك فما عليه إلا البقاء في غزة .
على طرف الصالة يتعكز الحاج خالد على ابنه ليوصله السيارة, تمهيدًا لعودته للبيت, بعد علمه بأنه -للأسف- ليس من ضمن الفئات المسموح لها بالعبور للجانب المصري.
الستيني خالد حمد يعاني من مشكلة في شبكية العين, تكاد أن تفتك بنظره, يقول: "أنا بدي أسافر أتعالج على حسابي الخاص, وضع عيوني ما بسمح إلي انتظر تحويلة رسمية, بس قالوا الي ما بنفع أسافر وأتعالج إلا بتحويلة".
مدير هيئة الحدود والمعابر ماهر أبو صبحة تحدث لـ"الرسالة نت" عن أوضاع صعبة نتيجة تكدُّس المئات من الراغبين بالسفر من كل الفئات وأكثرهم من أصحاب الحاجة للسفر.
وأضاف أبو صبحة: "ما يسمح المصريين بدخوله من 300 -400 مسافر فقط من فئات الجوازات الأجنبية والتحويلات الطبية, وما دون ذلك غير مسموح له بالسفر".
وحول تساؤلنا عن أي تغيرات في تعامل السلطات المصرية بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال (الاسرائيلي) قال أبو صبحة: "وضع المعبر على حاله, لم يطرأ أي تغيير على آلية عمله لا من حيث أعداد المسافرين ولا الفئات المسموح لها".
ما ذكرنا آنفًا هي زاوية من لوحة ألم تشكلت على أعتاب بوابة المعبر, فأحدهم طالب علمٍ والأخرى تريد لم الشمل , والثالث يكاد يفقد حبيبتاه , وكلما تجولت تعرفت على المزيد من الآلام والآمال أيضًا , وكأنك ترى على جباههم عبارة لسان حالها يقول " فلترأف بحالنا يا معبر!".