لم يبق شبرٌ في قطاع غزة إلا أخذ نصيبًا من أذى آلة الحرب "الإسرائيلية" المدمرة بأنواعها، ولا واحدا منا إلا اجتاحته ذكريات وصور عاشها الفلسطينيون على مدار 51 يومًا من العدوان المتواصل والهمجي على غزة.
من جنوب القطاع إلى شماله، ومرورًا بالمناطق الوسطى منه، عاثت (إسرائيل) فسادًا وخرابًا غير مسبوق، فدمّرت الحجر والشجر وشرّدت المئات من المواطنين الذي ما زالوا ينتظرون حُلم "إعادة الإعمار".
"حي السلام" أحد أبرز معالم بلدة جباليا المعروفة باسم "جباليا البلد" شمال قطاع غزة، شهد خلال أيام العدوان استهدافاتٍ عدّة دمرت أجزاءً كبيرة من أحيائه التي اعتاد ساكنوها إخلاءها مع بداية أي عدوان، كونها تقع على الأطراف الشرقية لجباليا وتُعد منطقة احتكاك دائم.
ناصر البطش -أحد ساكني هذا الحي- يجلس على أطلال منزله المدمّر بالكامل. يُفكّر فيما سيؤول إليه حاله وأطفاله المشردين، وكم من العمر يحتاج ليرى منزله قائمًا على أعمدته من جديد.
يقول البطش لـ "الرسالة نت": "تفاجأت في إحدى فترات التهدئة، حين أتت وزوجتي وأطفالي لتفقد منزلنا بعد أن أخليناه في الأيام الأولى لبدء الحرب البرية، فما أن وصلنا حتى تحطمت كل أحلامنا وآمالنا وسقطت بسقوط طوابقه".
لم يمر على إعادة بناء منزل البطش بعد تدميره في حرب الفرقان إلا أشهر معدودة، حتى أغارت عليه الطائرات الحربية مجددًا ودمرته للمرة الثانية، لتعود معاناة ناصر وأسرته ستبدأ من نقطة الصفر.
"انتهيت من بناء المنزل مؤخرًا. لا زالت تتراكم عليّ الديون بعد أن اشتريت أثاثا كاملا للمنزل في محاولة لتعويض زوجتي وأبنائي الثمانية وإعادة الحياة إلى طبيعتها قبل أن يُهدم للمرة الأولى"، يقول البطش.
معاناة البطش الذي يعمل موظفًا في حكومة غزة السابقة تشبهها معاناة الكثير من الأسر القاطنين في هذا الحي والذين هدم الاحتلال منازلهم بشكل كاملٍ أو أجزاء منها، وكلهم ينتظرون الإعمار.
مَعلم تاريخي
أحد مظاهر الدمار البالغ التي مُنيت به جباليا أيضًا هو المسجد العمري الذي يتوسط هذه البلدة، وكان معلمًا تاريخيًا ومبنىً مركزيًا لكل أهلها منذ قديم الزمان، قبل أن تسوّيه "إسرائيل" في الأرض.
إبراهيم جودة -أحد سكان البلدة- يقول: "يعتصرنا الألم كلما رأينا المسجد على حاله هذا، فهو المسجد الأقدم على مستوى شمال القطاع، وأهالي البلدة ومنذ إنشائه جعلوه مكانًا لمناسباتهم وأفراحهم وأتراحهم". ويضيف: "قدّم المسجد أكثر من 80 شهيدا من رواده".
ويوضح جودة أن طائرات الاحتلال قصفت المسجد فجر سبت الثاني من أغسطس المنصرم بأحد براميلها المتفجّرة، ما أدى إلى تدميره، واستشهاد مؤذن المسجد "داود زكريا سليمان" وإصابة عدد من المواطنين.
ووفقا لمصادر لـ "الرسالة نت" فإن بلدة جباليا وخلال أيام العدوان الأخير الذي استمر 51 يومًا، قدّمت ما يقارب 70 شهيدًا من أبنائها، شملوا أفراد أكثر من ثلاث عائلات ارتكب الاحتلال بحقهم مجازر متعمّدة.
وتجدر الإشارة إلى أن بلدة جباليا تُعتبر موطن الاستشهادية الحاجة فاطمة النجار، التي نفذت عملية استشهادية في 23 نوفمبر عام 2006 قرب وحدة "إسرائيلية" خاصة شرق جباليا، قُتل على إثرها جندي وأصيب ثلاثة آخرين، ولُقبت بـ "أم الاستشهاديات".