قائمة الموقع

سلامة يدق أوتاد خيمته أمام "ناحل عوز"

2014-09-16T09:41:52+03:00
جانب من سكان حي الشجاعية
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

في ظلمة ليل الساعة الواحدة من فجر العشرين من أغسطس، اشتد القصف "الإسرائيلي" على بيوت الغزيين، حتى انكمش كل واحدٍ وأسرته في غرفةٍ لا تتجاوز بضعة أمتار، أملًا في تشكيل دروعٍ بأجسادهم، علّها تقيهم من أطنان المتفجرات.

ومن شرفته الشرقية، أطلّ سلامة العجلة 60عامًا ليقتبس خبرًا يطمئن به عائلته حول تقدم آليات الاحتلال، لكنّه رآها متمركزة دون تقدم اتجاه المواطنين، فحمل بشارته لأهل بيته.

"مجرد أن تخطو خطوتين مبتعدًا عن أفراد عائلتك يعتبر مغامرة، فكنا نسير على أطراف أصابعنا خشية أن نصدر أصواتًا لنعرف ما يجري في الخارج، لا سيما بعد قصف خطوط الكهرباء والإرسال بالشجاعية، حتى أصبحنا معزولين عن العالم الخارجي". يقول سلامة.

وصل سلامة لأفراد عائلته ليعيد تشكيل الدرع البشري، وما أن جلس حتى اشتد ضجيج القصف، وانهالت قذائف الآليات العسكرية على بيته، فأحدثت دمارًا في الطوابق العلوية له.

ذكريات

ساعات أشبه بكابوس مزعج، رسّخت ذكريات بذهن أهلها، فيستحضر رب الأسرة، "لم ندرِ ماذا نفعل، وبقينا نسبح طوال ليلة العشرين من ذاك الشهر، حتى أذّن الفجر. تيممنا وصلينا، وما أن انتهينا حتى سمعنا طرقًا خفيفًا على جدران الجيران".

أصواتٌ أقلقتهم بادئ الأمر، لكنّ دور المستكشف عاد من جديد، فأطل الحاج سلامة مرة أخرى حول البيت، فوجد مجموعة من رجال القسام يفتحون طريقًا من أبواب البيوت، بواسطة "شاكوش".

صوت حركة سلامة كانت مسموعة لدى رجال المقاومة، فالتفت أحدهم إليه. سأله بهمس "لماذا ما زلتم في البيت حتى الآن". أجابه رب الأسرة " بيتنا أكثر أمنًا لنا".

يبتسم ويكمل الحوار الذي جرى مع المقاومة من شرفة البيت. يقول "استغربوا من تواجدنا في المنزل، وطلب أحدهم مغادرتنا للمنطقة بأسرع وقت، ففتحت الباب، وسلمتهم المفتاح (..) والله لمن شفتهم بيزرعوا فيه العبوات لمباغتة الاحتلال كان تسليمه على قلبي زي العسل".

أحاديث الروح

"الله يحميكم وينصركم". كانت هذه العبارة التي بقي يرددها سلامة لحظة مغادرته بيته، وعلى طوال مسافة طريقه، بعدما أمّن له رجال المقاومة الطريق.

يتابع "طلبوا من أحد عناصرهم أن يوصلنا إلى أبعد نقطة عن خطوط المواجهة (..) خرجت وأفراد عائلتي تارةً نسير ببطء على رؤوس أصابعنا، وأخرى نركض مسرعين".

كانت الطرقات ملآى بالجثث، والدماء تحاكي مشهد أول أيام عيد الأضحى، ومن بين هذه المشاهد، دَارَ حِوارٌ بين سلامة وزوجته، يرويه رب الأسرة.

سألها " نسيت أجيب المصاري، جبتي ذهبك معاكِ". ردت عليه " لا.. ليش أحمله، راح نرجع كمان يومين للبيت"، فاستغرب وصرخ بصوته "مش لو جبناه يظل لنا حاجة لو صار شيء بالبيت". أجابته مطمئنة " وإن انقصفنا ومتنا الآن.. سيضيع الذهب وكل شيء، لكن وهو بالبيت في أمانة المقاومة".

وصلت العائلة إلى بيت أحد أقربائهم، وكانوا يقضون أوقاتهم بتحريك مؤشر الإذاعة ليسابقوا الزمن بخطوة، وصولًا للخبر.

"طائرات الاحتلال تقصف منزل عائلة سلامة العجلة بثلاثة صواريخ أف 16" سمع رب الأسرة هذا الخبر على احدى الإذاعات، فبقي يردد "الحمد لله على مصابنا.. اللهم عوضنا خيرًا منه"، كاتمًا حسرته في قلبه.

بقي الوطن

وما أن سمع سلامة عن تهدئة لثلاثة أيام بين الجانبين بوساطة مصرية، ذهب وأبناؤه إلى بيته الذي أصبح ركامًا، فردد "راح المنزل وبقي الوطن"، ثم دقوا أوتاد خيامهم فوق ركامه، وجلسوا بداخل "خيمة".

لقاء "الرسالة نت" مع الحاج سلامة كان داخل تلك الخيمة، التي تطل على الحدود الشرقية من قطاع غزة، فوجَهَتْ له سؤالًا حول تمسكه بالجلوس داخل خيمته، ولا يوجد بالمكان أدنى مقوماتٍ للمعيشة، فأجاب "أنا وجودي الآن في هذا المكان شوكة بحلق الاحتلال".

لم يظهر حسرته على بيته الذي أصبح ركامًا، لكنّه تحدث بأسلوب أصحاب الحق قائلًا "احنا هان قاعدين على قلبهم، وهم بيعرفوا أنه احنا مع المقاومة وبنخبيها بعيونا".

وأثناء حوار "الرسالة نت"، لم تفارق آليات الاحتلال أماكنها، حيث تجري عمليات تمشيط على طول الحدود، والتي لا تبعد سوى 500 متر عن منزل الحاج سلامة، فأشار بيده نحوها وقال "هدفهم يطلعونا من بيوتنا ويعملوا مكانها مستوطنات لجنودهم، لكن طالما المقاومة تتصدى لهم بهذه الشراسة، ما يحلموا".

حال الحاج سلامة كعشرات المواطنين غيره، نصبوا أوتاد خيامهم على أنقاض بيوتهم المدمرة، ويجلسون فيها يحدثون بعضهم بذكريات الحرب، وتأملاتهم ببشرياتٍ قد تكون لهم بإعادة بناء ما دمره الاحتلال.

وأنهى سلامة حديثه بقوله "وجودنا في الخطوط الأمامية أشد ضررًا على المحتل، ونطلب من الحكومة تثبيتنا وزرعنا في هذه الأرض، لنبقى جالسين على قلب الاحتلال".

(عدسة: محمود أبو حصيرة)

اخبار ذات صلة