قوات (إسرائيلية) معززة بالسلاح، اقتحمت المنزل بلا سابق إنذار، ومع اقتراب آذان الفجر تنادي مكبرات الصوت على متن الجيبات العسكرية: "خليل العواودة سلّم نفسك أنت مطلوب".
"ببساطيرها" دنّست قوات الاحتلال منزله في دورا جنوب الخليل، وعاثت بالبيت فسادًا بعد عمليات تفتيش طالت كل مكوناته، لتتلقف مخطوطات ومجسماتٍ لآليات عسكرية صنعت من "الكرتون المقوّى"، تعود للشاب خليل (23 عامًا)، والذي درس الأتمتة الصناعية في جامعة البوليتكنك بالخليل.
المجسمات هي عبارة عن "قطعٍ من الكرتون، تشكل "جيبات هامر"، وأسلحة، ومركبات، وجرافات، وروبوتات عسكرية "، صنعتها يدا العشريني خليل بحنكة، لتحاكي واقعًا يدور في شوارع دورا جنوب الخليل بالضفة المحتلة.
وفي الاجتياحات خير
الاحتلال (الإسرائيلي) واجتياحاته المتكررة للمدن فجرت في عقل خليل فكرة صنع مجسمات للمركبات العسكرية التي يستخدمها الاحتلال في اقتحاماته.
"بدأت بتصنيع المجسمات بعدما كنت أشاهد الدوريات (الإسرائيلية) تجوب مناطق متفرقة في البلدة، وتلفت انتباه الجميع، فبدأت بعمل مخطوطات لها، ثم انتقلت لمرحلة التصنيع". يقول خليل.
الدوريات (الإسرائيلية) لم تكتفِ بالمرور بين شوارع قرية دورا، بل عادت الكرة مرة أخرى، وشنّت حملة تفتيش في منزل خليل، بعدما علمت بعودته للتصنيع من جديد. داهمت بيته فجرًا، ثم صادرت جميع مخطوطاته، و"فلاش الكمبيوتر"، واحتجزته في سجونها ثلاثة أيام.
لم تكن الصناعات العسكرية، بطريقتها البدائية هي المرحلة الأولى لخليل، فقد بدأت موهبته منذ أن مزّق له أستاذ المرحلة الابتدائية دفتره، حينما شاهده يرسم مخطوطةً لعمارة سكنية، فصمم أن ينجزها بالورق المقوّى، لتخرج بحلّتها النهائية، وتصبح واقعًا على شكل مجسم من الكرتون.
روبوت بتقنيات عالية
وعلى برنامج "السكايب"، من خلف شاشة الحاسوب، -لصعوبة ارتباط الجسدين بسبب الاحتلال-، عرض خليل لـ"الرسالة" مجسمات "الجيبات العسكرية" التي صنعها. معقبًا "كانت هذه في أولى مراحل التصنيع".
أدار بيده كاميرا الحاسوب ليظهر (روبورت) آلي، مصنوع من الحديد والألمنيوم، و"فايبر جلاس"، ومجهز بكاميرات مراقبة أمامية وخلفية، وسماعاتٍ، ومايكروفون، ويحوي ثمانية مواتير لتشغيله، وست عجلات لتمكنه من السير في الأماكن الوعرة، وتحافظ على اتزانه.
همّ خليل أن يكون لدى بلاده صناعة عسكرية محلية، مضيفا: "صنعت الروبوت للدخول إلى أماكن يصعب الوصول لها، ومصمم لأجهزة الأمن لتفكيك الأجسام المشبوهة، وإمكانيته الدخول للمناطق الوعرة.
"الروبوت مجهز بذراعٍ حديدي يشبه الكماشة، يتحكم به عن بعد، ومهمته التفكيك، والتكسير، وارسال البيانات لرجال الشرطة". ويضيف خليل "كلفتني صناعة الروبوت ما يقارب 1000 دولار أمريكي، جمعتها من أموالي الخاصة، وبمساعدة والدي".
بلا حاضنة
يتابع "لم أحصل على أي دعم يذكر وكنت أصمم وأبني مشاريعي من مصروفي الشخصي".
الجدير بالذكر أن مشروع (الروبوت –الرجل الآلي) قد حاز على درجة الامتياز في مشروع تخرج الجامعي، وبعد التخرج لم تلق الجامعة له بالاً، فلم يدرِ به الناس ولا أصحاب القرار.
المخطوطات التي تسكن عقل خليل، تحاكي "روبوتًا" أكثر تطورًا، لكن تكلفته المادية حالت دون صناعته، فقد رسم فكرةً لنموذجه الثاني العسكري لكنه يكلف50 ألف شيكل.
آخر انجازات للعشريني كان عبارة عن روبوت متعدد المهام، وينقل الصورة والصوت إلى أي مكان في العالم عبر شبكة الانترنت، "ولكن للأسف لم أحصل على أي دعم لتطوير هذا المشروع". وفق قوله.
رب الأسرة يعمل مزارعًا، وخليل وهب نفسه لخدمة بلده، لكنّ أحدًا لم يطرق بابه ليرى ابداعه، ويطوّر منه، إلا أن أكثرهم أحبطوه بعباراتٍ قاسية، ومنهم الذي سخِر من انجازاته.
تشعب الإبداع
وإن دقّ باب البيت راعٍ لإنجازاته، وفتح للضيف خليل، سيطوّر من مجاله أكثر. يضيف " أتمنى لأطوّر من ذاتي في المجال الطبي، وأساعد من فقدوا أعضاءهم".
العدوان الأخير على قطاع غزة، غيّر من أفكار خليل بعض الشيء، فتوجهت أنظاره للمجال الطبي، وصناعة الأطراف الصناعية. يقول " أتمنى الدخول بالمجال الطبي؛ لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، والمصابين بالشلل الكلي، خاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة".
يرى خليل أن لديه مشاريع في المجال الطبي، تستحق "براءة اختراع"، شارحًا " وضعت مخططات لأصحاب الشلل النصفي والرباعي، ومتضرري الحرب على غزة بفقدان أطرافهم، يساعدهم ليكونوا أكثر كفاءة من البشر الطبيعيين. وأنتظر جهة تدعمني ماديًا".
يرى خليل أمام ناظريه مستقبل الدولة الفلسطينية، مطالبًا الجهات الحكومية بدعم مشاريعه لصالح فلسطين وشعبها.
عقلٌ فلسطيني ينافس صناعاتٍ عسكرية (إسرائيلية) بنسخٍ طبق الأصل عن المركبات التي تستخدمها أقوى الجيوش في العالم، بلا دعمٍ حكومي فلسطيني، ويسعى لاختراعاتٍ من شأنها مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنافستها على مستوى العالم، ولا أنظار تتوجه صوبه.