النظرة لم تتبدل.. المريض النفسي يصارع مرضه والوصمة المجتمعية

الرسالة نت- كريمان البحيصي

"أنا لست بخير، لكني لا أعاني من أي ألم" هكذا بدأت مريم أحمد "اسم مستعار" (51) عاماً، حديثها (للرسالة نت) وأردفت: "هذا الشعور لا يعرفه إلا من أصيب به يوماً، كنت أشعر بغموض في الأحاسيس ويتهيأ لي أنني أسمع أصواتا غريبة".

في طيات حديثها معالم حزن إثر تجربة ارتباط فاشلة أخبرتنا عنها، فطلاقها وحرمانها من أطفالها الثلاثة لم يغفر لها بأن تحتويها عائلتها على حد قولها.

العزلة والوحدة لأكثر من 10 سنوات كانت كفيلة بزعزعة نفسية مريم وصار لزاماً عليها زيارة طبيب نفسي، ولكن رفضها التام فاقم المشكلة، سيما وأنها تنكر مرضها النفسي.

الريشة والألوان وكتابة النصوص القصيرة أصبحوا أصدقاء لمريم في عزلتها بديلاً عن الأهل والأصدقاء كما تقول، حتى أنها قررت اعتزال كل ما يربطها بمنطقتها والسفر خارج القطاع.

لكن أبناءها الذين وقعوا ضحية الطلاق كانوا قارب نجاة لأمهم، فقبل أن تصل إلى مرحلة الصفر وتغادر لمصير مجهول قرروا مساعدتها وصديق مقرب للعائلة بزيارة طبيب نفسي رغم رفضها القاطع.

رحلة العلاج

وفي ذات السياق، قال نجلها محمد علي: "كانت والدتي في البداية قبل العلاج يتهيأ لها الكثير من الأحداث غير الحقيقية وترفض مقابلتنا نحن أبناءها، ولم نلاحظ أنها تعاني نفسياً لأنها كانت تخرج وتقوم بأعمالها اليومية كالمعتاد".

وأضاف "كنت متخوفا جداً من هذه الخطوة خاصة أننا نسمع الكثير من القصص والدراما داخل المستشفى النفسية وهذا ما رسخته الأفلام في عقولنا، ولكن عرفت أن المرض النفسي هو مثل المرض العضوي بل وأخطر ويجب التوجه للمتخصص لعلاجه".

والآن بعد سنة من العلاج النفسي يؤكد علي أن أمه تحسنت 180 درجة بعدما كانت تعاني من الفصام الذهاني وهو اضطراب عقلي مزمن وشديد يؤثر في طريقة تفكير الشخص وشعوره وسلوكه.

ونصح علي الذي عاش مع أمه تفاصيل رحلتها العلاجية كل من يعاني من اضطرابات نفسية الذهاب للطبيب دون الالتفات لكلام المجتمع وللوصمة المجتمعية.

العلاج النفسي ضرورة

وفي ذات السياق وحول نظرة المجتمع للمريض النفسي التي لم تتغير رغم التطور والعلم، قالت الإخصائية النفسية خلود جمال الأزبط: "رغم التطور الذي شهده الطب النفسي بعلاج الأمراض النفسية إلا أن النظرة المجتمعية السلبية للمريض النفسي تبقى حاضرة وللأسف ربما هي العائق الأساسي للعلاج".

وأوضحت الأزبط أن الثقافة السائدة في المجتمع تجعل الناس ينظرون للمريض النفسي بأنه عار لا شفاء له، حيث تزيد من شعور المريض بالكرب مما يؤدي إلى تجنبه العلاج وعزلته الاجتماعية.

ونوهت إلى أن المريض النفسي غالباً لا يعترف بالأعراض المرضية لعدم وعيه بالمرض أو خوفاً من المجتمع، وذلك يسبب له الكثير من المشكلات الحياتية والصحية مما يؤدي لتطور الاضطراب للأسوأ وتستغرق فترة العلاج مدة أطول.

وأشارت إلى أن ٣٥%من المرضى يرفضون العلاج، وهذا مؤشر خطير له آثاره السلبية، مؤكدة أن الوصمة المجتمعية تجعل المريض ينظر إلى نفسه نظرة دونية، لذا يجب التوعية بأن المرض النفسي هو كأي مرض يصيب الإنسان للحفاظ على كرامة المصابين وعدم هروبهم من العلاج.

وقالت: "لعل من واجبنا الإنساني كعاملين في مجال الصحة النفسية أن نلقي الضوء على كيفية محاربة تلك الوصمة تجاه المرض النفسي ودمج المريض بالمجتمع المحيط وطريقة علاجه فهي ظاهرة لها أبعاد خطيرة تؤثر على المجتمع ككل.

يُذكر أن مسحا جديدا أجراه البنك الدولي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أظهر أن أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني مصاب بالاكتئاب، بواقع 71% من سكان قطاع غزة، و50% بالضفة، و58% ممن هم فوق الـ 18 عاماً.

متعلقات

أخبار رئيسية

المزيد من قصص صحفية

البث المباشر