قائمة الموقع

"المخزن".. قبر النازحين بغزة!

2014-09-21T05:59:00+03:00
(صورة من الأرشيف)
الرسالة نت-حمزة أبو الطرابيش

حين تطل برأسك من فتحة المخزن الذي يأوي عائلة أبو محمد الكفارنة التي نزحت فيه بعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي منزلها بالكامل، ستشعر أنك في قبر، لكن بمساحة أكبر من ذاك الذي تحت الأرض، والسبب الظلمة والرائحة الكريهة والأجساد الهزيلة.

في الزاوية الأشد ظلامًا في ذلك المخزن الواقع شرق مخيم جباليا كانت تجلس زوجة أبو محمد مرتدية ملابس الصلاة، لا نعلم ما كان يتمتم وجهها، وجعًا أم حسرًة أم ضجرًا، كلها متشابهة، فيما كان يلتف حولها أطفالها ريم وملك وعبود دون أن يسمع لهم صوت.

ترقد تلك العائلة المكونة من ثمانية أفراد في ذلك المخزن الضيق المعتم منذ قرابة الشهرين، وبالتحديد مع بداية الأسبوع الثاني من الحرب الثالثة على غزة، بعد ما دمرت طائرة حربية منزلهم المتواضع في مدينة بيت حانون.

منذ يوم النزوح، تعيش العائلة في ذلك المخزن على بعض المعلبات والماء وقليل من الأغطية وأشياء لا تذكر.

وسط ذلك المخزن جلسنا مع أبو محمد المتعطل عن العمل على قطعة قماش بالية ليحدثنا عن أوجاع عائلته، يقول: "النا من شهرين عايشين في هالقبر، اجت المدرسة وأولادي ما شرتلهم أواعي(..) أولادي ومرتي انخنقوا من هالعيشة".

تقطع حديثنا ابنته ريم حين طلبت من أبيها قائلة: "يابا بدي شنطة للمدرسة"، فيرد عليها: "بس الاقي اطعميكم يا حبيبتي ونطلع من القبر الي احنا فيه".

زوجته ذات الوجه الشاحب تحتضن ابنها عبود الذي تعافى مؤخرًا من حُمّى كانت من الممكن أن تودي بحياته لولا رعاية الله، تقول: "حياتنا بعد ما انقصف بيتنا، ما لها طعم ولا لون". تتحسبن ثم تمسح دمعتها الجارفة، وترفض استكمال حديثها.

 عائلة أبو محمد. زاوية ألم من بين آلاف الزوايا المليئة بالأوجاع منها أشد ألمًا ومنها الأقل، ومُسببتها آلة الطحن الإسرائيلية الملعونة في حربها الثالثة على غزة.

وفي مشهد آخر، انتعش أطفال أم بلال حسنين الأربعة بعدما انتهت من غسل أجسادهم الصغيرة على بوابة المخزن الذي نزحوا إليه بعد أن نجوا من مجزرة الفجر "الشجاعية"، وسبب في تغسيلهم على بوابة المخزن لأنه ضيق جدًا.

عائلة حسنين مكونة من 11 فردًا تأوي في ذاك مخزن منذ شهر ونيف، ويقع على الأطراف الغربية من حي شيخ رضوان.

لا تختلف تلك العائلة في حياتها الباهتة عن المذكورة  سابقا. المساحة ضيقة، والظلمة والرائحة الكريهة.

تقول أم بلال فيما كانت منشغلة بتنظيف بوابة مخزنها: "الحياة بطلت إلها قيمة عنا(..) أنا وأطفالي وزوجي عايشين من قلة الموت".

"يارتنا مُتنا في المجزرة" قالتها أم بلال قبل أن تنهمر بالبكاء، ثم دخلت في المخزن المعتم.

أكملنا الحديث مع ابنها البكر بلال الذي لم يتعاف حتى صياغة هذا النص من إصابته في كتفه جراء شظايا القذائف المدفعية،  يقول المصاب: "في الليل لا نعرف النوم، درجة الحرارة عالية (..)، يارب ارحمنا برحمتك".

بعد أن وضعت الحرب أوزارها بغزة، بدأت حكاية أموات فوق الأرض تظهر نصوصها، دون شك هم النازحون في المخازن!

اخبار ذات صلة