قائمة الموقع

"هدى" تعصف بأحلام النازحين بغزة

2015-01-08T08:34:04+02:00
معاناة الناس في المنخفض الجوي على غزة
الرسالة نت- محمود هنية

من بين الخيم المنصوبة فوق الركام وتحت أغصان الشجر، نبت مشهد جديد من القسوة والمعاناة، أزاحت الستار عنه تلك الرياح العاصفة التي حملتها "هدى"، لتكشف النقاب عن بشر ما زالوا يعيشون في الخيام دون ماءٍ أو كهرباء أو ما يقيهم برد الشتاء في مطلع العام 2015م.

الحاجة الستينية أم ابراهيم نصار، قررت مواجهة المنخفض بعظامها الرقيقة، وهي تجلس في ساحة منزلها المدمر في إحدى أبراج الندى على مشارف مدينة بيت حانون، فلا سقف يحميها من الأمطار الهاطلة، ولا جدران تواريها من هوجاء العاصفة.

فضّلت ام إبراهيم المبيت في منزلها مع نجلها الوحيد، تفترش الحجارة المبعثرة جراء انهيار جدران منزلها، تلفها أسوار الغرف المدمرة، بينما أسمى أمنية لها أن تحتسي كوبًا من الشاي الساخن، في وقت لا يوجد فيه بمنزلها أدنى مقومات الحياة.

وهناك حيث الشجاعية، كان الحاج السبعيني أبو أحمد مؤذن مسجد السلام على مدار 27 عامًا، أقعده الاحتلال مجبرًا عن الصلاة في المسجد بعدما تسبب ببتر إحدى قدميه في العدوان الأخير على القطاع، وأصبح يبيت في خيمةٍ بعدما دُمّر منزله بالكامل.

الخيمة الذي توارى فيها أبو أحمد وابنته ونجله لم تحمه من تلك الأمطار العاصفة، والتي باغتته في قلب خيمته، فهي تعلم أن أسوار منزله المشكّلة من قطع القماش لن تقيه برودتها القاسية.

وعلى مشارف خط الحد مع الأراضي المحتلة، كان الأطفال شهودًا على بشاعة البرد وقسوة اللجوء في مدارس الأنروا ببلدة بيت حانون المدمرة شمال قطاع غزة، حيث ترتجف أواصرهم من الرعد والرياح الشديدة، حيث لم يجدوا من منازلهم ما يؤويهم.

بكامل قوته يحتضن عيدان الحطب، يحارب بعنفوانٍ موجات الريح التي أسقطت الرحمة عن نفسها، ولم تتوانى في ضرب جسده الصغير، أخيرًا وصل ونجح في اشعال بعض العيدان وسط منزله المدمر، يراقب كيف سيدخل الدفء إلى قلب أمه المجمد بأهوال الواقع والسياسة.

تراقب الأرملة طفلها من بعيد، وقد اكتست الزرقة ملامح عينيه، من شدة البرد وقسوة الظروف.

أمّا حكاوي الوجع فقد تعددت فصولها في منازل المشردين، فلم يتجرعوا مرارة حرمان ذويهم فحسب، ولم يعد الأمر يقتصر على منازلهم المدمرة، فهناك من اكتوت عوائلهم بالجوع، حيث لم يجدوا ما يشعلوا به النيران ليسدوا به رمق أطفالهم.

عدد من المشردين في كرفانات صناعية ببلدة بيت حانون، ممن زارتهم ""، لم يجدوا كيس دقيق لأطفالهم، حيث لا عمل لهم بعدما دمرت قوات الاحتلال مصانع قريبة كانوا يعملون فيها خلال السنوات الماضية.

فالمواطن المشرد محمد المصري أضطر مع عائلته للمبيت في الكرفان الذي منحته إياه إحدى المؤسسات الخيرية بعد تدمير منزله، بينما يرتجف أطفاله بردًا طيلة الوقت لعدم وجود ملابس كافية وغطاء يقيهم البرودة القاسية.

يقول المصري لـ ""، إن اطفاله يضطرون الجلوس طيلة الوقت داخل غرفة واحدة، بفعل الخراب الذي أصاب سقف الكرفان، وسقوط الأمطار عبره.

حديثنا معه، قطع جلسته مع أطفاله، حيث كانوا يتناولون بعض حشائش "الخبيزة" التي التقطوها من إحدى الأراضي القريبة منهم، وهو الطعام الذي تأكله العائلة بشكل يومي على حد قوله.

فتاته الصبية التي تعد نفسها لدراسة الثانوية العامة، فضّلت مواجهة العاصفة "هدى" عن الوقوف في وجه عواصف الفقر والجوع، وتحدثت وقد تملكتها دموعها عن أمنيات لم تجد طريقها للتطبيق، وقد فقدت بوصلتها نحو التحقق.

وقد احتوت أشقاءها الصغار تحاول أن تبث ابتسامات ضائعة، تاهت في غرف "الكرفان" المدمر، وبصوت نحيف يكاد لا يسمع من صوت العاصفة الهادر، طلبت توفير مصباحٍ كهربائي لها كي تواجه به انقطاع التيار الكهربائي المستمر.

هي مسافات قصيرة تلك التي تفرّق بين البيوت والمنازل المدمرة، ولكلٍ منها حكاية من الألم والمعاناة انتصبت فوقها خيمة لم تفلح في مواراة خبايا خرجت تنبعث روائحها من ثنايا الوجع المستمر، وما زالت تكشف المزيد من الآلام والمعاناة والضياع.

وما زال هؤلاء بانتظار أن تتحقق وعود السياسيين والمانحين، محذرين من عاصفة قد تنذر بقلب الأوضاع كما تفعل "هدى"، فلم يعد الطقس السياسي بمنأى عن تقلبات المناخ بوصف المشردين.

أمّا الفصل الأخير من المشهد، فقررت الطفلة حنان أن تسدله ببراءتها الخاصة، حينما هتفت بصوتها "نريد الرئيس أبو مازن أن يعيش في منزلنا لعدة ساعات فقط ليعرف كم مرةً نموت في اليوم".

وبمعزلٍ عن مطلبها، فإن ما تحمله "هدى" من درجات حرارة متجمدة، لن تكون أقل اثرًا وسلبًا من مشاعر بعض السياسيين التي تجمدت ولم تحرك ساكنًا إزاء معاناة شعب ما برح أن تندمل جراحه حتى داهمته جراحٌ اخرى.

اخبار ذات صلة