تسعة مليارات شيكل؟ أحد عشر ملياراً؟ أو فقط خمسة مليارات؟ ليس واضحاً حجم الإضافة التي تحتاجها البنية الأمنية في ميزانية العام القريب, ولا نعرف إذا كان هناك من يستطيع تقدير الإضافة المطلوبة, لكن أمراً واحداً لا يمكن الجدال حوله بعد الحرب الأخيرة في غزة: ما كان يجب ألا يكون.
في الأربع سنوات الأخيرة لم يكن للجيش الإسرائيلي خطة لعدة سنوات، صراعات الميزانية اضطرته إلى عمل خطط قصيرة المدى كتلك التي تنظر سنة واحدة للأمام فقط، وهكذا لا يستطيع أن يبني القوات للحرب, ولا يستطيع أن يوفر الأموال لشراء مركز للأدوات, فالصراع على الميزانية أصاب جاهزية الحرب في الصميم، وللحرب في غزة وصل الجيش بسكون تام.
قطاع غزة هو المشكلة الأصغر من بين التهديدات, وكما وضع بعض القادة رأسهم في الرمل أمام تهديد الأنفاق، فمن الممكن أن ينفجر في وجهنا في المستقبل موضوع عدم الجاهزية أمام الحرب على الجبهة الشمالية, على ضوء زيادة قوة حزب الله وانتشار "الإرهاب" العالمي، وسيكون هذا التحدي أكبر بكثير، والتهديد ليس فقط من لبنان بل في ساحة واحدة فيها جبهتان: أرض الأرز وأرض الأسد, فبعد أن قُتل حوالي 300 من مقاتلي حزب الله في سوريا من الواضح أن الأسد سيرد الجميل.
من يعرف التفاصيل حول المخاطر الموجودة في هذه الحدود ويعرف مستوى جاهزية الجيش الإسرائيلي يجب أن يكون قلقاً جداً, فبالإضافة إلى تقليص تدريب الوحدات النظامية وإلغاء تدريبات الاحتياط، فإن الجيش ليس مسلحاً بأدوات كافية, يوجد للجيش اليوم عدد قليل من المدرعات من نوع "نمر" التي تمنح حماية مقبولة, باقي الأدوات هي مدرعات خفيفة ومستوى تحصينها رأيناه في كارثة المدرعة في عملية "الجرف الصامد", ولو عرف الجمهور عن العلاقة العددية بين النوعين من المدرعات لأصابه الفزع, ففي الحرب التي ستندلع في لبنان، ستتحول المدرعات القديمة إلى مصيدة موت أمام صواريخ مضادة للمدرعات والتي يمتلكها حزب الله، نظراً لأن الجيش يملك عدد قليل من أجهزة الدفاع من نوع "معطف الريح" فهناك الكثير من المدرعات التي ستكون مكشوفة.
ومن ناحية الدفاع الجوي فالوضع ليس أفضل بكثير, حيث يمتلك الجيش اليوم تسع بطاريات فقط للقبة الحديدية، ومن الواضح أنها لن تكفي للكارثة التي ستحدث عند سقوط آلاف الصواريخ على "إسرائيل", وأن منظومة "الصولجان السحري" بحاجة إلى أكثر من عام لتصبح قيد الاستخدام، ولكن حينها أيضاً ستكون المشكلة أن إسقاط واحد سيكلف مليون دولار.
في نظرة إلى الشمال يتبين أن حزب الله يعمل بعكس "إسرائيل": فهو يتسلح، ويزداد قوة، ويتحسن, هكذا يقول ضباط في فرقة الجليل وخبراء من الاستخبارات العسكرية في شأن حزب الله, لقد امتلك الحزب حوالي 100 ألف قذيفة من أنواع مختلفة، وهي أثقل وأكثر دقة ومدى أطول من تلك التي تم استخدامها في 2006، وقدرته على الإطلاق تبلغ 1000 قذيفة في اليوم، و"إسرائيل" ليس لديها رد على ذلك.
بينما جلس جنود الاحتياط في صالونات بيوتهم بدلاً من المجيء للتدريب بسبب نقص الميزانية، فإن نصر الله حوّل منطقة القصير في سوريا إلى معسكر تدريب له, أكثر من خمسة آلاف مقاتل وقائد من حزب الله موجودون في سوريا في كل لحظة ويحاربون ويمتلكون خبرة كبيرة, كل محارب في التنظيم يمر بـ "خط سوريا" مرة واحدة على الأقل، ويتعلم الحرب في الجيش النظامي. محاربون من حزب الله تحولوا إلى القوة الخاصة المحاربة للأسد وتدربوا على تحسين قدرة إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، وهذه هي الصواريخ التي تشكل عنصر حاسم في الحرب القادمة مع "إسرائيل", عملياً، يتدرب محاربو حزب الله منذ ثلاث سنوات، وهذا حلم كل تنظيم محارب.
في الماضي وعد نصر الله أنه سيحتل الجليل، ومن أجل هذه المهمة لن يحتاج حزب الله للأنفاق، فيكفي أن يعبر الحدود ويسيطر على إحدى البلدات الإسرائيلية, في القيادة الشمالية يعرفون أن قائد حزب الله جاد، ولذلك غيّرت القيادة الشمالية بشكل دراماتيكي خطة الحرب وحولتها إلى دفاعية بالضبط كما في غزة، إلا أن التحدي في الشمال أكبر بكثير.
هناك من يقولون أن حزب الله لا يريد الدخول في حرب مع "إسرائيل" من فوره, فالتنظيم غارق في الحرب في سوريا، ويضيفون أن "داعش" ومنظمات جهادية أخرى يشكلون تحدي بالنسبة له في بيته, ولكن حتى وإن كانت طلقة البدء في الشمال ما زالت بعيدة، إلا أنه يجب رؤية الصورة كاملة بكل ما يتعلق ببناء القوة لحزب الله مقابل الصدأ الذي اعتلى قوات الجيش الإسرائيلي.
يقول ضابط رفيع المستوى في قيادة الأركان، أنه يجب على "إسرائيل" أن تستيقظ, وحسب قوله إذا لم يكن سلاح البر الإسرائيلي قوي بما فيه الكفاية فهو سيواجه مشكلة في الشمال, ما الحل إذاً؟ زيادة في الميزانية يجب أن تذهب لتدريب الاحتياط، على الجيش إعطاء أموال لشراء بنى وأدوات متطورة وأن يضع خطة متعددة السنوات للتسلح, وبروح هذه الأمور قال أمس وزير "الدفاع" "موشيه يعلون": "محظور أن نصل إلى مرحلة حيث ننظر إلى الوراء ونقول بأسف إن عدم الاستثمار في الأمن كان أمر غير مسؤول ودفعنا بسببه ثمناً باهظاً".
سيضطر الجيش إلى تغيير نظريته بالاعتماد على القصف الجوي والمعلومات فقط وإهمال البر، هذه النظرية التي تبين أنها خاطئة في الحرب على غزة, ومن أجل جسر الهوة على الجيش أن ينقل ميزانيات من سلاح الجو إلى سلاح البر, يقول جنرالات في هيئة الأركان أنه بالإمكان التنازل عن جزء من الـ19 طائرة من نوع (F 35) التي لم تصل بعد، حيث يصل ثمن كل طائرة من هذه 140 مليون دولار، والمبالغ التي سيتم توفيرها يمكن أن تعطى للحاجات الفورية, الجيش يستطيع أن يواجه المخاطر بـ15 طائرة كهذه، ولكن بدون قوات برية، سينتهي الأمر بشكل سيء.