قائمة الموقع

الصندوق الأسود لحادثة غرق مهاجري فلسطين

2014-09-25T21:02:56+03:00
صورة رمزية
الرسالة نت- فادي الحسني- محمود هنية

لم تنم غزة بعد على فاجعة فقدان أكثر من ألفي شهيد جراء العدوان الأخير، حتى استفاقت على حادثة غرق العشرات من أبنائها في المياه الدولية الأوروبية، وهو أمر أثار زوبعة ضربت القطاع وامتدت إلى شواطئ ايطاليا واليونان لكنها لم تحرّك من السياسيين شيئا.

حادثة الغرق التي راح ضحيتها أكثر من 400 شخص تقريبا، أفاضت بحر من الاسئلة عن دواعي الهجرة وطرق التهريب، وأسباب الغرق الذي تعرض له المهاجرين ممن باع أحدهم مصاغ زوجته، وآخرون اضطروا للاستدانة لتوفير القيمة المادية المطلوبة والمقدرة بـ(4000$).

وبالقدر الذي فجّرته الحادثة من مآسي، سعت "الرسالة نت" أن تبحث عن إجابة واضحة لتلك الأسئلة التي تدور في صدور العامة قبل أهالي الضحايا، حتى وقفت على عدة نتائج، أبرزها أن المهاجرين، إما أنهم ذهبوا يبحثون عن فرص عمل أو طمعا في الهروب من أجواء الاضطراب السياسي والأمني.

تقصير رسمي

الجانب الأخر من الفاجعة التي ألمّت بأهل غزة على وجه الخصوص، تمثلت بتقصير الجهات الرسمية الفلسطينية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الغرقى الذين بقوا في المياه ثلاثة أيام بعد أن تعرضوا للغرق المتعمد.

قارَن مُعدِّا التحقيق النتائج التي خلصت اليها جهات حقوقية مع شهادات الناجين، فتطابقت، حيث لم تختلف الرواية كثيرا، فهي بدأت عبر البحر المتوسط انطلاقًا من شواطئ الإسكندرية متجهين الى جزيرة صقلية، وحال بين اللحظتين شيطان مجهول صفع مصيرهم في أعماق البحر، وخنق أحلامهم للأبد.

"الرسالة نت" وقبل أن يتكشف لها التباطؤ الرسمي المتعلق بدور السفارات الخارجية في معالجة أثار الكارثة، آثرت الوقوف على خفايا القصة الكامنة، وسبل الهجرة المتبعة من غزة، من خلال الانصات الى رواية الشابين الناجين من أصل ثمانية أشخاص وهما (محمد راضي وحميد بربخ).

يؤكد الناجيان أن بداية القصة جاءت بدافع البحث عن عمل بعد أن ضاقت بهم السبل في قطاع غزة، حيث تواصلا مع عدد من المهربين المحليين وجميعهم من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، أوصلوهم بعد انتهاء العدوان الذي استمر 51 يوما، إلى الأنفاق الحدودية مع مصر، لتنتهي هنالك مهمة المهربين المحليين، ويبدأ مهرب مصري آخر من سيناء بتسلُّم المهمة.

يؤكد المهاجران أن المهرب المصري، استعان بسيارة خاصة وسلك طرقًا التفافية وعرة وذلك تجنبا للكمائن التي يقيمها الجيش المصري على طرقات سيناء والعريش. استمروا على هذا النحو وصولا إلى منطقة البحيرة، وانتقلوا لاحقا إلى الاسكندرية حيث المحطة الأولى.

هناك تولي مهرب ثالث مهمة نقل المهاجريَن (راضي، بربخ) بعد يومين من وصولهما، حيث نقلهم رفقة مهاجرين آخرين عبر حافلات صغيرة، وذلك بتاريخ التاسع من سبتمبر، إلى ميناء دمياط، ومنها أبحرت بهم قوارب صغيرة الى عرض البحر المتوسط، قبل ان ينتقلوا إلى مركب آخر أكثر سعة مكون من طابقين خلال رحلة الهجرة.

حينئذ رافق (راضي، وبربخ) نحو 450 شخصًا من بينهم عوائل فلسطينية كاملة نتحفظ على ذكرها، إضافة إلى فلسطينيين يعيشون في مدينة العريش وفلسطينيين نازحين من سوريا، وآخرين يحملون جنسيات مختلفة من بينها مصرية وسودانية.

تلك الرحلة التي أقام المشاركين فيها من النساء والأطفال -البالغ عددهم نحو 150 شخصا وفق المرصد الأرومتوسطي- في الدور الأول من المركب، أجبر المهربون المهاجرين على الانتقال على متن عدة قوارب اثناء الرحلة التي استغرقت أربعة أيام، وفق إفادة المهاجرين.

قارب هش

المهاجرون الناجون قالوا إن المهربين طلبوا منهم الانتقال إلى قارب هش في نهاية الرحلة، لكنهم رفضوا، وبدأ يتصاعد صوت الخلاف بينهم وبين المهربين. بعد نحو 45 دقيقة، باغتهم مركب أخر أكبر سعة يحمل اسم (الحاج رزق دمياط) واندفع نحوهم بشدة ثلاث مرات فأغرقهم جميعا وبشكل متعمد، فيما لم ينجُ سوى ثمانية أشخاص فقط.

وإن كنا قد بحثنا مطولا للوقوف على الدوافع وراء إغراق المركب بطريقة العمد، إلا أنه لم يتسنَّ لنا معرفة الأسباب الحقيقية غير المشاعة لأمرين: الأول يتعلق بالبعد الجغرافي، والأخر مرهون بافتقاد الكثير من الشخصيات التي طرقنا أبوابها سواء الرسمية وغير الرسمية للمعلومات الحقيقية فيما يخص أسباب ودوافع الغرق.

ويشير بربخ إلى أن ما يربو عن 100 طفل مع أمهاتهم كانوا على متن القارب في الدور الأسفل قضوا نحبهم بعدما غرق القارب بالكامل، وهنا بدأت الجثث تطفوا على سطح البحر، فيما تبقى بحسب تقديره نحو 100 شخص يطوفون بواسطة خشب وطوافات، لكنهم بدأوا يتهاوون واحدًا تلو الآخر بفعل الارهاق والتعب.

ويتابع "في البداية كان الجميع على قيد الحياة لأنهم يرتدوا سترة نجاة فتشبثوا ببعضهم وبدأت أصوات الأدعية وقراءة القران تسمع من جميع الأرجاء، باتوا ليليتها وهم عائمون على سطح الماء ليطلع الفجر على فاجعة غرق الأطفال والنساء نتيجة الارهاق وارتفاع الامواج".

الناجيان (راضي وبربخ) أكدا لـ"الرسالة نت"، أنه قدر لهما أن يُنتشلا بعد يومين من إبحارهم، بواسطة سفن يُعتقد أنها يونانية.

وبحسب ما نقل عن مؤسسات حقوق الانسان التي تتابع القضية عن كثب، فإن 8 أشخاص فلسطينيين فقط نجوا، 3 منهم في مالطا و3 أخرين في اليونان و2 في إيطاليا، بجانب ثلاثة من جنسيات مختلفة.

ووفقا لبحث معدي التحقيق، فإن الهدف الذي اجتمع عليه المهاجرون الفلسطينيون من غزة خصوصا الذين تراوحت أعمارهم بين 20-30، هو البحث عن فرص عمل على ضوء ارتفاع نسبة البطالة الى نحو 40% داخل القطاع المحاصر، بينما تبين أن بعض العائلات كان هدفها البحث عن الاستقرار الأمني ذلك على ضوء الحروب الثلاثة التي شهدها القطاع خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وبناء على ما ورد في بيان للسفارة الفلسطينية في ايطاليا فإن المركب الكبير الذي انطلق من الاسكندرية، كان على بعد حوالي 300 ميل بحري (555 كلم) جنوب شرق مالطا عندما وقع الحادث، أي داخل المياه الدولية وليست الإقليمية الخاصة بأوروبا.

وأشارت السفارة إلى إن الاتصال انقطع بالقارب لأنه غير محمّل بأجهزة لا سلكية، ولم يطلق انذار استغاثة للجهات المعنية.

وبالترافق مع غرق القارب الكبير فقد أبحر قاربان صغيران يحمل كل واحد منهما على متنه قرابة 15 فلسطينيًا، وتعرضوا للغرق، إضافة لمركبين خرجا من مدينة بنغازي الليبية، حيث أشارت السفيرة الفلسطينية في ايطاليا مي كيلة إلى أن من كان على متنيهما من الفلسطينيين الغزيين لا يتجاوز450 شخصًا.

من جهته فإن "المرصد الأورومتوسطي" أفاد أن مالطا أجرت مسحًا بحريًا عن الضحايا ضمن نطاقها الاقليمي، ولم تبذل جهودًا في البحث عنهم ضمن المياه الدولية.

وقال إنه جرى مخاطبة السلطات الايطالية واليونانية من أجل انتشال جثث الضحايا التي شوهدت تطفوا على سطح البحر كما أفاد بذلك من نجا، إلا أنها لم تفعل.

ولفت المرصد إلى تجربة سيئة مع السلطات الإيطالية والمالطية بشأن ما يتعلق بانتشال الجثث، حيث رفضتا سابقا انتشال أكثر من 200 جثة لفلسطينيين وسوريين غرق قاربهم في شهر أكتوبر من العام الماضي.

أما السفارة الفلسطينية في ليبيا فأكدت أن مثل هذه الحوادث هي بحاجة لاتصالات واسعة مع الدول المعنية، لأن المنطقة لا تقع ضمن نطاقها الاقليمي.

بينما ذكرت السفارة الفلسطينية بأثينا أن النجدة وصلت للسفينة من ايطاليا ومالطا صباح السبت ما يعني أنهم مكثوا في المياه نحو ثلاثة أيام، إذ وصلت سفينة يونانية تجارية وأنقذت ثلاثة فلسطينيين أحياء موجودين الآن في خانيا بجزيرة كريت.

تقمص دور

وللوقوف أكثر على صحة المعلومات المتعلقة بالتهريب، تقمّص مراسل "الرسالة" دور شخص ينوي الهجرة بالطريقة غير الشرعية، وطرق أبواب أحد المعاونين من مدينة غزة بدافع ربطه بالمهرب الذي تبين لاحقا أنه من سكان المحافظة الجنوبية.

طالبنا الالتقاء بالمهرب غير أن الأخير رفض ذلك بدافع أن الأمر لا يحتاج مقابلة للاستفسار واكتفى بتقديم شرح عبر الهاتف عن آلية التهريب، قال إنه يتعين على الشخص الواحد توفير مبلغ 4ألاف دولار حتى يتمكن من الوصول إلى أروبا بسلام.

وعند السؤال عن طريقة تأمين الرحلة قال "لا عليك من هذا، فلتدفع 500 دولار هنا (أي في غزة)، وعند الوصول إلى أوروبا بالإمكان إعطاء مبلغ ثلاثة ألاف دولار للمهربين هناك، يتبقى معك 500 دولار حتى تتدبر أمورك إلى حين اتمام معاملة اللجوء السياسي، أو التهرب عبر مساعدة أصدقائك أو معارفك هناك إلى أي بلد ترغب".

المهرب لم يتحدث عن مراكب هشة، وإنما زعم أن الانتقال يكون بداية عبر مراكب متوسطة الحجم ومن ثم ينقل المهاجرين عبر بواخر وسفن، حتى ينتهي بهم المطاف على شواطئ ايطاليا، ومن ثم يستعدون معارفهم وأقاربهم لينقلوهم إلى حيث البلد المنوي اللجوء اليها.

وأضاف "نحن سنقوم بختم جواز سفرك على أنك غادرت معبر رفح بشكل رسمي، وكذلك بختم المعبر من الطرف المصري، حتى لا يساور السلطات المصرية الشك فيما إذا كنت قد دخلت بطريقة غير شرعية"، مشيرا إلى أنه يعمل في اطار شبكة تهريب واحدة موثوق منها.

خلاصة ما يستنتج من الناجين وبحسب المهرب أيضا فإن شبكة تهريب ممتدة من غزة حتى شاطئ الاسكندرية أعدت انفاقا وأمّنت سيارات خاصة لنقل المهاجرين، قد أجرت تواصلا مع السلطات الأمنية على الجانب الآخر من الأراضي الفلسطينية لتغض الطرف عن عمليات التهريب. وتبين أيضا أن الغاية في أصلها مادي، يهدف إلى تحقيق المكاسب دون الالتفات إلى حياة الناس، لقول المهرب "أنا لا أضمن الجنة لأحد".

المفارقة أننا التقينا بأحد المهاجرين الذين قدر لهم النجاة واتخذ من "السويد" ملجئًا له، إنه قام ببيع مصاغ زوجته واستدان كذلك 500 $ من أجل القيام بمشروع العمر كما أسماه.

وقال المهاجر ويدعى حسن، وهو من سكان مدينة غزة وعمل سابقا في متجر بمقابل مادي (1000شيكل شهريا) إن غزة لم تعد بلدا للراحة والاستقرار، فلقد مللنا ضيق العيش حتى إنه لم يعد لدينا أفق ولا مستقبل، وبتنا نفكر في أطفالنا أكثر ما نفكر في انفسنا، لأن هؤلاء الأطفال هم يدفعون ثمن وضريبة قلة حيلة الآباء للأنفاق على أبنائهم".

غير أننا لا يمكنا نفي تحميل جزء من المسؤولية لبعض المهاجرين الذين اصطحبوا صغارهم وآخرون حملوا رضعا على متن القوارب، علما أنه تبين فيما بعد لو قدر لهم النجاة في رحلة الهجرة، فهم سيضطرون إلى السباحة لمسافة ليست بالقليلة وهو أمر يكاد يكون مرهق وكارثي بالنسبة للأطفال، مع أن البعض تذرع بأنه لم يكن لديه معلومات حقيقية عن آلية السفر وتفاجئ بقضية الانتقال عبر العوم في المياه وصولا الى بر الأمان.

"المرصد الاورومتوسطي" بدوره، أفاد في تقرير له قدمه السبت الماضي، بأن فكرة الرحلة بدأت عبر وكالات ومكاتب سياحية في أماكن مختلفة، من ضمنها مكاتب في مصر، و"وسطاء" في غزة، تواصلت مع المهاجرين على أساس وعد بالوصول إلى أوروبا بسفن آمنة ومريحة.

ويروي يوسف الرنتيسي شقيق المفقود محمد الرنتيسي أحد ضحايا غرق القارب، أنه تواصل مع مهربين لمعرفة مصير شقيقه وهما معروفون بالنسبة له، وسماهم بـ(أبو حمادة المصري، وآخر مشهور بالسوري)، مشيرا الى أن شقيقه قدر له رصد وجوه القتلة في كاميرا خاصة، وأعطاها لبعض الناجين من أجل محاسبتهم وتقديمهم للعدالة.

وفي الوقت الذي بدأ يحمّل فيه مسؤولية الغرق لما عرف باسم (الحاج رزق دمياط) مصري الجنسية، أثرنا مهاتفة السفارة الفلسطينية في القاهرة للوقوف على الترتيبات القانونية التي من الممكن أن تتخذ بحق المتهم، فاكتفى السفير جمال الشوبكي بالقول إن سفارته تتعامل مع هذا الحادث بمعزل عن الاعلام.

وأشار إلى أن السلطات المصرية تحتجز 221 شخصًا، حاولوا الخروج من غزة بطريقة غير مشروعة، وهم الآن داخل 4 مراكز توقيف في القاهرة، متوقعًا أن يفرج عنهم القضاء المصري لاحقًا.

ومن الأهمية بمكان التذكير، أن "الرسالة نت" استمعت في الأيام الأولى من حادثة غرق مهاجري غزة، إلى السفير الشوبكي، فأكد أنه لا يوجد أي شخص داخل المياه الإقليمية المصرية، باستثناء 15 شخصًا غرقوا في قارب صغير، وانتشلت السلطات المصرية جثثهم، دون أن يقدم المزيد من المعلومات.

وبحسب شهادة أقارب محتجزين لدى السلطات المصرية، فإن أحد المحتجزين أكد أنه معتقل لدى السلطات المصرية منذ حوالي 8 أيام، ولم يتم التواصل معهم من قبل الجهات المعنية في السفارة الفلسطينية؛ مشيرًا إلى أنهم يعيشون في ظل ظروف وأوضاع بائسة.

تنسيق

في الأثناء لفتت مصادر حقوقية وأمنية مطلعة لـ"الرسالة نت"، إلى أن بعض الفلسطينيين الذين أقاموا في مدينة العريش المصرية إبان أحداث الانقسام عام2007م، قد أسهموا بشكل أساسي في عملية تهريب المركب، بالتنسيق مع أفراد آخرين داخل القطاع.

وعزت المصادر هذا الأمر إلى حالة الخناق التي بدأت تفرض على الفلسطينيين في مدينة العريش، على ضوء الوضع الأمني المتردي الذي تعيشه سيناء.

ما يمكننا أن نضع أيدينا عليه في هذا التحقيق هو البحث عن الدور الفلسطيني الرسمي في مساعدة الغرقى، والذي كان من البديهي أن يبدك التحرك الفعلي للسفارات وفقا للبروتوكل المعمول به دوليا، مباشرة بعد وقوع الحادثة على أن توعز السلطة إلى البلدان ذات العلاقة بضرورة إجراء مسح بحري في إطار نفوذها على المياه الإقليمية بهدف التعرف عن هوية الغرقى وانتشال جثمانهم. ذلك أسوة بخطوة ماليزيا عندما فقدت طائرتها قبل عدة أشهر.

غير ان "الرسالة نت"، اكتشفت أن التحرك الرسمي الفلسطيني بدأ بعد الحادثة بنحو احد عشر يوما. ووفق ما اكدته السفيرة الكيلة، فإن السفارة الفلسطينية في ايطاليا أرسلت 3 من القناصل إلى كل من اليونان ومالطا وايطاليا، حيث الدول المعنية بالحادث والتي يتجه نحوها المهاجرون الفلسطينيون.

كيلة بعد 10 أيام من الحادث قالت إن وفدًا من الخارجية الفلسطينية سيلتقي بشكل رسمي السلطات المعنية في الدول الثلاثة، بغرض حثهم على اجراء مسح بحري للمنطقة، وهي اجرت مباحثات ثنائية مع السلطات الايطالية تحثها على التدخل.

وبحسب ما أسندته مصادر في السفارة الفلسطينية إلى خبراء ايطاليين، فإنهم يقدرون بقاء الغرقى لخمسة أيام من الكارثة فقط داخل المياه ومن ثم تبدأ بالتحلل حتى لو كانت على قيد الحياة.

ومع ذلك فإن وفد الخارجية الفلسطيني وصل يوم الاحد 21-9، بعد مرور 11 يومًا على الكارثة.

رفض التعامل

وبحسب ما يقوله محمد حنون رئيس التجمع الفلسطيني في ايطاليا، فإن التجمع طلب من الجهات الرسمية التحرك فورًا، والطلب من الاتحاد الاوروبي التحرك أيضا لإجراء مسح بحري في المنطقة التي يعتقد غرق المركب فيها.

وأضاف حنون لـ"الرسالة نت": "طالبنا جميع الجهات للتحرك فورًا، بطريقة أوسع وأشمل، لاسيما مع الاسطولين الروسي والامريكي بمنطقة المتوسط، خصوصا أن الجهات الرسمية في الدول الثلاث المعنية ايطاليا واليونان ومالطا، قد رفضت التعامل مع الحادث مبدئيًا".

وذكر أن عمليات البحث لن يتم الموافقة عليها إلّا بطلب من رئيس السلطة محمود عباس يقدمه بشكل رسمي للاتحاد الاوروبي، وهو ما لم يتم لأكثر من عشرة ايام على مرور الكارثة، وفق تأكيده.

وأكدّ أن عدم التحرك الفوري يمثل جريمة، مطالبًا بفتح تحقيق في التأخر لهذه اللحظة في التعامل مع معالجة الأزمة، واعتبرها جريمة كبيرة إزاء عدم تحركها الجدي في ذلك.

ويذهب الحقوقي راجي الصوراني رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، إلى ما ذهب إليه سابقه في استهجان صمت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدالله ووزيري الخارجية والداخلية إزاء هذه الجريمة، متسائلًا ألا يعُدّون غزة ضمن نطاق شعبهم؟!".

واستغرب الصوراني وبشدة عدم تحرك الدبلوماسية الفلسطينية في ملاحقة القتلة الجناة، لا سيما في ضوء ما تتمتع به من علاقات جيدة مع النظام المصري الراهن.

وأشار إلى أن المعلومات المتوفرة بشأن الحادث غير دقيقة، عازيًا ذلك للصمت الكبير التي تمارسه السفارات الفلسطينية في الدول المعنية والتي من المفترض أنها مسئولة عن متابعة الحادث.

أما جهة المرصد الأور ومتوسطي فأشار إلى أنه تم تشكيل لجنة تحقيق تضم إيطاليا ومصر واليونان ومالطا، باستثناء السلطة الفلسطينية صاحبة الشأن، وهو ما يثير تساؤلات جمة حول دور السلطة في معالجة الأزمات التي يواجهها أبناء شعبها.

في غضون ذلك سارعت "الرسالة" للتواصل مع وزير الداخلية رامي الحمد الله، إلا انها لم يتسنَّ لها ذلك لدواعي الانشغال.

في الوقت نفسه أيضا تعذر علينا الاستماع إلى الموقف المصري ازاء تلك الحادثة عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الذي رفض التعقيب على هذه حادثة الغرق.

احصاءات وعقوبات

وزارة الداخلية في قطاع غزة من جانبها قدمت احصائيات تفيد بأن 26 شخصا غادروا قبل 1-1-2014، ، و69 هاجروا بشكل رسمي من معبر رفح، و25 شخصًا بطريقة غير رسمية، من بينهم 22 من عائلة واحدة.

وجاء على لسان وكيل الوزارة كامل ابو ماضي، الذي توعد المتسببين بتهجير الشبان بتشديد العقوبات عليهم، أنه تم اعتقال عدد من المهربين وما زال التحقيق جاريًا معهم. وبشأن عمليات التهريب في الانفاق، عزا ذلك لما تسمى بالأنفاق الراجعة، التي تمتد الى داخل منازل المواطنين في المنطقة الشرقية من الحدود مع مصر، ويجد رجال الأمن صعوبة كبيرة في التعامل معها.

 في الوقت عينه أرجع وكيل وزارة الداخلية عمليات الهجرة، إلى حالة الحصار الخانق واغلاق معبر رفح شبه الدائم منذ 8 سنوات، الأمر الذي فرض وقائع على الأرض دفعت بكثر من الظواهر من بينها الانفاق، التي استخدمت سلبيا في بعض الأوقات مثلما جرى في حادثة تهريب الأشخاص طمعا في الهجرة.

على الطرف الأخر من الوطن رام الله (مقر الحكومة الفلسطينية)، فبد واضحا أن الكارثة لم تأخذ حقها على صعيد التحرك الدبلوماسي العاجل، وبخاصة أن وزير الخارجية رياض المالكي لم يهمس ببنت شفة إزاء هذه المسألة.

"الرسالة نت" حاولت التواصل مع الوزير المالكي عبر هاتفه الشخصي، إلّا أنه لم يتسنَّ لها الوقوف على الدور المبذول رسميا. علما أن الوزير لم يقدم أي بيان توضيحي بشأن الكارثة مكتفيًا بدور سفيرته في ايطاليا التي أكدت أن الأمر بحاجة الى مفاوضات أوسع وأشمل تجريها السلطة في أعلى المستويات.

وإزاء هذه الكارثة الكبيرة التي ألمّت بأهل غزة، فيبدو واجبًا توضيح حقيقة المزاعم بشأن وجود جنة خلف البحار تنتظر من يهاجر اليها، حيث شبهها زياد العالول رئيس المنتدى الفلسطيني في اوروبا، بجنة ابليس.

وقال العلول "إن ايطاليا التي تعد المنفذ لأوروبا، يعيش فيها مهاجرون من كل الأصقاع في ظل ظروف انسانية بائسة، تجبرهم على التنقل بين بلاد الغرب، حيث لم يعد سهلًا الحصول على اقامة أو حتى جنسية بعد عدة سنوات.

وأشار إلى الحالة الفلسطينية في الدول الاوروبية في ظل المعاناة التي يعيشون فيها، وصعوبة الواقع الذي يعيشونه، منوهًا إلى أن عددًا قليلًا منهم فقط من تسنى له الحصول على فرصة عمل في ظل ما يتمتع به الاقتصاد الاوروبي من مآسي كبيرة بعد الازمة المالية.

وقال إن الراتب التي تعطيه الدولة لأي لاجئ، لا يكفيه لحياة كريمة، وبإمكانه أن يتحصل عليه في أي عمل في قطاع غزة رغم مأساوية الظروف الاقتصادية.

وبذلك يكون شهد شاهد من أهلها، بأن أروبا ليست واحة الترف، وإن اخترتها عزيزي المهاجر، فعليك أن تدرس خياراتك جيدا، لأن الموت قد يباغتك في رحلة البحث عن الحياة.

اخبار ذات صلة