ما إن انقشعت الغمامة السوداء، وخرج الاحتلال يجرّ أذيال الهزيمة من أرض غزة، وقد فشل في تحقيق هدفٍ واحد من أهدافه، حتى ظهرت جليًا ملامح جرائمه بحق البشر والحجر، وعُرِف أنه "سارق للآثار".
الاحتلال "الإسرائيلي" وخلال حربه الأخيرة على قطاع غزة خرّب متحفًا كبيرًا في منطقة "الزنة" شرق خانيونس جنوب القطاع، يحتوي بين جدرانه آلاف القطع الأثرية القديمة، فيما سرَق جنوده مئات القطع الأخرى.
الحاج جمال أبو عليان في عقده الخامس، يمتلك متحفًا للآثار يحتوي أكثر من 5 آلاف قطعة، وقد دمّرت آلة الاحتلال جزءًا منها، ونالت أيديهم مئات أخرى قد سرقوها.
أبو عليان أمضى نحو 23 عامًا في التّنقيب والبحث عن الآثار واقتنائها، حتى أصبح منزله متحفًا يضمُ قطعا أثرية تعود للعصور القديمة "البرونزية والحجرية والرومانية والبيزنطية، إضافة لقطع حديثة".
حسرة الخمسيني أبو عليان بدت واضحة من تجاعيد وجهه التي ازدادت بعد أن حلّت تلك المصيبة بمتحفه، وارتُكبت تلك الجريمة بحق عشرات السنين من جمع الآثار لحفظ التاريخ الهوية الفلسطينية.
الآثار تئن !
وربما لو صمتّ لبرهة بجوار تلك التحف والقطع الأثرية، لشعرت بصوتها تئن وتصرخ، تنادي وتولول "أما عاد يهمكم تاريخكم؟ حضارتكم وإسلامكم؟!"، وربما لا مُجيب فقد طوِّقت من كل حدب وصوب بأقدام جنود الاحتلال.
وما إن تطأ بقدميك المساحة التي غطتها الآثار حتى تعتقد بأن زلزالا أصاب المكان، إلا أنه زلزال "إسرائيلي" حاقد.
ويضم المتحف أسلحة قديمة وأدواتٍ استخدمت خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى قطع وملابس تراثية شعبية فلسطينية.
ومنذ نشأة "إسرائيل" عملت ليل نهار على سرقة التراث والحضارة الموجودة على أرض فلسطين، فتجرأت أيدي قوات الاحتلال على سرقة أكثر من أربعمائة قطعة أثرية من ذلك المتحف، تعود لأزمنة غابرة جسدت تاريخ الأمم في فلسطين.
"عاثوا فسادا وسرقوا ما سرقوا من المتحف، دمروا جزءا كبيرا منه ومن قطعه الثمينة"، وبحسب شهادة صاحب المتحف أبو عليان، فإن الاحتلال بعد انسحابه صبّ جام غضبه صوب المنزل الذي يحتضن بين جدرانه تلك الآثار، فدمّر أجزاء منه وانهالت قذائفه عليه كالحمم.
تهويد وسرِقة
تاريخ الاحتلال محفور بالتدليس والتهويد، فموشيه ديان وزير الدفاع "الإسرائيلي" السابق كان يأتي بطائرته الخاصة لشراء الآثار والقطع الثمينة من الأماكن السياحية الفلسطينية آنذاك، لسرقة الحضارة الفلسطينية ونسبها لدولتهم.
وقد أجرت "الرسالة نت"، لقاءً سابقًا مع مروان شهوان صاحب متحف آخر، والذي استفزه فعل ديان فقرر منذ نعومة أظفاره جمع الآثار ويمتلك الآن متحفا كبيرًا يحوي ألاف القطع في منزله وسط خانيونس.
وأحصّت وزارة السياحة والآثار في غزة قرابة 41 موقعا أثريًّا تمّ تدميرها بشكل كامل أو جزئي، عدا عن الآلاف من القطع الأثريّة التي تعود ملكيّتها إلى مواطنين.
"رغم الدمار، سأعمل على تعويض القطع التي دُمرت ولن أتخلى عن الهوية والهواية التي أعشقها -جمع الآثار-"، في إشارة واضحة على تمسكّ الفلسطينيين بأرضهم وحضارتهم قد انطلقت من الحاج أبو عليان صاحب المتحف المُدمر.
إذن فالكف الفلسطينية تاريخية الزمن أصيلة المنشأ، ما زالت تناطح المخرز "الإسرائيلي"، الذي عمد منذ تأسيسه إلى تهويد القضية الفلسطينية ومسحها من ذاكرة التاريخ.أعلى النموذج