أعلنت (إسرائيل) جملة من التسهيلات لقطاع غزة عقب انتهاء الحرب الأخيرة في الـ 26 من أغسطس الماضي، في سابقة هي الأولى من نوعها منذ عام 2006 .
متخصصون أكدوا في أحاديث منفصلة لـ"الرسالة" أن التسهيلات الاقتصادية التي ينوي الاحتلال تنفيذها في غزة تهدف لإضعاف المقاومة الفلسطينية ومنع الانفجار الوشيك في غزة بسبب الحصار.
ومن التسهيلات التي قدمتها (إسرائيل)، إصدار 1500 تصريح لغزيين بزيارة المسجد الأقصى خلال أيام عيد الأضحى المبارك وما بعده، والسماح بإدخال دفعة من مواد البناء إلى قطاع غزة ووعود بإدخال كميات أخرى، وكذلك الحديث عن منح خمسة آلاف تصريح للعمل داخل (إسرائيل) لسكان القطاع، والسماح بحرية الصيد لمسافة ستة أميال بحرية قابلة للزيادة، وتقليص المنطقة العازلة على حدود القطاع إلى 100 متر.
لتحسين صورته
الخبير الاقتصادي الدكتور نافذ أبو بكر بدوره، رأى أن التسهيلات الاقتصادية التي أعلنها الاحتلال ما زالت للإعلام فقط، ولم تنفذ على أرض الواقع.
وقال بكر في حديث لـ"الرسالة": "اذا ما حدثت تسهيلات فالاحتلال يهدف من ورائها لتحسين صورته أمام العالم بعد ما كسبته غزة من تضامن دولي إنساني، وكذلك استغلال العمالة من الفلسطينيين كونها أرخص مع العمالة الأجنبية، فضلًا عن الحصول على معلومات جديدة وأمنية من القطاع".
وأكد أن رفع الحصار يتمثل في ممر بين الضفة والقطاع، وميناء بحري من غزة للعالم الخارجي، مشيرًا إلى أن التسهيلات تعني أن يشعر المواطن الغزّي أن أحواله بدأت تتغير للأفضل.
ويتفق عمر شعبان المحلل الاقتصادي مع سابقه في أن التسهيلات التي أعلنها الاحتلال ما زالت إعلامية فقط، مؤكدًا أن الأهم من التسهيلات هو زوال الحصار بالكامل لأن غزة حسب القانون الدولي لا زالت محتلة.
وقال شعبان: "واضح أن هناك منظومة تسهيلات تشمل البضائع وحركة الأشخاص للضفة والقدس وعودة العمال وكل ذلك يؤثر على الوضع الاقتصادي ويؤكد أن الحصار فشل وأن 7 سنوات من الحصار أضرت بأمن الاحتلال وقد نجح صمود غزة".
وأشار إلى أن التسهيلات الاقتصادية تحمل فائدة كبيرة لغزة، فالاحتلال معنيّ الآن باستقرار المنطقة لأن الحروب والجرائم سببت له حرجا دوليا، والحصار الاقتصادي أتى بنتائج عكسية عليه.
وتعتمد غزة من الناحية الاقتصادية -حسب شعبان- بشكل شبه كامل على (إسرائيل)، فمعظم السلع والبضائع تأتي من الاحتلال، ودفع عجلة الاقتصاد سيقلل البطالة وينعش قطاعات اقتصادية وتجارية وصناعية أهمها حاليا قطاع البناء والزراعة.
التسهيلات ستؤخر المواجهة
ومن جهته، فإن رئيس أركان الجيش (الإسرائيلي) بيني غنتس قال: "إن تقديراته بشأن نتائج العدوان الأخير على قطاع غزة تشير إلى أن هناك إمكانية لتحقيق الهدوء لسنوات طويلة، فيما لو قدّمت (إسرائيل) تسهيلات اقتصادية للقطاع".
ووفقا لصحيفة "هآرتس" التي نشرت مقتطفات من لقاء مطول مع غنتس، فإنه يرى أن حركة حماس في حال التسهيلات لن تسارع إلى "دهورة" الوضع الأمني ضد (إسرائيل)، مضيفًا: "الحفاظ على الهدوء مرتبط بما ستقدمه إسرائيل لقطاع غزة".
وشدّد رئيس أركان الجيش على وجوب فتح المعابر لإدخال بضائع إلى القطاع، حيث أن هناك نحو 1.8 مليون إنسان في القطاع الذي تحيط به مصر و(إسرائيل).
وكان المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، رون بن يشاي قد قال إن (إسرائيل) بدأت بتقديم تسهيلات للفلسطينيين في الضفة المحتلة وقطاع غزة بهدف إدارة الصراع بدلا من العمل باتجاه حل الدولتين وإفشال خطوات السلطة في الأمم المتحدة للمطالبة بدولة مستقلة وإنهاء الاحتلال بهدف بسط السلطة سيطرتها على الضفة ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن (الإسرائيلي).
وحسب بن يشاي، فإن تسهيلات كبيرة سيتم تقديمها للفلسطينيين في الضفة من أجل منع قيام انتفاضة ثالثة، فيما ستهدف التسهيلات في غزة لخلق هوة بين حماس وسكان القطاع بعد تسهيل عملية إعادة الإعمار وتصويب مسار بعض القرارات لصالح السكان الذين حينها سيضغطون على حماس لعدم الدخول في مواجهة جديدة مع الجيش (الإسرائيلي).
التسهيلات متفق عليها
في حين اعتبر المحلل السياسي مصطفى الصواف أن التسهيلات (الإسرائيلية) هي جزء من اتفاق أبرم مع المقاومة الفلسطينية، التي فرضت على المحتل رفع الحصار عن قطاع غزة مقابل الحصول على الهدوء، بالإضافة إلى قناعة (إسرائيل) أن تلك التسهيلات ستلغي أي أسباب للمواجهة في المستقبل القريب.
وتوقع الصواف في تصريحات صحفية، أن تلتزم (إسرائيل) بقدر معقول مما تعهدت به أمام المقاومة الفلسطينية، وهذا لا يعني أنها لن تتنكر لبعض ما اتفقت عليه، والمستقبل القريب سيكون الحكم على التصرفات (الإسرائيلية) اتجاه غزة.
وشدد المحلل السياسي على أن وجود آليات عربية ودولية وفلسطينية في هذا الإطار هو الضامن لتلزم الاحتلال بما وقعت عليه، وكي لا تعطل على الأقل عجلة الإعمار من خلال تأخير أو منع إدخال مواد البناء إلى القطاع.
ووصل الاحتلال إلى قناعة أن زيادة الضغط الاقتصادي والاجتماعي على غزة لم يأت بنتائج إيجابية تخدم منظومة الأمن (الإسرائيلي)، أن سياسة العصا مع المقاومة فشلت فشلا ذريعا بعد ثلاثة حروب مدمرة تخرج المقاومة الفلسطينية بعد كل حرب أقوى من التي سبقتها.
وتجاوزت نسبة الفقر في قطاع غزة -حسب مراكز الإحصاء والمؤسسات الرسمية- 80% والبطالة أكثر من 45%، فيما زادت الحرب الأخيرة وإغلاق الأنفاق مع مصر من هموم الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وفقد قرابة 150 ألف من العمال في انتفاضة الأقصى مصدر رزقهم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، فيما أوقف إغلاق الأنفاق قبل أكثر من سنة حياة 40 ألف آخرين.