يعاني الاقتصاد المقدسي من تدهور كبير جراء اقتحامات المستوطنين المتكررة للمسجد الأقصى، والتي يلجأ الاحتلال خلالها لمضايقة التجار وزيادة الضرائب عليهم، كوسيلة للضغط على سكان المدينة.
ويستخدم الاحتلال السلاح الاقتصادي للضغط على المقدسيين وتهجيرهم من أراضيهم، بفرضه ضرائب باهظة شهريًا على السكان كضريبة "الأرنونا"، وكذلك محاربة التجار المقدسيين بتضييق الخناق عليهم.
الخسائر كبيرة
وفي هذا السياق ذكر تاجر الأقمشة عمرو البديري الذي يمتلك محلًا في سوق الحصر أن حدة المضايقات التي يتعرض لها التجار من بلدية الاحتلال تزداد خلال أيام المواجهات في الأقصى.
وقال البديري في حديث لـ"الرسالة نت": "الكثير من التجار يحبّذون البقاء في منازلهم في مثل هذه الأيام، تحسبًا لفرض ضرائب اضافية لا يقوون عليها".
وبيّن أن الأوضاع متوترة في القدس منذ شهر رمضان الماضي، وبالأخص وقت استشهاد الطفل محمد أبو خضير حرقًا على يد المستوطنين.
وأضاف البديري: "أنهكتنا الضرائب، وما أن نخرج من مصيبة ضريبية إلا ونقع بأخرى بفعل ممارسات الاحتلال المتعمدة، وللأسف نفتقد للدعم المادي الذي نحتاجه بالقدس".
ويأمل أن يحظى سكان مدينته بالدعم اللازم لتعزيز صمودهم، منوّهًا إلى أن العديد منهم سيرحلون عن المدينة بسبب افتقارهم للأموال اللازمة للصمود أمام الغلاء والضرائب".
ويذكر أن الاحتلال يتطلع لضرب اقتصاد القدس بفك ارتباطها مع اقتصاد الضفة المحتلة وتحويله رهينة لمخططاتها.
المعاناة بازدياد
ومن جهته أكد زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن سياسة الاحتلال في ضرب الاقتصاد المقدسي موجودة منذ أوسلو، مشيرًا إلى أن المداهمات المتكررة للأقصى تزيد من معاناة التجار المقدسين.
واعتبر الحموري في حديث لـ"الرسالة نت" العامل الاقتصادي أحد أهم العوامل عند الاحتلال لإضفاء طابع يهودي على المدينة المقدسة، ومحاربة ديمغرافيتها.
وقال الحموري إن التدهور في الاقتصاد المقدسي ازداد مع كثرة المداهمات التي يشنها الاحتلال على الأقصى في الآونة الأخيرة، لافتًا إلى غياب رؤية مستقبلية لتحسّن الأمور مستقبلا.
وأوضح أن التاجر يحاول تعويض خسائره والضرائب المتراكمة عليه بالعمل في مجالين في آن واحد أو إغلاق محله خوفًا من الضرائب".
الناشطة المقدسية ديما عوض رأت أن الوضع الاقتصادي في القدس سلبي جدًا ولم يسبق أن شهد له مثيل، مؤكدةً أن الحصار موجود ولا امكانية للاتصال بين القدس والضفة الغربية تجاريًا.
وتتفق عوض مع سابقها في أن المداهمات المتكررة للأقصى وازدياد حدة المواجهة أثرت سلبًا على اقتصاد المدينة المقدسة الذي يعاني منذ احتلال القدس عام 1967 .
وقالت لـ"الرسالة نت": "صمود التجار هو الطريق الأوحد للتغلّب على كثرة الضرائب المفروضة عليهم والمداهمات التي تجبرهم على اغلاق محالهم خوفًا من الأحداث".
وتذمرت عوض من قلة الدعم الذي يصل المدينة المقدسة، داعيةً لزيادته تعزيزًا لصمود المقدسيين.
الهدف التهجير!
ولفت الحموري إلى أن الاحتلال يدعم حملات بملايين الدولارات لهدم اقتصاد القدس ودعم التجار (الإسرائيليين) وإلحاق الخسائر بنظائرهم المقدسيين.
وبيّن أن 80% من المقدسيين مَدينون لبلدية الاحتلال بسبب تراكم أموال ضريبة "الأرنونا" عليهم، محذّرًا من استيلاء الاحتلال على بيوتهم ومحالهم مقابل الضريبة في حال صدر أمر من المحكمة (الإسرائيلية) بذلك.
ونوّه إلى أن الاحتلال يعمل حاليًا على تهجير أكبر عدد ممكن من المقدسيين خارج القدس وجلب 300 ألف مستوطن جديد، مشدّدًا على أن ذلك سيتم عبر استخدامه السلاح الاقتصادي بتضييق الخناق ماديًا على الأهالي.
وكانت بلدية الاحتلال قد رفعت قيمة ضريبة الأملاك "الأرنونا" على المقدسيين في مطلع عام 2012 بنسبة 3.1 %، الأمر الذي زاد من سخط المقدسيين واحتجاجاتهم ولكن دون جدوى.
وتؤكد الاحصائيات (الإسرائيلية) أن بلدية الاحتلال في القدس؛ تُنفق من ميزانيتها على السكان المقدسيين 5% فقط من إجمالي حجم إنفاقها، في حين أن باقي النسبة تذهب (للإسرائيليين)، على الرغم من أن العرب يشكّلون 35 %من إجمالي السكان، وأنهم يدفعون 33% من إجمالي واردات البلدية من الضرائب.
الضرائب كبيرة
وبدوره قال عزام أبو السعود مدير الغرفة التجارية السابق لمدينة القدس إن الاحتلال شنّ حملة ضرائب كبيرة على المحال التجارية في منطقة بيت حنينا أول أمس الثلاثاء، ما دفع التجار لإغلاق محالهم والعودة لمنازلهم.
وأضاف "للرسالة نت": "ما يفعله الاحتلال عملية انتقام من سكان القدس الذين يتصدون للمداهمات المستمرة للأقصى، وكثيرًا من المقدسيين يخشون النزول للأسواق لشراء الحاجيات التي يريدونها".
وفيما يتعلق بالضرائب، بيّن أبو السعود أن الضرائب التي تفرضها (إسرائيل) على المقدسيين وخاصة ضريبة "الأرنونا" مقابل خدمات من المفترض أن تقدمها البلدية لسكان القدس مجانًا. وبحسب أبو السعود فإن الضريبة تزيد قيمتها عن معدل دخل التاجر المقدسي لذا غالبيتهم يعجزون عن دفعها ما يعرضهم للغرامات والتي تتراكم سنة بعد أخرى، وبالتالي تحويلهم لمحاكمات صورية تنتهي بمصادرة العقارات أو الأرض تحت طائلة عجز المواطنين المقدسيين عن تسديد الديون المتراكمة.
ودعا الاقتصادي أبو السعود رجال الأعمال والقطاع الخاص للعمل الجاد على قيادة اقتصاد المدينة المقدسة، وتعزيز صمود تجارها البسطاء من خلال ضخ الأموال في مشاريع فلسطينية تنموية، معتبرًا إياه القطاع الوحيد القادر على التحرك بحرية أكثر، وقيادة المدينة المقدسة في صراع البقاء والوجود مع المحتل.
ويذكر أن (إسرائيل) حظرت منذ يونيو 2010 دخول جميع المنتجات الصيدلانية، ومنتجات الألبان واللحوم من الضفة المحتلة إلى أسواق القدس الشرقية، وهو الأمر الذي قُدّرت خسائره السنوية بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني نحو 48 مليون دولار، آخذًا في الاعتبار القيود التي تزيد من تكلفة السلع المسموح بها للعبور من الضفة إلى القدس، حيث تخضع لإجراءات التفريغ وإعادة الشحن على البوابات.
وتشير الدلائل إلى أن نسبة البطالة بين المقدسيين وصلت لقرابة الـ 70%، في حين أن 80% من المقدسيين يعيشون تحت خط الفقر.
وفي ذات السياق كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن قوات الاحتلال تتجه إلى تشديد الإجراءات "التعسفية والقمعية" في مدينة القدس المحتلة ومحيطها، بهدف قمع ما بات يعرف بـ"انتفاضة المقدسيين"، ضد ممارسات الاحتلال اليومية.