تُمر الأيام بثقلٍ على سكان قطاع غزة, الذين يبيتون على أمل إشراقة صباح محملٌ بأمنياتهم المتواضعة, التي تحجبها إسرائيل بمماطلتها المتعمدة البادئة مذ انتهى العدوان الأخير على غزة.
(مساحة الصيد , المعابر , الإعمار) , جمعيها تضمنها اتفاق وقف اطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" نهاية أغسطس الماضي , إلا أن الأخيرة عابت ما تم الاتفاق عليه, إذ تماطل في تسهيل حياة الغزيين عبر تهميش هذه الملفات الرئيسة.
"إعمار غزة" الملف الأثقل على الطاولة في هذه الآونة, تراوغ إسرائيل في تنفيذ ما يتوجب عليها فعله في تفاصيله, من فتحٍ للمعابر وإدخال مواد البناء بالكميات المطلوبة عبر السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة .
الطرف الآخر المتمثل بالمقاومة الفلسطينية بدا صابرًا على كل هذا التلاعب الاسرائيلي حول تنفيذ الاتفاق, إلا أنه بدأ يتململ بعد إغلاق إسرائيل معابرها مع غزة بحجة الدواعي الأمنية زاعمةً سقوط صاروخ محلي في أرض فارغة بالنقب الغربي.
حركة حماس بدت أشد حرصا على إيصال الرسالة جيدًا للاحتلال أنها ستكون في حلٍ من أي إتفاق لوقف النار في حال استمر تعطيل ما تم الاتفاق على إنجازه خلال مفاوضات القاهرة .
ووفق ما جاء على لسان القيادي فيها محمود الزهار فإن الحركة بانت وكأنها ضاقت ذرعًا بسياسية المماطلة الاسرائيلية من إدخال للمواد البناء بالقطارة , عدا عن إغلاق المعابر لأيام مما قد يصبح عادةً لدى الاحتلال خلال الفترة المقبلة وبحججٍ مختلفة ! .
أما عضو المكتب السياسي في حماس الدكتور خليل الحية ذهب بعيدًا في تبعات تأخر الإعمار, إذ تحدث عن ساعة انفجار وشيكة. ووجّه كلمته للسلطة و"إسرائيل" والعالم بأسره قائلًا: "لا تختبروا صبر شعبنا مجددًا، فلا نقبل المساومة، ولا تراهنوا على إطالة زمن الإعمار، فيجب أن يعمّر ما دمره الاحتلال".
ردود فعل بقية فصائل المقاومة الفلسطينية سرت في ذات إطار موقف حركة حماس, وأكدت مجتمعةً على ضرورة البدء فورًا بإعادة إعمار غزة بدون أي شروط أو قيود لضمان استمرار التهدئة المبرمة مع الاحتلال منذ شهرين تقريبًا .
"خطة سيري" عقبة تكاد تغلق طريق الإعمار بالكامل, تنص على مراقبة مشددّة على مواد البناء التي تدخل غزة, بينما يتطلب الحصول على كيس الإسمنت موافقة ثلاثية الخطة السلطة الفلسطينية والامم المتحدة والاحتلال الاسرائيلي .
ووصف الزهار تلك الخطة بأنها " إسرائيلية بامتياز ", وقال: "طريقة توزيع مواد البناء إسرائيلية بامتياز هدفها المماطلة في تنفيذ الاعمار، فمنذ شهرين لم تدخل أي من أدوات الإسمنت، سوى وقت حضور بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في غزة وكانت عبارة عن خطوة رمزية ولم توزع لهذه اللحظة".
وجابهت فصائل المقاومة الفلسطينية تلك الخطة بالرفض القاطع, لتعلن موقفًا واضحًا بأنه لم يجر الاتفاق خلال مفاوضات القاهرة على هذه الخطة بتاتًا, بل كان إصرار الجميع على عدم تبني الامم المتحدة للإعمار, بالتوجه نحو اعتماد السلطة الفلسطينية كمنفذ لخطط الإعمار بعيدًا عن كل التعقيدات .
وسائل الإعلام الاسرائيلية بدورها، أوضحت أن تحذيرات المقاومة الفلسطينية تؤخذ على محمل الجد في أروقة صناع القرار الإسرائيلي, وتتحدث في هذه الآونة أن المعركة العسكرية قد تعود قريبًا في جبهة غزة.
المحلل العسكري والأمني في صحيفة "هآرتس" العبرية عاموس هرئيل قال إن الحصار الذي يفرضه النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السياسي والتضييق الإسرائيلي على غزة قد يؤدي للانفجار والتوجه لمواجهة جديدة في قطاع غزة.
وأضاف هريئل "الأوضاع في غزة تسير نحو التصعيد، فقد جاء إغلاق المعابر من جانب إسرائيل على أثر إطلاق قذيفة على النقب، بعد أيام من خطوة عقابية شديدة اتخذتها مصر تمثلت بإغلاق معبر رفح بعد العملية التي قتل فيها 33 جنديا مصريا نهاية الشهر الماضي.
والناظر في الظروف الإقليمية المحيطة بغزة, من تشديد للحصار من السلطات المصرية بإنهاء ظاهرة الأنفاق تمامًا, وإغلاق لمعبر رفح حتى إشعار آخر, يستشعر الموقف الذي يراد للمقاومة الفلسطينية أن تركن نفسها فيه بأن تسلم للأمر الواقع على الساحات كافة.
إلا أن البعض يصفها سحابة صيف عابرة, معللًا ذلك بأن إسرائيل لن تتجرع مرارة رؤية المواطن الغزي يعيش في دعةٍ وأمن بعد رفضه الخضوع لآلة الحرب خلال أيام أو شهور, فيما لا يحلو للبعض الآخر مشاهدة راية المقاومة الفلسطينية تُحمل على كتف كل مواطن بغزة.
إن أبقت إسرائيل على سياساتها الحالية في تعمد تأخير البدء في إعمار ما دمرته آلتها العسكرية, فإن المقاومة الفلسطينية ستجد نفسها أمام بدائل مختلفة في التعامل مع هذا الحال, أبرزها الضغط على إسرائيل عبر سياسة قد نسميها بـ" النار أو الإعمار" لتحل بديلًا عن سياسية "الغذاء مقابل الأمن".
وسط هذه المناطحات, يجلس المواطن الفلسطيني فوق ركام بيته المدمر, ينتظر سحابة الفرج المأمول ,فيما سبقتها سحابة المطر التي زادت من بلّة أوضاعهم المتردية في ظل صعوبة العيش في "الكرفانات" أو "الخيام" في فصل الشتاء البارد في غزة.