هناك ما يدلل على صدقية الجهود التي تبذلها حركة المقاطعة العالمية (BDS) في تقليص هامش المناورة أمام الكيان الصهيوني والتدليل لقياداته على أن مواصلة الاحتلال تنطوي على مخاطر سياسية واقتصادية يصعب على الكيان الصهيوني مواجهتها.
ولعل أوضح مؤشر على تأثير المقاطعة على الاقتصاد (الإسرائيلي)، إقدام شركة "صودا ستريم"، أكبر الشركات العالمية التي تستثمر في المستوطنات اليهودية المقاومة في الضفة الغربية، على إغلاق مصانعها المقامة هناك في أعقاب تراجع أرباحها.
وذكرت صحيفة "ذي ماركير" الاقتصادية في عددها الصادر السبت الماضي أن شركة "صودا ستريم" المتخصصة في انتاج المشروبات الغازية، أغلقت مصانعها في كل من مستوطنة "ألون حفور" والتجمع الصناعي "ميشور أدوميم"، الذي يعد أكبر التجمعات الصناعية التي أقامتها (إسرائيل) في الضفة الغربية، ويقع في محيط القدس.
ونوهت الصحيفة إلى أن الشركة أقدمت على هذه الخطوة في أعقاب تكبدها خسائر كبيرة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014، نتيجة تراجع مدخولاتها خلال بنسبة 42% في أعقاب القرار الأوروبي.
وأضافت الصحيفة أن أسهم الشركة فقدت 4% خلال التداول في سوق نيويورك للأسهم.
ونقلت الصحيفة عن مدير عام الشركة دانييل بريناوم قوله إن قرار إغلاق المصانع التابعة لشركته داخل مستوطنات الضفة الغربية جاء ضمن خطة لإنعاش الشركة، مشيراً إلى أنه تقرر أن يتم نقل المصانع إلى داخل (إسرائيل)، ولا سيما في منطقة "لهفيم".
وكانت شركة "صودا ستريم" قد شنت حملة علاقات عامة في محاولة لتجاوز القرار الأوروبي بمقاطعة منتوجات المستوطنات، حيث زعمت أن جل عمال مصانعها هم من الفلسطينيين.
ويعد قرار إغلاق المصانع في "ميشور أدوميم" ضربة قوية للمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث أن الحكومة (الإسرائيلية) راهنت على أن تغري إقامة هذا التجمع المزيد من الشركات (الإسرائيلية) والأجنبية لنقل مصانعها من داخل (إسرائيل) إلى الضفة الغربية.
وقد سبق لوزير الاقتصاد نفتالي بنيت التأكيد أن (إسرائيل) تطمح أن يسهم تدشين المجمع في أقناع الشركات (الإسرائيلية) بنقل مصانعها من داخل (إسرائيل) إليه.
ويعد تدشين "ميشور أدوميم"، أحد أخطر المشاريع التهويدية، حيث أنه كان يفترض أن يتواصل تطويره حتى يشمل كل المنطقة الفاصلة بين القدس ومنطقة أريحا.
ويأتي قرار إغلاق مصانع "سودا ستريم" بعد إعلان إقرار وزارة الزراعة الإسرائيلية بتكبد قطاع الزراعة في المستوطنات خسائر كبيرة جراء رفض أوروبا استيراد الخضار والفواكه التي يتم انتاجها في مستوطنات الضفة الغربية، ولا سيما في مستوطنات منطقة "غور الأردن".
وقد اضطرت الحكومة (الإسرائيلية) إلى تخصيص عشرات الملايين من الدولارات لتعويض المزارعين في محاولة لردعهم عن تهديدهم بإغلاق الدفيئات الزراعية التي أقاموها هناك.
وعلى إثر هذه الخسائر أعلن وزير الزراعة يائير شامير أن (إسرائيل) ستتجه لتصدير المنتوجات الزراعية لروسيا، على اعتبار أن الروس لا يبدون اكتراثاً إزاء هوية منشأ المنتوجات الزراعية.
وفي ذات السياق، قال وكيل وزارة الخارجية الأسبق أوري سابير أن هولندا التي كانت من أكثر الدول الأوروبية قرباً لـ(إسرائيل) وتفهماً لها تبادر حالياً لفرض مقاطعة على منتوجات المستوطنات.
وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، الجمعة الماضي، قال سابير أنه فوجئ من حجم التحول الذي طرأ على توجهات نخب الحكم والرأي العام الأوروبي لغير صالح (إسرائيل).
وأشار إلى أنه فوجئ خلال زيارته الأخيرة لباريس من حجم الانتقادات التي وجهها ساسة ومفكرون وباحثون فرنسيون للسياسة الصهيونية.
وأضاف سابير: "السؤال الذي ينطلق على ألسنة الفرنسيين: كيف تحولتم إلى مجتمع عنصري، يتملكه الخوف، ويكره الأجانب".
وشدد على أن الفرنسيين يصرون على أن استعادة الفلسطينيين حريتهم هو الشرط الذي يضمن أمن (إسرائيل)، في حين أن الرسالة التي تصدر عن قادة (إسرائيل) تقول: استمرار الهيمنة على الشعب الفلسطيني تضمن تحقيق الأمن فقط".
وحذر من أن (إسرائيل) لا تفقد شركاءها في التبادل التجاري "بل تفقد شركاءها في القيم والأفكار.
قصارى القول هناك حاجة ماسة لمضاعفة الاستثمار في دعم حركة المقاطعة العالمية لإجبار (إسرائيل) على تغيير سياساتها، لا أحد عاقل بإمكانه أن يستهين بتأثير هذا النمط من المقاومة، وهذا ما يثير حنق الصهاينة.
وبكل تأكيد لا يمكن للمرء إلا أن يشكر المئات من الناشطين الفلسطينيين والعرب والمسلمين والأجانب، الذين يقفون ببطولة خلف هذا النشاط المبارك.