تبدو مهرجانات حركة فتح التي تنظمها سنويا في غزة مرآة تعكس أزماتها الداخلية، وتظهر حدة الانقسامات بين تياراتها، وأبرزها تياري رئيس السلطة محمود عباس والقيادي المفصول محمد دحلان.
وتبدي تلك الفعاليات للعلن حجم التهميش الذي تعاني منه الحركة في القطاع، خاصة في ظل الشكوى من قلة الميزانيات المخصصة لأبنائها بغزة، وهذا ما حدث مع مهرجان تأبين الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث اشتكت قيادات فتحاوية من عدم كفاية الميزانية التي خصصتها الحركة لمصاريف المهرجان.
ليست تلك المعضلة الوحيدة التي تسببت بإلغاء المهرجان، بل العديد من المشاكل الأمنية التي ظهرت على السطح، ليس آخرها رسائل التهديد التي تلقاها عدد كبير من أبرز قيادي الحركة على هواتفهم في حال أقيم المهرجان مرورا بالتفجيرات التي حدثت الأسبوع الماضي.
فوضى منظمة
حالة الفوضى والفلتان التي ترافق فعاليات فتح ليست جديدة فهي ملازمة لكل فعاليات الحركة، وإن كانت هذه المرة قد بدت أكثر قوة وتنظيما من المرات الماضية.
تعيد الفوضى إلى الذاكرة الأحداث التي جرت خلال المهرجان الماضي لانطلاقة فتح، الذي لجأ فيه أنصار دحلان إلى فصل الأسلاك الكهربائية من أجل قطع الاتصال مع الرئيس عباس أثناء كلمته في المهرجان، بينما حاول آخرون طرد القيادي جبريل الرجوب من المنصة.
ومن أهم المشاكل التي تهدد حركة فتح، الصراع بين الشرعيين والمتجنحين، كما تسميهم الحركة، لذا فإن ما حدث في جامعة الأزهر يوم الخميس الماضي بين أنصار تياري عباس ودحلان يعتبر نموذجا مصغرا لما كان يتوقع أن يحدث داخل مهرجان تأبين أبو عمار، خاصة أن حديثا راج عبر وسائل الإعلام يفيد بإقدام أنصار دحلان على حجز معظم باصات قطاع غزه يوم المهرجان؛ للوصول وحجز مكان الاحتفال وقطع الطريق على أنصار عباس.
الحادثة السابقة وغيرها تسببت باحتقان بين الطرفين. وتوقع مراقبون أن ينفجر الوضع داخل المهرجان، خاصة أن مسؤولي أقاليم فتح عمموا على عناصرهم التواجد في المهرجان بأي الوسائل.
ويرى مراقبون أن دحلان لا يزال يراهن على فتح في غزة، ويعتبرها قوة ممكن أن يرتكز عليها في حال حدوث أي مستجدات داخل الحركة.
وكانت فتح قد أبلغت أمس الأحد منسق لجنة القوى الوطنية والإسلامية خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي ومسؤول لجنة العلاقات الخارجية، قرار إلغاء مهرجان ذكرى استشهاد أبو عمار.
وكانت لجنة المتابعة العليا لفتح في غزة عقدت اجتماعا طارئا ظهر أمس، بالتزامن مع اجتماع لأعضاء من اللجنة المركزية للحركة في رام الله، عقب التطورات الأخيرة فيما يخص المهرجان.
تورط نفسها
وأعلن إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية في قطاع غزة، أن وزارته أبلغت بشكل رسمي حركة فتح اعتذارها عن تأمين وحماية مهرجان أبو عمار المقرر يوم الثلاثاء الحادي عشر من الشهر الجاري.
وأوضح البزم في تصريح له عبر "الفيس بوك"، أن لدى الداخلية معلومات أمنية عن خلافات داخل تيارات فتح تتعلق بالمهرجان. وقال: "الوزارة تؤكد أن الأجهزة الأمنية مستمرة في أداء واجبها في حفظ الأمن والاستقرار وفق الامكانيات المتوفرة، ولن تسمح لأي فصيل أو مجموعات مسلحة أن تعبث بالأمن تحت مبررات حماية المهرجان".
وتحدث عن الصعوبات اللوجستية والإدارية الناجمة عن عدم تواصل رئيس الوزراء ووزير الداخلية رامي الحمد الله مع الأجهزة الأمنية منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني حتى يومنا هذا، وعدم صرف أي ميزانيات أو مصروفات للوزارة رغم صعوبة الوضع، والأهم من ذلك أن منتسبي الأجهزة الأمنية لم يتلقوا رواتبهم منذ تشكيل حكومة التوافق، ولم تعترف الحكومة بحقهم كأجهزة أمنية وتعتبرهم غير شرعيين.
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف إن موقف الداخلية نابع من حملة التحريض التي أطلقها قادة من فتح ضد الأجهزة الأمنية، موضحا أنه لا يعقل في ظل تلك الحملة أن يقبل أفراد هذه الأجهزة حماية المهرجان خشية الاعتداء عليهم.
وذكر أن قيادات فتح لا تستطيع ضبط عناصرها وهذا ما أظهرته العديد من المناسبات السابقة.
ورأى الصواف أن الحكومة لم تقم بواجباتها في غزة كما أن قيادات فتح في غزة هم من طلبوا من الأجهزة الأمنية حماية المهرجان، في حين أنها لم تطلب ذلك من وزير الداخلية الذي من الطبيعي أن يؤمر عناصر وزارته بتأمين المهرجان.
وذكر أنه من الأوْلى ألا تقدم الأجهزة الأمنية على توريط نفسها بحامية المهرجان المليء بأسباب الفلتان والانفجار في أي لحظة، لتحمل فيما بعد أسباب أي فلتان يحدث.
وتساءل الصواف: "هل تضمن فتح عدم نشوب أي صراع بين تياري دحلان وعباس كما حدث في الأزهر؟".
الأحداث الأخيرة في غزة تظهر هشاشة اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، فبينما تبحث فتح عن حقوقها في غزة، تتجاهل أي وجود لحماس بالضفة. كما أن الحكومة لو استكملت حل الملفات العالقة لسارت أمور القطاع دون أي عقبات أو عمليات فلتان أمني.